وظهرت مؤشرات انفراج العلاقات المغربية - الايرانية، في يناير /كانون الثاني الماضي، عندما وجهت الرباط دعوة الى طهران لحضور الاجتماع الأخير للجنة القدس، الذي انعقد في ذات الشهر بمدينة مراكش (وسط المغرب) وشارك فيها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف فكانت هذه الخطوة هي الأولى من نوعها في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه العديد من دول المنطقة .
وقد سبق هذا الاعلان الذي أتفق على أسسه وأطره في فبراير ۲۰۱۴ خلال اتصال هاتفي جرى بين وزير خارجية البلدين المغربي صلاح الدين مزوار والايراني محمد جواد ظريف اللذان اتفقا علی استئناف نشاط سفارتي البلدین لدی کل منهما، واکدا خلال الاتصال الهاتفي علی ضرورة التعاون العریق بین الشعبین والبلدین في اطار رعاية مصالح شعبي البلدين المسلمين الكبيرين لما لهما من ثقل في العالم الاسلامي.
وقبل ذلك جاءت مشاركة وزير الدولة السابق في الخارجية المغربية "يوسف العمراني" ومعه وفد رفيع في قمة طهران لحركة دول "عدم الانحياز" في ۳۰/۸/۲۰۱۲، لتفتح المجال أمام إمكانية فتح نقاشات على هامش المؤتمر لبحث سبل إعادة العلاقات بين البلدين، وخاصة أن إيران ستتولى قيادة حركة دول "عدم الانحياز"، وهي الحركة التي كان لها دور بارز في "ملف الصحراء الغربية- البوليساريو" .
تلته خطوة اخرى بلقاء جمع رئيس وزراء المغرب "عبدالإله بن كيران" ووزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي في القاهرة على هامش انعقاد مؤتمر القمة الاسلامية يوم ۹/۲/۲۰۱۳، والذي شكل سابقة في التلويح بالنية في عودة العلاقات. ومن قبلها استقبال الأمير "مولاي رشيد" شقيق الملك "محمد السادس" يوم ۷/۲/۲۰۱۴، علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الاسلامي في ايران على هامش مشاركتهما في الاحتفالات الرسمية بالدستور الجديد بتونس. وذلك بعد يومين من استئناف العلاقات بشكل رسمي بين الرباط وطهران حسب مصدر دبلوماسي مغربي في حديثه لصحيفة "الشرق الاوسط" السعودية .
قبل أيام أقدمت الجمهورية الاسلامية في ايران على تعيين محمد تقي مؤيد سفيراً جديداً لها لدى المغرب، فيما كشف مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية لوكالة "الأناضول" التركية عن قرار تعيين سفير مغربي بطهران قريبا، وذلك تمهيدا لفتح صفحة جديدة بين البلدين .
وقد كشف وزير الخارجية المغربي السابق سعد الدين العثماني، إن "الدينامية بين البلدين بدأت منذ شهور، حيث تجلت في الاتصال بين مسؤولي البلدين" .
وأضاف العثماني، وهو رئيس المجلس الوطني (برلمان الحزب) لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي يقود الحكومة المغربية الحالية في تصريح لوكالة "الأناضول"، قائلا: أن "تطبيع العلاقات بين الرباط وطهران لن يؤثر على العلاقة التي تربط المغرب ودول مجلس التعاون، خصوصا أن جميع هذه البلدان لديها علاقات دبلوماسية مع إيران، وتختلف درجة قوتها من دولة إلى أخرى" .
وبعد خمس سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين الرباط وطهران التي كانت مفاجئة على الساحة السياسية لما اعلنته المغرب من ذرائع واهية واسباب دفعها على هذه القطيعة؛ فقد شارك وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي في الدورة العاشرة للمؤتمر الاسلامي لوزراء الاعلام في العاصمة الايرانية طهران والذي عقد مطلع الشهر الجاري، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشرا على قرب تطبيع العلاقات بين البلدين .
ففي مارس/آذار عام ۲۰۰۹ اعلنت الحكومة المغربية قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وذلك بعد رد الحكومة الايرانية على خلفية تضامن المغرب مع البحرين، تسارعت السلطات المغربية باتهام إيران من خلال سفارتها على نشرها لـ"لمذهب الشيعي" في الدول العربية وهو اتهام سعودي لطهران كلما توترت العلاقات بين الطرفين وهو ما اطلق عليه المراقبون بأنه "أحتجاج غير مفهوم وانتقائي" استغربته الدبلوماسية العالمية، وتبين زيفه وخواؤه باعتراف ملك المغرب محمد السادس خلال لقاءاته الرمضانية مع علماء المسلمين؛ أما الأن فقد اختلفت اولويات كلا من البلدين بسبب الوضع الراهن الذي تعيشه عديد من دول المنطقة.
