الوقت-أثار الهجوم الارهابي الذي استهدف مقر صحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية وراح ضحيته12 قتيلًا وعشرة مصابين بينهم خمسة في حالة خطرة، ردود افعال مستهجنة حول العالم، حيث رفضته كل المنظمات الإسلامية، بينما أيدهُ مقاتلو داعش عبرحساباتهم على موقع تويتر.
الحكومة الفرنسية رفعت مستوى الإنذار في باريس وضواحيها إلى الحد الأقصى، أي إنذار بوقوع هجمات، وتعهدت القضاء بأسرع ما يمكن على "ثلاثة إرهابيين" ارتكبوا العمل "الهمجي"، وقال مصدر قريب من التحقيق، إنه "قرابة الساعة الــ 11.30 اقتحم رجلان يحملان كلاشنيكوف وقاذفة صواريخ، مقر صحيفة شارلي ايبدو الساخرة، في الدائرة الــ 11 من باريس، وحصل تبادل إطلاق نار مع قوات الأمن".
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي توجه إلى موقع الهجوم، قال إن : "الهجوم على شارلي ايبدو اعتداء إرهابي بالتأكيد"، وندد هولاند بــ "عمل على قدر استثنائي من الوحشية" تعليقاً منه على الهجوم.
وفاجأ المهاجمون أسرة تحرير شارلي ايبدو أثناء اجتماعها وتمكنوا من القضاء على معظمهم وبينهم كبار رسامي الكاريكاتير الأربعة شارب وكابو وولينسكي وتينيوس الأكثر شهرة في فرنسا، وقتل المهاجمون شرطيين أحدهما بإطلاق النار عليه من مسافة قريبة، ولم تعرف بعد وجهة أو هوية المهاجمين الذين نجحوا في الهرب وهم "ثلاثة مجرمين" وفق وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنوف، فيما قالت مصادر إنهم اختطفوا رهينة في طريق فرارهم، ونسبت تقارير إخبارية لأحد شهود العيان قوله إن المهاجمين شنوا الهجوم ومعهم أسلحة أوتوماتيكية وقاذفة صواريخ قائلين "تم الثأر للنبي"، وتمكنوا لاحقاً من الفرار في سيارتين ومعهما رهينة بعد تبادل إطلاق نار مع الأمن .
وأفادت مصادر في الشرطة الفرنسية أن طريقة تحرك المهاجمين وهدوئهم وتصميمهم الظاهر، إنما تكشف أنهم تلقوا تدريباً عسكرياً عالياً، ويبدو المسلحون في الصور التي التقطها أشخاص كانوا في المكان وهم يتصرفون بمهنية عالية ويشنون هجوما خطط له بدقة، حسب ما أفاد عضو سابق في جهاز لحماية الشخصيات وشرطي سابق في الشرطة القضائية، وقال أحد الشرطيين "تبدو حرفيتهم ظاهرة من طريقة الإمساك بأسلحتهم وتحركهم غير المتسرع، من المؤكد أنهم تلقوا تدريباً عسكرياً، هؤلاء ليسوا أشخاصاً عاديين خطر ببالهم فجأة القيام بعمل من هذا النوع" .فما قصة هذه الصحيفة ولماذا كان الهجوم؟
تشارلي ايبدو.. صحيفة المشكلات
أسست الصحيفة عام 1969 على يد فرانسوا كافانا تحت اسم هارا كيري، لكنَّ صحيفة هارا كيري الأسبوعية لم يكتمل إصدارها بعد إيقافها عام 1970 بسب الإساءة للذوق العام. بعد وقفها أنشأ فريقها صحيفة جديدة أسماها تشارلي إيبدو، تعثرت الصحيفة خلال مسيرتها فتوقفت عن الصدور لمدة عشرة أعوام منذ العام 1981 بسبب نقص في الموارد.
تنتمي صحيفة تشارلي ايبدو لنهج معروف في الصحافة الفرنسية منذ الثورة الفرنسية (1789م) وهو تقليد يجمع ما بين التطرف اليساري مع استفزاز و”بذاءة” في المصطلحات ورسوم كاريكاتورية هازئة. تقدم الصحيفة رسومًا هازئة واستفزازية عن الساسة ورجال الأعمال والمشاهير، والأهم رجال الدين بل و الأنبياء والرسل. كذلك تقوم بعمل تحقيقات صحفية حول المجموعات الدينية واليمين المتطرف.
صحيفة تشارلي إيبدو أعادت نشر رسوم الصحيفة الدنماركية يولاندس بوستن المسيئة للنبي محمَّد عام 2006، بناءً على هذه الحادثة تقدمت مجموعة من المجموعات الإسلامية في فرنسا بدعوى قضائية ضد الصحيفة، لكنَّ المحكمة الفرنسية أصدرت حكمًا داعمًا للصحيفة معللةً ذلك بأنَّ الرسم الكاريكاتوري إنما استهدف الإرهابيين وليس المسلمين. باعت الصحيفة بسبب هذه الرسومات حوالي نصف مليون نسخة، العدد الطبيعي الذي تبيعه الصحيفة أسبوعيًا يتراوح بين 55 و75 ألف نسخة فقط.
