الوقت - أتت الإنتخابات البلدية في لبنان لتدعم الرأي الشعبي ورأي الحراك المدني الذي لم يقبل ذرائع السلطة الملفقة من اجل التمديد لمجلس النواب، كما أن نتائج هذه الإنتخابات كان لها دلالات مستجدة يبنى عليها من اجل التحضير للإنتخابات النيابية، فبيّنت الضعف في مواطن عديدة كانت بعض القوى السياسية سيطرت عليها لعقود من الزمن، هذه المواضيع وغيرها محيطة بمسألة الإنتخابات البلدية وانعكاساتها طرحناها في حوارنا مع الكاتب والصحفي اللبناني الاستاذ "سركيس أبو زيد" والذي جاء فيه:
الوقت: هل أسقط الإستحقاق البلدي كل الحجج لعدم إقامة انتخابات نيابية؟
الاستاذ سركيس: "صحيح، لأن الإنتخابات البلدية أكدت انه يمكن إجراء إنتخابات ولا يوجد أعذار أمنية، لأنهم سبقوا وان مددوا لمجلس النواب بحجة أن الوضع الأمني لا يسمح بإقامة انتخابات، إنما تمت الإنتخابات البلدية بكافة المناطقة اللبنانية دون أن تحصل أي اضطرابات أمنية أو مشاكل، ما يعني أن هذه الحجّة التي تم التذرع بها هي ساقطة ولا يوجد أي مانع من إجراء الإنتخابات بسبب هذا الموضوع."
الوقت: اعتبر البعض أنه بمجرد سقوط هذه الحجّة تسقط معها شرعية مجلس النواب الممدد لنفسه وذلك وفقاً لقرار المجلس الدستوري الذي اعتبر أن قرار التمديد سارٍ حتى انتفاء السبب، وهو ما حصل الآن، ما رأيكم؟
الاستاذ سركيس: "هناك اجتهاد في هذا الموضوع، فالبعض يعتبر أنه مع سقوط حجة تمديد هذا المجلس فهو غير شرعي، ولكن هو فعلياً قانوني ويستمد قانونيته من أنه أمر واقع وهو موجود ولا يوجد بديل عنه، إلا اذا بدأ البحث جدّياً بتقصير مدة المجلس الحالي من أجل إجراء انتخابات نيابية بأقرب فرصة، ولكن بسبب تداخل هذا الموضوع مع انتخاب رئيس للجمهورية هناك نوع من التناقض والتباين بين الكتل النيابية هو هذه المسألة، ولكن هذا المجلس هو قانوني لم تسقط شرعيته، ولكن لم يعد هناك أي شرعية لأي تمديد جديد."
الوقت: بالنظر الى نتائج الانتخابات البلدية حتى الآن، هل برأيكم ربما تتغير بعض الإصطفافات السياسية لإعتبارات نيابية لاحقة؟
الاستاذ سركيس: "هذه الإنتخابات تعطي مؤشراً للإستفادة منه في الإنتخابات النيابية، ولكن كونها انتخابات محلية لها إعتبارات نابعة من العلاقات العائلية والعلاقات المحلية، فهي تعطي مؤشراً لنتائج الإنتخابات النيابية ولكنها لا تؤكد أو تجزم ولا يمكن البناء على أساسها في الإنتخابات النيابية، خاصة أنه علينا أيضاً أن ننتظر القانون الذي سيتفق عليه وستتم الإنتخابات النيابية وفقاً له، لأن هذا القانون له علاقة بتقسيم الدوائر وبإعتماد النسبية أو الأكثرية وعدة عوامل لها تأثير على نتائج الإنتخابات، لذلك لا نستطيع أن نبني على الإنتخابات البلدية ونتائجها النهائية بالنسبة للإنتخابات النيابية بإعتبارها مرتبطة بعدة عوامل أخرى."
