الوقت- أطل الجولان الى الواجهة من جديد. لم تنجح ثلوج وصقيع جبال الشيخ, من ان تحافظ على برودة الحرب التي تدور في المنطقة منذ بداية الازمة السورية, حرب رسائل سياسية وأمنية حملتها جبال الحرمون من اسرائيل واليها, دوى صداها في الهضبة فيما سبق من الايام.
الجولان منطقة رسائل أمنية وسياسية:
رسائل عديدة حملتها هضبة الجولان بتضاريسها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في اتجاهين . الأول من اسرائيل الى سوريا وحزب الله, عبر دعم اسرائيل للمجموعات الارهابية من النصرة وداعش من خلال فتح الحدود ومعالجة الجرحى والتسليح والدعم الناري المباشر الذي استهدف مرارا مواقع وتحركات الجيش السوري في المنطقة, أرادت فيها اسرائيل ترسيخ واقع جديد تستغل فيه انشغال النظام السوري وحلفائه في الاحداث الجارية, لتضغط على النظام من خلال الحدود الجنوبية لسوريا في تدخل واضح جدا في الشأن السوري من قبل اسرائيل, التي لم تقف عند هذا الحد بل وصلت سياساتها الى جعل منطقة الجولان مقرا للمجموعات المسلحة التي تربطها بها علاقات ممتازة, لتحول هذه المنطقة الى منطقة عمليات تهدد فيها حزب الله عبر جر الصراع بين الحزب والمسلحين الى منطقة مزارع شبعا الواقعة في المنطقة المشتركة بين لبنان وسوريا.
في المقابل, من محور المقاومة, الاخير الذي اراد أن يمنع الاسرائيلي من تنفيذ مخططه عبر احالة الحدود الجنوبية الى منطقة تسودها الفوضى ولا تستطيع اسرائيل الحفاظ على الاستقرار فيها.
من ناحية اخرى حزب الله الذي بدأ منذ عام 2006, ينشط في منطقة مزارع شبعا وعلى اطراف الجولان, يعتبر هذه المنطقة بالنسبة له منطقة صراع استراتيجي من حيث التضاريس والموقع الذي تحتله في شمال فلسطين وحدود لبنان الجنوبية الشرقية, كل هذا بدأ يرفع مستوى الحذر والحرارة في هذه البقعة التي تجمع اربع دول في جغرافيا صغيرة الاردن لبنان سوريا وفلسطين.
جديد الاحداث التي حركت الصراع بشكل عنيف _ دلالات الزمان والمكان:
الساعات الماضية, شهدت أحداثا ليست كغيرها من الاحداث التي حصلت, لما حملته من دلالات ورسائل قاسية وسط حيثيات ووضع دقيق يشوب المنطقة قد يحمل في اي لحظة نبأ اشتعال الجبهة الشمالية لاسرائيل.
اسرائيل اقدمت في رسالة واضحة قاسية, على استهداف موكب يضم مسؤولين ايرانيين ولبنانيين كانوا ينفذون جولة ميدانية في منطقة القنيطرة في الجولان السوري المحتل, أدت الى استشهاد قيادي عسكري في حزب الله يدعى أبو عيسى وخمسة من المعاونين من بينهم النجل الاصغر للقيادي الجهادي الكبير الشهيد عماد مغنية الذي اغتالته اسرائيل قبل سنوات علىالاراضي السورية أيضا, ويضاف الى هذا حديث يدور حول استشهاد قياديين من الحرس الثوري الايراني كانوا متواجدين في الموكب.
للزمان والمكان في هذا الحدث, دلالات ومضامين خطيرة جدا, فهو يأتي في ظروف دولية واقليمية دقيقة جدا وحساسة.
وجهات نظر عديدة عكست الاسباب التي جعلت اسرائيل توجه هذه الرسالة التي تفوق حدود الحدث ونتائجه الأولية, فالقرار الاسرائيلي يأتي في ظل حيثيات مترابطة تجعل منه رسالة وليس فقط حدثا محدودا بالعملية العسكرية.
دلالات مكانية:
تأتي العملية في منطقة جغرافية استراتيجية, فتواجد قادة وخبراء لحزب الله والحرس الثوري على الحدود الاسرائيلية هي بحد عينها رسالة خطيرة ترعب اسرائيل, فكيف اذا تساءلنا ماذا تفعل قيادات لا تحب أن تسمع اسرائيل بها علی الاراضي السورية وفي الجولان بالتحديد وتحت عيون مواقعها العسكرية!!