لم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة لنشر رسومات مسيئة للمسلمين، فعام 2011 صدر عدد خاص من الصحيفة بعنوان “الشريعة” يتضمن آنذاك رسومًا مسيئة للنبي محمَّد. كان هذا بعد فوز حزب النهضة الإسلامية في الانتخابات في تونس. تم شراء كل نسخ هذا العدد خلال ساعات من نشره. ولكن بمجرد نشره كان مقر الصحيفة المكون من طابقين قد تم تفجيره، وتمت قرصنة موقعها الإلكتروني.
عام 2013 أيضاً، أصدرت الصحيفة مؤلفًا من 64 صفحة، وصفت هذا العدد بأنه الجزء الأول من سلسلة لرسوم كاريكاتورية صادمة، تُصوِّر حياة نبي الإسلام، محمَّد. رئيس التحرير ستيفان شاربونييه علق على هذا العدد قائلًا: إذا أراد الناس الشعور بالصدمة فإنهم سيشعرون بالصدمة عند تصفح هذا الإصدار من الصحيفة.
داعش أم القاعدة..
"انتقمنا للرسول، الله أكبر” كانت هذه هي العبارات التي رددها القاتلان أثناء الهجوم على مقر الصحيفة اليوم"، وفي حين لا يوجد أي بيان رسمي يؤكد حقيقة قيام داعش بهذا الهجوم، أشاد مقاتلو داعش بالهجوم على الصحيفة الفرنسية، وعلق بعضهم"هؤلاء هم أسودنا . هذا هو أول الغيث . . والقادم أسوأ".
قبل دقائق من هجوم الأمس كانت الصحيفة قد نشرت رسمًا كاريكاتوريًا لـأبي بكر البغدادي، كما كانت قد نشرت في الفترات السابقة انتقادات لاذعة لداعش، لذلك ان عدم نشر الصحيفة لأية رسوم مسيئة للنبي خلال الفترة الماضية ونشرها رسومًا مسيئة لأبي بكر البغدادي وتنظيم داعش الارهابي يضع المزيد من الالتباس حول أسباب ودوافع الهجوم ومنفذيه.
موقع "فلاشبوينت" نشر تغريدة لشخص معروف بإلمامه بنشاط تنظيم "داعش"، جاء فيها:" الإخوة الذين نفذوا الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو عادوا بسلام إلى قواعدهم.. بانتظار قسم الولاء من المجاهدين في فرنسا، وإعلانها مقاطعة من مقاطعات داعش.. ومن مصدر مؤكد فإن داعش تعلن مسئوليتها عن الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو".
يُذكر أن تنظيم داعش الذي يضم ألاف الفرنسيين الذين ذهبوا الى العراق وسورية للقتال في صفوفه، ليس المشتبه به الوحيد في هذا الهجوم، حيث إن تنظيم القاعدة نشر في مارس من العام 2013 صورا لمحررين صحفيين منهم رئيس تحرير تشارلي إيبدو شارب الذي قتل في هجوم الأمس وقال: إنهم مطلوبون أحياء أو أمواتا.
أوروبا..الآتي أعظم
في ظل هذا النوع الجديد من الاعتداءات غير المبرّرة على صحيفة اخترقت كل الخطوط الحمراء و أساءت لمشاعر أكثر من 1.5 مليار مسلم، يتخوف الفرنسيون من اعتداءات أخرى قد تستفيد من تركيز قوات الأمن على اعتداء باريس. واعتبر محللون وخبراء في الجماعات المتشددة أن الهجوم يعكس نقلة نوعية في العمليات الإرهابية التي كانت في السابق تستهدف أماكن عامة مثل ما حدث في مدريد (2004) ولندن (2005)، أما الهجوم الجديد فاختار هدفه بدقة.
في الخلاصة، يبدوأن تنظيم داعش الاهابي الذي يضم بين صفوفه مئات الأوروبيين ولعل المنفذين من العائدين من سوريا والعراق، بدأ بنقل المعركة خارج الشرق الأوسط ونفذ تهديدات سابقة باستهداف أوروبا التي سمحت لمواطنيها المتشددين السفر والقتال في سوريا، واذا ما لم يدرك الغرب خطورة التعاون مع التنظيمات المسلحة، فان الأعمال الارهابية التي بدأت فى باريس بالأمس،لن تنتهي، بل ستمتد إلى عمق أوروبا، والقاعدة الجنائية تقول: "المجرم لا بد أن يعود لمكان الجريمة، لارتكاب جريمة ثانية".