الوقت - أحيى الاعلان عن مشروع مكافحة الفساد في العراق بدعم من المرجعية الدينية الآمال لتاثير تحقيق هذا المطلب على زيادة ثقة الشعب والمرجعية تجاه الحكومة وتبعا لها زيادة قدرة الحكومة على إستتباب الأمن والنظام في البلاد علاوة على إحياء السيادة الوطنية ووحدة الأراضي.
وإذا كانت تجري عملية المكافحة ضد الفساد بشكل توفر أرضية الجهاد الأكبر على موازاة الجهاد الأصغر كما جاء في التعاليم الإسلامية، كان بإمكانها تجفيف جذور الفساد في هذا البلد الذي يعاني من ميراث الإحتلال كما كانت مؤهلة لزيادة قدرة بغداد على إدارة وتسيير شؤون الشعب العراقي، لكنها تأثرت بشكل كبير بقضايا مختلفة منها الصراع بين الحكومة والجيش على خلفية الخلاف حول محاربة داعش، وتداعيات خفض أسعار النفط، وبث الفتن من جانب الأطراف العربية والغربية (وخاصة السعودية وبريطانيا) والمشاريع المتسرعة لبعض الأطراف السياسية الداخلية للضغط على الحكومة وحالت هذه الظروف دون الثقة التامة على مواصلة عملية المكافحة ضد الفساد، بل أثارت الخلافات الأهلية بين أطراف التحالف الوطني بصفته الداعم الرئيسي للحكومة العراقية ومست من الوحدة والتنسيق بينهم ليكون كنزهم الإستراتيجي عرضةً للخطر.
ولا شك أن قضية تحجيم الحكومة العراقية ـ والتي تقتضي الدمج بين الوزارات بعض الأحيان ـ قللت التكاليف الحكومية، لكنها سببت في حدوث الخلل في الموازنة السائدة على الحكومة السابقة وتسبب هذا بدوره موجا جديدا من الاعتراضات والمخالفات خاصة من جانب الأحزاب والفصائل السياسية الشيعية. وتظهر دراسة ردود الفعل لوسائل الاعلام التابعة لتيار المعارض للحكومة والنظام السياسي العراقي الجديد وفي مقدمتها السعودية أنها تنتظر بفارغ الصبر حصول هذه الخلافات ولايستبعد تدخلها غير المباشر في هذه التوترات بمساعدة من البلدان الغربية وخاصة بريطانيا.
وما يلفت الانتباه في التشكيلة الجديدة للحكومة العراقية قضيتان: الاولى تعيين "شريف علي بن حسين" من أحفاد العائلة الملكية الذي يحمل الميول الاجنبية البريطانية كوزير الخارجية مما يبعد الحكومة العراقية عن المسار الصحيح رغم أنه يمكن أن يساعد في تحسين العلاقات بين بغداد والعواصم العربية. والقضية الثانية هي إعطاء مقاليد وزارة النفط إلى الأكراد خاصة أنها تعتبر من القضايا الرئيسية التي توتر العلاقات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان ومن جهة أخرى تحاول قيادة الإقليم الإعلان عن إجراء الاستفتاء العام حول إستقلالها.
بناءً على ذلك يمكن القول إنه رغم مبادرة القيادات السياسية والمذهبية الشيعية في التأكيد على ضرورة إجراء الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، لكن قاطرة الإصلاح خرجت عن السكة فيما بعد وأثارت المخاوف بين ركابها، فعلى هذا يحتاج الإصلاح السياسي في العراق إلى المراجعة لتحقيق عدة مقتضيات منها أولاً: الحفاظ على الوحدة الداخلية بين الأحزاب والفصائل العراقية وخاصة داخل الكتلة الكبرى في البرلمان وتعزيزها، والثاني توفير الأرضية الخصبة لاجتثاث جذور الفساد، والثالث تعزيز الأمن والإستقرار عبر القتال ضد الإرهابيين التكفيريين والرابع توفير الأرضية المناسبة لإحياء السيادة الوطنية ووحدة الأراضي وأخيرا وقوعها موقع القبول من المراجع الدينية. ويمكن آنذاك الاطمئنان على نجاح عملية الإصلاح السياسي والتغيير الوزاري ضمنها.