وضل المغرب في دائرة الاهتمام المتزايد للسياسة الخارجية الايرانية بمنطقة المغرب العربي عموما، وقد مرت العلاقة بين الدولتين بمراحل بدءا من التوافق السياسي زمن شاه إيران محمد رضا بهلوي والملك المغربي الحسن الثاني، الى القطيعة بعد الثورة الاسلامية في إيران عام ۱۹۷۹، لتتلوها مرحلة انفتاح سياسي في التسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من العقد الحالي أثمرت حضورا دبلوماسيا وثقافيا إيرانيا ومغربيا نشيطا في كلا البلدين. قبل أن يؤدي التوتر بين البلدين إلى قطع العلاقات الدبلوماسية يوم ۱۱ مارس ۲۰۰۹ من طرف المغرب لتضل السفارتين مغلوقتين الى اليوم – حسب وثائق المخابرات الاميركية التي كشف عنها موقع "ويكليكس" مؤخراً .
وكشف "ويكيلكس" من أنه "أثناء الحرب العراقية - الايرانية أبدى الملك الحسن الثاني في مؤتمر القمة العربية الثاني عشر الذي عقد بمدينة فاس بالمغرب عام ۱۹۸۲ استعداده، الى جانب باقي الدول العربية، تنفيذ التزاماته نحو العراق بموجب معاهدة الدفاع المشترك العربية والوقوف الى جانب بغداد ضد طهران.. هذا بالاضافة الى استضافة المغرب لشاه ايران المطاح به عام ۱۹۷۹" .
وفي هذا الاطار قال الكاتب الصحفي المغربي "إدريس الكنبوري" للجزيرة نت، "إن قطع العلاقات بين المغرب وإيران جاء في سياق حقبة لم تعد قائمة، مشيرا الى ظهور تحول كبير حاليا في المنطقة العربية، خصوصا بعد ما يوصف بالربيع العربي وتحديدا في الملف السوري"، مضيفاً: "إن جميع الأطراف المعنية في المنطقة أصبحت مقتنعة بعدم جدوى الحل العسكري حتى لا تنزلق الأوضاع في المنطقة نحو المجهول".
ويلاحظ الكنبوري أن "من شأن تطبيع العلاقات بين الرباط وطهران تقوية الموقف الدبلوماسي المغربي على الصعيد العربي والاقليمي.. والحفاظ على استقراره السياسي الهادئ بسبب خصوصيته التاريخية.. ما قد يساعده في إدارة دبلوماسيته بفاعلية أكبر لتحقيق توازن وتقارب بين البلدان العربية وإيران".
كما إن اندفاعية المغرب وبهذا الحجم نحو التضامن مع البحرين والذي لم يشهد للعلاقات الدبلوماسية المغربية مثل هذا الاندفاع إلا مع العراق على عهد "صدام" وحربه ضد ايران كما ذكرنا سلفاً، وعلى خلفية تصريحات علي اكبر ناطق نوري من أن "البحرين جزء من التراب الايراني" واعتبرها "الولاية الرابعة عشر" – خلال سرده لوقائع التاريخ الماضي لبلاد فارس؛ اثار استغراب الكثير من المراقبين على الساحة الدولية وحتى طهران التي اعتبرت قطْـع العلاقات، موقفا مغربيا لا يخدم وحدة العالم الإسلامي والقضية الفلسطينية، والتي كانت طهران تحتضن مؤتمرا لنُـصرتها في تلك البرهة من الزمن حيث لم تشارك المغرب فيه رغم انها المسؤولة عن "لجنة القدس" .
وقبل أن يعود الوِئام، على الأقل ظاهرياً بين المنامة وطهران، استدعت وزارة الخارجية الايرانية القائم بالأعمال المغربي بالنيابة في طهران "محمد بوظريف" وابلغته احتجاجا رسميا إيرانيا من الموقف المغربي، وما أثار الاستغراب والانزعاج المغربي، أن طهران خصّـت المغرب بهذا الاحتجاج، رغم أن جُـل الدول العربية والاسلامية تبنّـت بالعـمق موقفا مماثلا، كما أنها كلّـفت موظفا صغيرا في خارجيتها لابلاغ الدبلوماسي المغربي الاحتجاج - حسب قول الباحث المغربي "محمد ظريف" المتخصص بشؤون الجماعات الأصولية.