فاسرائيل المرعوبة من واقع يفرض عليها من قبل النظام السوري وحلفائه, لم توفر فرصة لاعادة تثبيت خطوط جديدة في معادلة الردع القائمة بينها وبين محور المقاومة, عبر توجيه ضربة للناشطين تبلغ فيها قياداتهم بأنها لن تسكت عن هذا النوع من التحدي الذي يسعى فيه محور المقاومة لادخال منطقة الجولان ضمن منطقة عمليات المقاومة الاستراتيجية في مواجهة اسرائيل.
اسرائيل تعتبر ان استهداف الحزب ضمن الاراضي السورية, يحرج الحزب ويحول دون اقدامه على ردات فعل لا تستطيع اسرائيل تحملها, فموقف الحزب ومحور المقاومة سيکون ضعيفا في تقديم مبررات للمجتمع الدولي, وستكون اسرائيل قادرة اكثرعلى تبرير فعلها عبر التسويق بأنها مستهدفة من قبل حزب الله وايران عبر الجولان, فكانت الرسالة عبر العملية.
دلالات زمانية:
العديد من المطالعات والتحاليل اشارت الى أن ما حدث هو رد على خطاب السيد حسن نصر الله الذي رفع فيه سقف المواجهة مع اسرائيل, مصرحا ان الحزب يملك من السلاح ما يتصوره وما لا يتصوره الاسرائيلي , وأن القدرة الصاروخية للحزب تطال كل اسرائيل مفصحا عن سلاح صاروخي ايراني الصنع "فاتح 110" يملكه الحزب منذ العام 2006.
الاعلان عن الصاروخ الذي يتمتع بمميزات عالية الأداء والجودة, والذي يعتبر سابقة كبيرة لمقاومة شعبية تمتلك هذا النوع من السلاح الاستراتيجي , شكل تهديدا ضخما للكيان العبري حيث يمكن الحزب من استهداف اي موقع يريده داخل الاراضي الفلسطينية وبدقة. هذا ويشار الى أن اسرائيل كانت تسعی بكل جهودها الاستخباراتية والعسكرية لتحول دون وصول مثل هكذا نوع من السلاح الى الحزب لأنها تعتبره كاسر للتوازن, وقد أقدمت اسرائيل وفق تصريحاتها سابقا باستهداف شحنات عسكرية في الاراضي السورية تنقل هذا النوع من السلاح لحزب الله لكن يبدو دون جدوى.
يضاف الى هذا التحدي الاخر الذي جاهر فيه السيد أثناء خطابه بأن المقاومة تنوي اجتياح مناطق من اسرائيل في أي مواجهة قادمة فقد اعتبر البعض أن كلمة السيد نصر الله رفعت سقف القوة النفسية للحزب وأعطته نقطة قوة أخرى مقابل اسرائيل, وهذا ما جعل اسرائيل تغتنم الفرصة وتستهدف الموكب القيادي.
بين المكان والزمان:
حرب استخباراتية معلوماتية, تجري بشكل دائم بين الحزب واسرائيل, فضربات اسرائيل الجوية على الاراضي السورية وتصريحات السيد حسن نصر الله حول السلاح الذي يمتلكه منذ ال 2006 وأنه سلاح قديم ضمن ما يعده الحزب لاسرائيل, يضاف اليه كلام اسرائيلي منذ سنة, عن ضرب مخازن لهذا السلاح في سوريا, كلها حرب تجري كانت تتخذ طابعا التصارع خلف الستار, الى أن ظهر تصريح السيد حسن نصر الله الذي أخرج هذا الصراع الخفي الى العلن ليسحب من الاسرائيلي ورقة كان يعول عليها كانجاز استخباراتي ناجح يستلزم منه الاطباق على الحزب لاستغلال الفرصة قبل ان يعيد الحزب ترميم قدرته واستبدال هذا السلاح باخر لا يمكن للاسرائيلي تعقبه.
فأتت تصريحات السيد لتبلغ اسرائيل ان الحزب لا يعول فقط على هذا السلاح انما يعد قديما في منظومة الحزب الصاروخية وأن لدى الحزب ما لا تتصوره اسرائيل وهذا ما اخرج اسرائيل عن طورها!!
