الوقت- لم تمنع الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية التي تعصف ببلاد الرافدين أبناء العراق، في السياسة والميدان على حد سواء، من صونه من كافّة المخططات التي تسعى للنيل من هذا البلد الذي لایزال يعاني من ويلات غزو 2003.
التحديات كبيرة جداً سواءً من الناحية الأمنية التي بدأت بسيناريو الموصل في العام 2014 ولم تنته بإعلان رئيس مجلس الامن في إقليم كردستان العراق "مسرور بارزاني" نيّته إعلان إستقلال الإقليم العراقي، وكذلك المعلومات الروسيّة عن تورط تركي في دعم داعش حيث وجدت مواد متفجرة تركية بمدينة تكريت، أو من الناحية السياسية حيث تعصف بالبرلمان والحكومة أزمات مصيرية، أو من الناحية الإقتصادية حيث يستشري الفساد في أروقة الدولة العراقية دون رقيب وحسيب.
العديد من القوى السياسيّة تسعى لرأب الصدع بين أركان الدول العراقية، بإعتبار أن الخلاف السياسي سيؤثر على أوضاع الميدان، وهو ما إعتبره آخرون "كلام حق يراد به باطل" أي أن العديد من القوى السياسية باتت تستخدم سلاح داعش لتخدير الشعب والتعمية على ملفات الفساد التي باتت تؤرق الشعب العراقي وميزانية الضعيفة بسبب الإستنزاف الميداني ضد الجماعة الإرهابية، وإنخفاض أسعار النفط والفساد، على حد سواء.
الأزمة السياسية التي إحتلت الخطوط العريضة للشاشة العراقية في ظل غياب جزئي عن الشاشات الإعلامية للمعارك الرئيسية التي يسطّرها أبطال الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ضد التنظيم الإرهابي الأبرز، أثارت حفيظة العديد من زعماء القوى السياسية، بما فيها المتناحرة، حفاظاً على مصلحة العراق حيث أيقن هؤلاء أن إستمرار الأزمة يعد معركة سياسية جانبية، مشابهة لمعركة الطوز الجانبية أيضاً، والتي تحرف البوصلة عن العدو الحقيقي للشعب العراقي.
المشهد العراقي يبدو ضبابياً بإمتياز، بإعتبار أن العديد من القوى العراقية، وتحت شعار حماية العراق تسعى لزلزال سياسي يسهدف أبنية "العبادي"، ليعيد بناء أساسات جديدة لعراق قوي. مقابل هذا الرأي، هناك من يرى أو الأوضاع غير مؤاتية لهذا الزلزال، ومعزّزاً فرضيته بأن العراق هو الخاسر الأكبر، والنتيجة ستكون في صالح تنظيم داعش الإرهابي. أمام هذا التناقض الذي من المفترض أن ينجلي غباره في الأيام القادمة سواءً فيما يخص سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب المتنازع على شرعيته، أو رئيس الوزراء "حيدر العبادي" حيث باتت قضية إستبداله تلقى قبولاً متزايداً في موازاة العديد من الأطراف السياسية،"التحالف الوطني" و"ائتلاف دولة القانون"، وهو ما تعزّز مع إعلان المجلس الأعلى الإسلامي الذي يقوده السيد "عمار الحكيم" عن الإتفاق على تشكيل "الكتلة العابرة للطائفية".
قد لا ندري الوجهة السياسية المقبلة في العراق، خاصّة أن الحديث عن سحب الثقة من "العبادي" وتشكيل كتلة عابرة للطائفية يتزامن مع مقاطعة النواب والوزارء الأكراد للبرلمان والحكومة بسبب الإعتداء الذي تعرضوا له في "المنطقة الخضراء" (الإعتداء طال نواب آخرين)، وتلويحهم بالانفصال وفرض مزيد من الشروط على بغداد مقابل العودة، شروط تتعلّق بزيادة الحصة المالية والسياسية للأكراد، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: يجب أن تبقى الخلافات السياسية تحت سقف العراق، وبالتالي إن كلام رئیس حکومة إقلیم کردستان "نیجرفان بارزانی"، قبل عدة ایام ان استقلال منطقة کردستان "حق شرعی و طبیعی" لأهالیها، وكذلك تصريح رئيس مجلس الامن في الإقليم "مسرور بارزاني" في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية ، ان الإقليم يريد الاستقلال عن المركز، معتبراً أنه "من الآن وصاعداً نحن لسنا مواطنین عراقیین، ولا توجد ایة روابط ثقة بیننا وبین بغداد"، ومبیناً ان "الحل الوحید لما یجری هو الانفصال بالنسبة لنا"، يصب في صالح المشروع الأمريكي المتمثّل بتقسيم البلاد، وبالتالي إضعاف الجميع. هنا تجدر الإشاراة إلى أن ضعف الحكومة المركزية، سمح لبارزاني بالحديث عن الإنفصال الغير قادرة بغداد على منعه، وبالتالي لا بد من تقوية العراق من الناحية السياسية.
ثانياً: لطالما كانت المرجعية الدينية صمام الأمان لهذا البلد العريق، وبالتالي لا بد من الأخذ بتحذيراتها الأخيرة حيث حذر المرجع الديني الاعلى السيد "علي السيستاني"جميع الاطراف السياسية من الاستمرار على النهج الحالي في التعاطي مع قضايا البلد وازماته الكثيرة، ودعاهم الى التفكير ملياً في مستقبل شعبهم واتخاذ خطوات جادة وملموسة للخروج من الوضع الراهن الى مستقبل افضل.
العراق اليوم يمر بظروف مصيريه ترسم مستقبل أبنائه لمئات السنين، ما يحتّم على كافّة القوى السياسية التعاطي بمسؤولية وطنية كبرى، عابرة للأحزاب والطوائف، إزاء ما ينتظر بلد يقترب من الهاوية أكثر فأكثر، فالمرحلة تتطلب سواعد سياسية كتلك الميدانية التي تحمي سكّان العراق.