الوقت: ماذا عن الدلالات التي بيّنتها بعض نتائج الإنتخابات البلدية كبيروت وجونيه على سبيل المثال؟
الاستاذ سركيس: "هذه النتائج تؤشر بأن هناك إرباكاً عند مختلف الأطراف ولكن لها أسباب يمكن تفاديها، ولكن أظهرت بأن هناك تراجعاً لتيار المستقبل كما ان هناك تراجعاً للتحالف الثنائي بين القوات والتيار، كما كشفت ان هناك تناقضات وخلافات داخل 8 آذار وداخل 14 آذار، لذلك هناك معطيات جديدة يمكن الإستفادة منها للمرحلة المقبلة."
الوقت: في السياق نفسه هل تعتقد أن نتائج الإنتخابات البلدية قضت على إمكانية الخروج بقانون انتخابي نسبي للإنتخابات البرلمانية؟
الاستاذ سركيس: "هناك قوى سياسية عديدة تتخوف من قانون الإنتخاب النسبي فهو لا يخدم مصالحها، أيضاً الإنتخابات البلدية أكدت ان بعض القوى التقليدية لا تستطيع ان تقبل بهذا القانون لأنه متناقض مع مصالحها، ولكن هذا الموضوع لا زال قيد البحث في مجلس النواب من أجل إقرار قانون جديد."
الوقت: ولكن مقترح الرئيس "نبيه برّي" أكد فرضية بدء استبعاد القانون النسبي، ما رأيكم؟
الاستاذ سركيس: "نعم هذا صحيح، لأن الرئيس "نبيه برّي" يعرف الإتجاهات كلها لذلك اقترح قانوناً يمكن أن يرضي مختلف الأطراف، بإعتبار انه يعتمد النسبية والأكثرية في نفس الوقت للخروج من الأزمة وتشكيل طبقة سياسية جديدة قادرة على الإستمرار بالوضع."
الوقت: هل برأيكم أن نجاح الإستحقاق البلدي هو بوابة لبدء الحلحلة في الأزمة الرئاسية؟
الاستاذ سركيس: "لا أعتقد ذلك فموضوع الانتخابات البلدية ليس مدخلاً للموضوع الرئاسي، فموضوع الرئاسة له علاقة بمستقبل النظام وله علاقة بالمتناقضات المحلية، والبعض يربط انتخاب رئيس في لبنان بالوضع الإقليمي والدولي، لذلك قبل أن تتبلور الأمور الإقليمية وخاصة في سوريا أعتقد ان الإنتخابات الرئاسية مؤجلة."
الوقت: ألا تعتقد ان الإنتخابات البلدية ستعرّي السلطة وتحرجها شعبياً لإجراء انتخابات نيابية وبالتالي رئاسية؟
الأستاذ سركيس: "هذا الإحراج في لبنان لا يصرف، لأنه وللأسف الحركة الشعبية ضعيفة ولا تستطيع ان تؤثر على الطبقة السياسية، لذلك هذه الطبقة تقوم بما تشاء وكما تشاء دون أن تقيم أي اعتبار للرأي العام أو القواعد الشعبية حولها."
الوقت: ولكن هل من الممكن لنتائج الإنتخابية البلدية أن تفعّل وتشجّع على زيادة الحراك المدني في ظل إمكانية الخرق التي شهدناها في بعض المناطق؟
الأستاذ سركيس: "الحراك المدني موجود، ولكن حتى الحراك المدني يعاني من تفكك ومن ضعف في وجود برنامج موحد وشامل وقيادة موحدة، للأسف إن لبنان الآن يمرّ في مرحلة من التفكك على مستوى الطبقة السياسية، على مستوى الأحزاب، على مستوى المجتمع المدني وحتى على مستوى النخب، لذلك سيكون هناك دائماً هبّات شعبية ستأخذ طابعاً مدنياً ولكنها ستبقى محدودة، لأنه في الواقع لم يتبلور تيار شعبي واسع يستطيع أن يؤثر في الحياة السياسية في لبنان."