إسرائيل, في عمليتها الأخيرة, قصدت ضرب عدة أهداف بحجر واحد:
كل ما ورد من اراء حول العملية سليم, فاسرائيل متخوفة من حزب الله في الجولان ومحتاجة لاعادة وضع خطوط حمراء في معادلة الردع بينها وبينه, وكذلك تريد قطاف ضربة تستثمرها في الانتخابات القادمة, كما تحتاج أيضا لكي تخفف من وطأة الحرب النفسية التي يخوضها السيد حسن نصر الله عليها, حيث حول السيد بتصريحاته التفاؤل الاسرائيلي بالنجاح الاستخباراتي عبراستهداف سلاح فاتح 110 في سوريا الى تشاؤم ببضع كلمات أوضح فيها ان السلاح قديم ولا يعتمد فقط عليه في الحرب, ويبدو ان هذا الكلام وقع حجرا ثقيلا على رأس القيادات الاسرائيلية ففقدت صوابها.
اسرائيل وجهت رسالتها. لكن ماذا بعد العملية؟؟
حزب الله الذي يتقن تطوير معادلة الردع بينه وبين اسرائيل ويعتمد عليها في استراتيجيته الدفاعية عن لبنان, بات يختزن في سجلاته اعتداءات اسرائيلية كثيرة, عبرعمليات اغتيال طالت قادة ناشطين في الحزب, ليتبعها استهداف اسرائيل لسلاح تابع للحزب قبل ادخاله الى لبنان عبر الاراضي السورية, فضلا عن ازدياد عمليات الاختراق لما يعرف بالخط الازرق, الحدود المؤقتة بين لبنان وفلسطين المحتلة, وبعدها الاعتداء على شبكة اتصالات الحزب العسكرية .. فالحزب يدون بصمت هذه الخروقات ويعدها ليوم الحساب !!
الحزب مدرك جدا لخصوصية الزمان والمكان و يشتهر بقتال ذكي بعيد عن التهور وفوضى استعراض القوة والخطابات, يلتزم صمتا حول مآل الأمور, ويأخذ وقته لتقييم الموقف كما العادة, فهو ليس من الحركات التي تتخذ قرارها تحت الضغط وتتسرع لتندم. لكن الصمت القوي هيبة اقوى من كلامه.
اسرائيل نتانياهو, تدرك ان الحزب لا تلوى ذراعه ببساطة وتعرف أن صمت الحزب ليس ضعفاً, لهذا تجدها في الساعات التي تلت العملية حتى الان, تتخبط في تصريحات داخلية حول صوابية العملية وتوقيتها ومدى وشكل الرد الذي ستتلقاه, وسط ذعر ينتاب مستوطني الشمال وتأهب للجيش على الحدود مع لبنان, مع رفع حذرها الأمني خارج الحدود الفلسطينية حول العالم.
في هذا السياق، كان موقع الوقت التحليلي قد صرح في وقت سابق نقلاً عن مصدر أمني مقرب من حزب الله, لا یجب أن نتوقع أن حزب الله سیهاجم الکیان الإسرائیلي من نفس الموقع الذي تعرض فیه للهجوم الإسرائیلي، کما لا یجب أیضاً أن نظن أن عملیات حزب الله ستکون عاطفیة. ولهذا السبب لن یستطیع الکیان الإسرائیلي کما في السابق توقع ردة فعل حزب الله والوقوف علی نوایا الحزب.
وصرح المصدر نفسه، ان ردة فعل حزب الله ستکون مزیجاً من الإبداع والضربة الحاسمة و ستنهي الأعمال الإرهابية التي تنفذها طائرات هذا الکیان. مضيفا ان حزب الله سیهاجم الکیان الإسرائیلي من موقع یشکل له عنصر المفاجأة.
يدرك الکيان الإسرائيلي أن الحزب قد يلجأ الى رد ضخم يرد فيه ثأره لكل الحساب المفتوح الذي يحتفظ فيه بحق الرد, وقد توجب على اسرائيل دفعه بعد عملية الساعات الماضية !!
فأين ومتى وكيف ستدفع اسرائيل فاتورة استحقت عليها, هذا رهن الأحداث في قادم الأيام التي لن تفرح اسرائيل !!