الوقت – لايختلف اثنان على ان اي قرار حول حل الازمة السورية سيؤثر مباشرة على المستقبل السياسي لهذا البلد ومصير المقاومة هناك وان موضوع الفيدرالية المطروح الان ليس مستثنيا عن هذه القضية.
من المعروف ان الروس قد تحدثوا عن موضوع الفيدرالية في سوريا على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في 29 فبراير الماضي وقد قيل حينها ان هذا المشروع هو "الخطة ب" الذي كان قد تحدث عنها وزير الخارجية الامريكي جون كيري في 23 فبراير امام الكونغرس حينما كان يتحدث عن مشروع بديل لخطة فك الاشتباك في سوريا، وقد قال كيري في تلك الجلسة انه في حال فشل مشروع وقف اطلاق النار فإن الخطة ب جاهزة للتطبيق لكن يبدو ان بشار الاسد يتحرك الان نحو ايجاد حكومة انتقالية.
ان تصريحات كيري حول ما يقوم به الاسد فسرت كعلامة على وجود اتفاق امريكي روسي حول تطبيق الفيدرالية في سوريا لكن المتحدث باسم الحكومة الامريكية عاد واعلن معارضة امريكا القوية لتطبيق الفيدرالية في سوريا قائلا ان هذا كلام روسي بحت ولايسعى احد الى تطبيق الفيدرالية في سوريا.
ان ما كان الروس قد طرحوه باسم الفيدرالية كان موضوعا طرحه الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة صحفية في 12 فبراير ردا على سؤال حول منح الحكم الذاتي للاكراد ولذلك تظهر الاحداث ان الروس والاسد متفقان على الفيدرالية في سوريا في المستقبل لكن امريكا تعارضهما في ذلك لأنها تعلم بأن السنة الذين يشكلون 85 بالمئة من السوريين سيتجهون نحو الانفصال وحينها ستصبح سوريا مقسمة وهذا لايفيد المخططات الامريكية حاليا.
لكن من جهة اخرى تفيد المعطيات الميدانية في سوريا ان الروس والحكومة السورية يهيئون الظروف الان لاقناع المعارضين بالقبول بنموذج فيدرالي تحت حاكمية السلطات السورية الحالية ولذلك نجد ان البيان الروسي الامريكي المشترك الصادر في 23 فبراير حول فك الاشتباك تضمن انشاء مركز للتعاون من اجل المصالحة مع المعارضين في قاعدة حميميم في اللاذقية وعلى الاثر اوقفت روسيا غاراتها الجوية في 27 فبراير في المنطقة الخضراء المتفق عليها مع الامريكيين واعلنت موسكو ان عمليات المصالحة قد بدأت فعلا مع الوسطاء في دمشق وحماة وحمص ودرعا، لكن رغم هذا الاعلان استمرت المعارك لتحرير مدينة تدمر وفي 27 مارس تحررت المدينة بعد انسحاب تنظيم داعش الإرهابي منها وقد اعلنت روسيا ان طائراتها قامت بـ 500 طلعة جوية في معركة تحرير تدمر.
ان الحقائق تشير الان ان الروس يسعون الى عقد اتفاق لوقف اطلاق النار في محافظات حمص وحماة ودرعا ودمشق أي في الجبهة الجنوبية وقسم صغير من الجبهة الشمالية الغربية وذلك بموازاة مساعيهم لاجراء المصالحة في سوريا، ان وزارة المصالحة في سوريا تفاوض الان عناصر داعش وجبهة النصرة في محافظتي دمشق ودرعا لانتقالهم الى المحافظات الشمالية في حلب والرقة على ان تحل عناصر ما يسمى بالمعارضة المعتدلة محل عناصر داعش والنصرة في ريف دمشق وهم قلة في العدد.
وهذه العملية الجارية تثبت ان الروس والحكومة السورية قبلوا بوجود مكون سني في ريف دمشق لكن بطريقة تشكل اقل خطر ممكن على العاصمة والامر الملفت الآخر هو توكيل مهام محاربة داعش في الجبهة الشمالية الى الاكراد وكذلك فك الاشتباك من طرف واحد بين القوات الروسية والجيش السوري من جهة وقوات المعارضة في اجزاء كبيرة من الجبهة الشمالية الغربية وخاصة في حلب واللاذقية.
ويمكن تفسير ترك القتال في هذه المناطق والتركيز على الجبهة الجنوبية والمركزية (تدمر) والتحرك نحو الشرق (دير الزور) على ان الروس والحكومة السورية يتحركون الان نحو تطبيق فيدرالية تحفظ الدور المركزي للحكومة السورية في المستقبل السياسي للبلاد وهذا يفسر اشراك قوات "المعارضة المعتدلة" في عملية تحرير تدمر.
وكانت سوريا قد جربت هذا الامر في عمليات سابقة حيث تم قبل عام من الان تشكيل "الجيش السوري الجديد" وهم عناصر منشقة عن الجيش الحر والذين دخلوا الى القسم الشرقي من محافظة حمص انطلاقا من الحدود الاردنية واستولوا على نقطة التنف الحدودية مع العراق وطردوا داعش منها وهذا يمكن اعتباره اعطاء للضوء الاخضر للمعارضين للاستيلاء على الاراضي في بعض المناطق لضمان موافقة هؤلاء على مشروع الفيدرالية.