الوقت ـ شيئاً فشيئاً بدأت الامور تصبح أكثر وضوحا في ما يخص الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة المزمع إجراؤها في يوم الثلثاء الـ 8 من نوفمبر من العام الحالي. ليصبح الفائز بهذه الإنتخابات، الرئيس الـ 45 لأمريكا وستستمر ولايته الاولی حتی عام 2021. وبينما بدأت الإنتخابات التمهيدية الأمريكية منذ شهر فبراير الماضي، فانها ستستمر حتی يونيو القادم. خلال هذه المرحلة سينجلي الغبار عن وجهه المعركة وسيعرف الشارع الأمريكي من هم المنافسين الاثنين الذين بقيا في حلبة الصراع ليتنافسا علی منصب الرئيس، ليصبح أحدهما رئيسا جديدا لأمريكا خلفا للرئيس الحالي باراك أوباما، الذي يقضي أيامه الاخيرة من ولايته الثانية.
خلال الفترة الماضية عرف العالم الی حد كبير، الكثير من مواقف المرشحين الأمريكيين، فبينما تعهد "دونالد ترامب" أنه سيمنع المسلمين من دخول أمريكا، أكد "تيد كروز" دعمه القوي للكيان الإسرائيلي علی حساب الشعب الفلسطيني والاستمرار في مواجهة إيران ومشروعها النووي السلمي. هنالك عدد آخر من المرشحين مثل "بن كارسون" وهو طبيب متقاعد، قد انسحب من سباق الإنتخابات، بعد ما استفز مشاعر المسلمين في أمريكا والعالم. حيث زعم كارسون قبل خروجه من سباق الإنتخابات، أن "الإسلام لا يتماشى مع الدستور الأمريكي، مشيراً إلى أنه لن يتفق أبداً مع قيادة رئيس مسلم للولايات المتحدة"، في موقف يشير الی تطرفه الواضح تجاه المسلمين الأمريكيين.
اللافت في الأمر أن وسائل الاعلام العالمية تبادر هذه الايام الی نشر المواقف المتطرفة التي يتبناها "دونالد ترامب" في ما تصبح المواقف المتطرفة الاخری التي تصدر عن بقية المرشحين مثل "تيد كروز" في الهامش. ومن يتابع مواقف "تيد كروز" يری جيدا أنه إن لم يكن أكثر تطرفا من "دونالد ترامب"، فان مواقفه لا تقل تطرفا عن ترامب. وعلی سبيل المثال في مايخص الإتفاق النووي الذي توصلت الیه دول مجموعة 1+5 ومن ضمنها أمريكا، مع إيران، زعم "تيد كروز" المرشح للإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، أنه سيلغي الإتفاق النووي في الیوم الأول، في حال فاز في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. علی ما يبدو فان "تيد كروز" يسعی من خلال هذه التصريحات تجاه الإتفاق النووي، كسب تأييد اللوبي الیهودي عبر استرضاء الكيان الإسرائيلي. وفي تصريحات له لا تتماشی مع الحقائق، زعم تيد كروز أن الاتفاق النووي سيسرع من إمتلاك إيران سلاحا نوويا!.
وبالاضافة الی ذلك فقد أعلن "تيد كروز" أنه سينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الی القدس المحتلة إذا ما فاز في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. هذا يدل علی أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ستكون علی أفضل حال في حال فوز "تيد كروز" في هذه الإنتخابات، ولم تكن نتيجة هذا الفوز سوی إراقة المزيد من دماء الفلسطينيين من خلال الدعم الذي ستقدمه أمريكا للكيان الإسرائيلي. ونظرا لما شهدنا من نتائج حصل علیها المرشحون الأمريكييون في مختلف الولايات الأمريكية، وكانت الی حد ما مفاجئة بالنسبة لهم، فاننا علی مايبدو سنشهد إفول نجم المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" خلال الفترة القادمة، او حتی خروجه نهائيا من سباق الإنتخابات ليحل مكانه "تيد كروز" الاكثر تشددا مقارنة بدونالد ترامب، إذا ما ظل مستمرا بالتقدم الذي احرزه فی الفترة الاخيرة.
وفي الطرف الآخر من المنافسات الإنتخابية لازالت "هيلاري كلينتون" متقدمة علی "بيرني ساندرز" بفضل الدعم المالي القوي الذي تتلقاه من أصحاب رؤوس الاموال والمؤوسسات الإقتصادية الكبيرة مثل وول ستريت. لكن هذا الدعم المالي الكبير لا يعني أن "هيلاري كلينتون" لم تواجه مشاكل في منافسات الانتخابات داخل الحزب الديمقراطي نفسه، وذلك بسبب أن بيرني ساندرز إستطاع أن يحصل علی دعم شريحة كبيرة من الطبقة الإجتماعية المتوسطة التي تشميل العمال والشباب الدارسين وكذلك طلبة الجامعات.
واستطاع "سندرز" في ما يعرف بـ يوم «super Saturday» أن يفوز في ولايتي كانساس ونبراسكا بشكل كبير علی حساب "هيلاري كلينتون". وبالرغم من تقدم "هيلاري كلينتون" من خلال حصادها أصوات الناخبين السود في عدد من الولايات الأمريكية مثل لويزيانا. حيث استطاعت "هيلاري كلينتون" أن تربح معركة الإنتخابات في ولاية لويزيانا التي تعتبر من الولايات الجنوبية وأغلبية سكانها من السود، وعانوا لفترات طويلة من العبودية والاضطهاد علی يد البيض. إذن أنه من الوارد جدا ستفوز "هيلاري كلينتون" في الولايات التي يشكل غالبية سكانها السود. وبالرغم من جميع المشاكل التي تعترض طريق سندرز في منافسات الإنتخات الرئاسية الشائكة، سيظل "سندرز" منافسا قويا حتی الیوم الأخير من منافسات الإنتخابات التمهيدية، أمام "هيلاري كلينتون"، هذا ان لم يرم بها نهائيا خارج حلبة الـــــصراع.
واخيرا يجب القول أنه ما بات مكشوفا منذ انطلاق منافسات الانتخابات الأمريكية بشكل رسمي في فبراير الماضي حتی اليوم، وقبل ظهور النتائج النهائية التي ستحدد الفائز النهائي بهذه الانتخابات، هو أن السياسات الأمريكية علی ما يبدو ليست مرشحة لتتغير كثيرا، ايا كان الفائز بها، جمهوريا او ديمقراطيا. وستظل أمريكا تسير علی ما سار عليه قادتها الأوائل، وصولا الی الرئيس "باراك اوباما"، وهي سياسة مبنية علی المصالح وليس القيم الأخلاقية والديمقراطية كما يدعي الساسة الأمريكييون. نحن لانشك أن الرئيس الامريكي القادم سيظل داعما قويا لسياسات الكيان الإسرائيلي علی حساب الشعب الفلسطيني ومعاديا للإسلام والمسلمين، كما عهدنا ذلك في السابق وحتی في عهد الرئيس "اوباما" الذي تفائل البعض بمجيئه في بداية الأمر، وكذلك سيبقی الرئيس الأمريكي القادم خصما للدول التي تسعی الی أن تكون مستقلة في قراراتها بعيدا عن الهيمنة الامريكية، كـ إيران.