الوقت - استمرار الهبوط الحاد الذي تشهده أسعار النفط منذ العام الماضي وحتى الآن يضع العراق في أوضاع صعبة ومعقدة حيث يتسائل الشعب العراقي عن المليارات من عائدات النفط وماذا فعل الأوصياء بهذه المليارات من أجل أن يمنعوا انهيار الاقتصاد ودخول ميزانية البلاد في حالة عجز؟، وفي حال استمر هبوط أسعار النفط على هذا الشكل فمن المؤكد بأن الحكومة العراقية ستواجه مشاكل في دفع رواتب الموظفين ولن تستطيع بأن تفي بإلتزاماتها المدنية في العام المقبل.
وعلى الرغم من سعي رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى اجتثاث الفساد والقيام بإصلاحات تضمن إغلاق الباب أمام المفسدين إلا أنه لم يوفق في هذا الأمر حتى الآن، إذ يؤكد نائب رئيس الجمهورية "إياد علاوي" بأن الفساد في العراق منظم ويعمل القائمون عليه کـ"مافيا" ولا يوجد أي قوة في العراق قادرة على محاربته واجتثاثه.
ومن جهة أخرى تم تكليف وزير المالية العراقي "هوشيار زيباري" بإيجاد حلولٍ لسد العجز القائم في ميزانية البلاد والذي إذا استمر يمكن أن يؤدي إلى اعتراضات شعبية واضطرابات داخلية. ومن جهته أكد زيباري أن 95 في المئة من ميزانية العراق تتعلق بالواردات النفطية، والوضع الحالي أسوأ بكثير من العام الماضي، والعراق تعب من الديون والإقتراض إذ ينبغي على الشعب العراقي بأن يهيئ نفسه لبعض الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة والتي لم يتعود عليها سابقاً كزيادة الضرائب والرسوم أو أي إجراء آخر.
تبلغ ميزانية العراق لعام 2016 أكثر من 88 مليار دولار أمريكي والتي تم وضعها على أساس 45 دولار للبرميل، ولكن سعر برميل النفط قد وصل في الأسابيع الماضية إلى عتبة الـ27 دولار أمريكي.
وإحدى أهم المشكلات الرئيسية التي يعاني منها العراق هي إرتفاع الأجور والرواتب، حيث تجعله واحدة من الدول الأعلى أجوراً في العالم، إذ يبلغ عدد الموظفين في العراق حوالي 7 ملايين موظف من أصل 22 مليون مواطن وهذا الرقم يعد خيالياً بالنسبة لبلد مثل العراق، من هذا المنطلق يعتقد "زيباري" أن قسماً كبيراً من الفساد غير معروف ومخفي بشكل منظم. وأكبر التحديات التي تواجهنا في مكافحة الفساد هي الجيش، وأشار إلى ما يسمى "الجنود المخفيين" وقال: دفعت حكومة العراق مايقارب 500 إلى 600 مليون دولار لجنودٍ وهميين لا وجود لهم أصلاً، وهذه الحالات تتم على الأغلب بدفع الجنود جزءاً من راتبهم للضباط من أجل التكتم عليهم.
في هذا السياق يعتقد "أبو بكر زيباري" رئيس أركان الجيش العراقي السابق بأن مشكلة الجنود المخفيين ومناقصات الأسلحة الضخمة هما من أهم وأكبر المشاكل التي تعترض طريق الجيش حيث يتم هدر الكثير من الأموال في هذين المجالين.
ووفقاً للإحصائيات التي قدمتها وزارة المالية في العراق فإنه يوجد أكثر من 30 ألف جندي مخفي داخل الجيش حيث تذهب رواتبهم في كثير من الأحيان إلى جيوب الضباط الفاسدين، وربما يكون العامل الرئيسي لسقوط مدينة الموصل هو هؤلاء الجنود المزيفين.