وكشف الباحث المغربي "ظريف"، أن الهدف الحقيقي من القطيعة المغربية مع ايران هي "أن المغرب لم يكن ينظر بعين الرضى الى التطوّر السريع في العلاقة بين طهران والجزائر، ويعتبِـر هذا التطور يضـر بالمصالح المغربية مـستقبلا، إذ أن المغرب كان ينتظر أن تنتهج طهران سياسات مـتوازنة تجاه بلدان المغرب العربي"؛ وهو ما كشف عنه "خالد الناصري" وزير الاتِّـصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية آنذاك حيث قال لـ"سويس انفو" المصرية: "أن قطْـع العلاقات الدبلوماسية أو اللجوء لهذه السلوكيات للتعبير على الاحتجاج، كان منهَـجا معتمدا من طرف الدبلوماسية المغربية منذ عدة سنوات واتـجاه قضايا لم تكن تحتاج، بالنسبة لمنتقدي هذه الدبلوماسية، اتخاذ مثل هذا الاجراء".
منتقـدو الدبلوماسية المغربية لا يتوقّـفون كثيرا أمام حقّها في الخُـطوات التي تتّـخذها للتعبير عن احتجاجها، لكنهم يتوقّـفون كثيرا أمام التوقيت والظروف التي يتّـخذ بها مثل هذا القرار، إذ لم يفسـروا قرار نقل الرباط السفارة من كاراكاس إلا على أنه "عقوبة لفنزويلا على قرارها قطع علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي"، أما قرار قطع العلاقات مع إيران - فقد اعتبر في نفس السياق - إلا "محاولة لتقديم خدمات للولايات المتحدة والعربية السعودية التي تضخ بمال بترولها نحو المغرب، في محاولاتهما محاصرة إيران والضغط عليها في مفاوضاتها النووية "، رغم أن الرباط أعلنت في وقت سابق دعمها لحق ايران بامتلاك التقنية النووية لأغراض سـلمية وهو ما يثير أكثر من تساؤل بخصوص التباين بين السياسة المغربية المعلنة والقائمة على أرض الواقع.
ويؤكد هؤلاء المراقبون من أن الموقف الايراني من قضية "البوليساريو" هو من أهم الاسباب غير المعلنة في قرار قطع العلاقة مع طهران فيما تسعى الرباط الى الحصول على دعم أميركي - اوروبي - عربي - دولي في الابقاء على احتلالها للصحراء الغربية وعدم منح أهلها حق تقرير المصير حتى ولو كان ذلك باشراف من الأمم المتحدة . ومن هذا المنطلق نرى أن المغرب تسعى لعمل كل ما يطلب منها أميركياً وسعودياً بخصوص قراراتها السياسية السيادية داخلياً وخارجياً حتى انها تطوعت على "استقبال عدد من المختطفين والمعتقلين لدى الأجهزة السرية الأمريكية للتحقيق معهم في المعتقلات المغربية" في وقت يعصف بها الربيع العربي منذ ۲۵ فبراير عام ۲۰۱۱ وحتى يومنا هذا، فتدخل المغرب في مواجهة مع ايران وتصعد من أزمتها دون تبرير وتضحي ضمن ما أسماه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بـ "جبهة مواجهة التحدّي الإيراني"- على حد وصفه .
وختاماً، لابد من التأكيد على ضرورة أن تقوم البلدان الاسلامية على رأب الصدع القائم في علاقاتها الثنائية في ظل الظروف الحالكة والخطيرة التي يتعرض لها العالم الاسلامي عبر مخططات صهيوأميركية تدفع المسلمين نحو التناحر والتقاتل الطائفي وتزرع في صفوفهم المجموعات الارهابية التكفيرية المسلحة التي تعيث بالعباد والبلاد الفساد وتحرق الأخضر واليابس دون استثناء أي طائفة أو فرقة أو مذهب وهو ما نشهده على الساحة العراقية والسورية واللبنانية واليمنية اليوم مما يشدد على الحاجة الملحة لوحدة الصف الاسلامي وتوحيد القوة والكلمة وهو ينطبق بخصوص العلاقات بين المغرب وايران وسعيهما الى بسط يد الصداقة والمحبة والأخوة الاسلامية والتعاون لحل المشاكل التي تعصف بالمسلمين خاصة وان لكليهما ثقل كبير في العالم الاسلامي ويمتلكان رؤية واحدة في مجال مكافحة الارهاب .