الوقت - كما وفي كل مرة، تخرج واشنطن مروِّجةً لضرورة التدخل في شؤون الدول، إما بتوسيع الدور الموجود أو خلق دورٍ جديدٍ لقواتها. وهو ما تتصف به سياسة أوباما الوداعية. حيث منح منذ أيام، دوراً أكبر للجيش الأمريكي في أفغانستان. في حين توجد الكثير من الدلائل، والتي تُثبت أن السياسة الأمريكية تجاه كابول، لم تؤتِ بنتائج تصب في صالح الشعب الأفغاني. فكيف يُمكن إثبات ذلك، من خلال الدلائل والحقائق؟
أوباما ومنح الجيش دوراً أوسع
أفاد مسؤولٌ أمريكي بارز أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وافق على منح الجيش دوراً أوسع، يُتيح مرافقة ودعم القوات الأفغانية التي تقاتل "طالبان". وأوضح المسؤول، أن القرار سيسمح باستخدامٍ أكبر للقوة الجوية بما في ذلك الدعم الجوي الوثيق. ويأتي القرار بعد أكثر من عام على انتهاء المهمة القتالية للقوات الدولية في الأراضي الأفغانية.
من جهةٍ أخرى، حث عددٌ من الجنرالات المتقاعدين والدبلوماسيين البارزين أوباما، على التخلى عن تلك الخطط. وحذروا من تقويض المعركة ضد "طالبان"، معتبرين أن السياسة الجديدة تُتيح لقائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال جون نيكلسن، مرافقة جنودٍ أمريكيين لقواتٍ أفغانيةٍ تقليديةٍ إلى ساحة القتال، وهو ما يقتصر حالياً على قوات العمليات الخاصة الأفغانية. فيما أشار المسؤول العسكري، أن هذه المرونة الإضافية ستساعد الأفغان في لحظة مهمة لبلادهم. لكنها في المقابل، تُعتبر انحرافاً عن القواعد الأمريكية الحالية للإشتباك في أفغانستان، والتي تفرض قيوداً على قدرة القوات الأمريكية على مهاجمة المتمردين.
حقائق حول الدور الأمريكي: تجربةٌ غير مشجعة وتدخلٌ يُعقِّد الظروف
لا شك أن المراقب للسياسة الأمريكية في أفغانستان، يُدرك وجود فجوةٍ بين الأهداف والنتائج. وهو الأمر الذي يمكن تبيانه بالتالي:
1- على مدى الـ 18 شهراً الماضية، سقطت وبسهولة، أجزاءٌ كبيرة من أفغانستان بما في ذلك عاصمة إقليم قندوز الشمالي ومناطق كثيرة في إقليم هلمند الجنوبي. فيما تخضع مناطق وأقاليم كثيرة أخرى وبدرجات متفاوتة لسيطرة ما يُسمى بالمتمردين. وهو الأمر الذي أعاد للواجهة، مسألة النقاش في جدوى توسيع دور القوات، حيث ارتفعت وتيرة الأصوات الدولية، والمحلية، المطالبة بتحديد الدور. فيما خرجت تقارير تتحدث عن أن الأوضاع تراجعت منذ التدخل الأمريكي، وهو ما أثبتته الأحداث.
2- في المقابل، يسعى أوباما لمنح سلطات جديدة، للجيش، قد تمنحه فسحةً أكبر لمعالجة أوجه القصور لدى قوات الأمن الأفغانية بحسب ادعائه. فيما يعتقد خبراء عسكريون، أن هناك صعوبة في التكهن بالموعد الذي سيكون بمقدور كابول فيه الإعتماد على نفسها في قتال التمرد، خصوصاً وسط صعوبات اقتصادية هائلة. وهو الأمر الذي تحاول واشنطن الترويج له، من أجل تبرير دورها.
3- ولعل تحليل السياسة الأمريكية الحالية، يجعلنا نُدرك أن أوباما وإدارته، يتعاطون مع الملف الأفغاني، كأيٍ ملفٍ في المنطقة، يهدف أوباما من خلاله لقطف الإنجازات، قبل مغادرته البيت الأبيض، دعماً للديمقراطيين.
4- في حين خرجت أعلى هيئة رقابية للحكومة الأمريكية في تقريرها بشأن أفغانستان، لتُشير الى حجم الهدر في السياسة الأمريكية تجاه كابول. وهو ما يعني وجود صرفٍ غير نافع في الموازنة الموضوعة، والشاملة لعناوين كتخصيص أمريکا مليارات الدولارت من معونات في مجال الإعمار في أفغانستان على مدى الأعوام العشرة الماضية. في وقتٍ أكدت الهيئة، أن تمرد طالبان حالياً، يُهدِّد جميع المكاسب التي تحققت، بحسب تعبير التقرير.
كلامٌ لموظفٍ سابق في الـ "CIA"، يُثبت زيف الأهداف الأمريكية
وفي هذا السياق أدلى "بول بيلار" الموظف السابق في وكالة الإستخبارات المركزية الـ "CIA" بكلام يُثبت زيف الأهداف الأمريكية، و في مقالٍ له نشرته مجلة "ناشونال انتيرست" الأمريكية الشهر المنصرم، أن حرب واشنطن المُدَّعاة ضد الإرهاب، قد تستمر إلى ما لا نهاية، وذلك بسبب التفسير الخاطئ لمفهوم "الإرهاب". وهو الأمر الذي يخدم مطلبنا، كدليلٍ على أن ادعاءات واشنطن تجاه أفغانستان أو أيٍ من الملفات في المنطقة، ليست سوى مخادعة تهدف لتبرير التدخل وكسب الأدوار.
إذن، لم تعد إدعاءات واشنطن تمر على أحد. فيما تمضي في سياساتها، لأهدافٍ خاصة، قد يكون ثمنها تدمير البلاد. فيما يمكن القول إن الدور الأمريكي في أفغانستان، لا يشتمل إلا على حقائق عملية وإعترافاتٍ أمريكية لا تُثبت إلا حجم الفشل.