الأمثلة على الفساد في العراق كثيرة، تبدأ بمبلغ مليار دولار تم دفعه لشراء طائرات حربية لم تدخل الأجواء العراقية أبداً، والميزانية التي تم تخصيصها لأربيل من أجل بناء المحكمة التي لم ترتفع أساساتها فوق سطح الأرض حتى الآن وصولاً إلى الأموال التي تم رصدها لإنشاء شبكة طرق حديثة في العراق، إلا أن ظهور التنظيم الإرهابي داعش حال دون تطبيق هذه المشاريع. والسبب الرئيسي الذي يعتقد زيباري بأنه متهم هو العامل الاجتماعي، إذ يقول: "إذا تم استلام شخص ما مسؤولية في الحكومة ولم يكن قادراً على الإختلاس والرشوة ينظر له على أنه ضعيف لم يعرف استغلال منصبه بالشكل الصحيح".
وفي الحقيقة قام العبادي في شهر آب من العام الماضي بطرح حزمة من الإصلاحات التي كان يرجى منها أن تعالج الفساد وتحسن الوضع المعيشي للشعب العراقي ولكنه في الواقع واجه مشكلات عديدة في تطبيقها.
فقد وعد حيدر العبادي العراقيين في أول يومٍ وضع قدمه فيه في رئاسة الجمهورية بأنه جاء ليحقق ثلاثة أهداف ألا وهي:
1- محاربة الفساد
2- الحفاظ على كامل العراق موحداً ومستقلاً
3- إخراج تنظيم داعش الإرهابي من المدن العراقية
ولكن معارضة الأحزاب والقوى السياسية في العراق حالت دون استبدال العبادي وزراء بوزراء تكنوقراطيين آخرين مما وأد حركته الإصلاحية في مهدها، إذ لم يستطع رئيس الوزراء العراقي أن يقوم بتغيير جذري في الحكومة العراقية لأن أي تغيير في الحكومة ولو كان صغيراً ربما يؤدي إلى اخلال في التوازنات القائمة بين الشيعة والسنة والأكراد وبقية الأقليات.
تعود المشكلات الاقتصادية والمالية في العراق إلى ثلاثة عوامل أساسية هي:
1- البنية التحتية الاقتصادية وعدم وجود سوق حرة فعالة ترتبط بالسوق العالمية، وفي الحقيقة يعود ضعف البنية التحتية الاقتصادية العراقية إلى عامل الحروب المتعددة والطويلة التي خاضها العراق، بالإضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة عليه. وعلى الرغم من نمو سوق القطاع الخاص إلا أنها ماتزال ضعيفة حتى الآن حيث لم تستطع الأسواق المحلية المشاركة في السوق العالمية ولا حتى المنافسة فيها.
2- الوضع السياسي والاجتماعي الذي عاشه ويعيشه العراق بشكل عام، حيث عانى العراق منذ عام 1959 حتى 2003 من سلطة "الدكتاتوريات" المختلفة. وأيضاً الآثار التي ترتبت على حرب الكويت والعقوبات الاقتصادية الدولية.
3- العامل الثالث والأهم هو ظهور تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق إلى جانب سيطرته على آبار النفط وبيع نفطها إلى تركيا ودول أخرى، وتكاليف الحرب الكبيرة مع تنظيم داعش الإرهابي التي تمت إضافتها إلى ميزانية العراق.
هذا وأعلن العبادي مؤخراً أنه مصمم على المضي في حزمة الإصلاحات التي أقرها وأنه سيعمل على محاربة الفساد ومعاقبة الخارجين عن القانون في آنٍ واحد، معركة ستكون طويلة ومرهقة حيث لن يتم القضاء على الفساد ومعاقبة المفسدين في ليلة وضحاها.
حالياً وصلت عائدات النفط في العراق إلى 15 في المئة منها ما قبل عامين، ومع استمرار الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة العراقية فإنه من غير الممكن للحكومة بأن تعيد إعمار المناطق المحررة من أيدي تنظيم داعش الإرهابي، وهل ياترى ستستطيع الحكومة الإستمرار في محاربة هذا التنظيم بعد العجز الحاد الذي أصاب الميزانية ومحاصرة الحشد الشعبي مالياً؟ وهل ستتمكن الحكومة من حل أزمتها المالية في ظل هبوط أسعار النفط وإعلانها شعار محاربة الفساد؟. أسئلةٌ ماتزال بدون أجوبة يطرحها الشعب العراقي الذي سيكون الضحية أولاً وأخيراً.