الوقت- بدأت الولايات المتحدة الأميركية بتغيير خطابها السابق حيال إرسال قوات برية إلى العراق لمحاربة تنظيم "داعش" الارهابي، فبعد خطابات الإدارة الأمريكية في الفترة السابقة حول استحالة ارسال قوات برية إلى العراق، أصبح اليوم هذا الأمر ممكناً وفقاً لتصريحات صدرت عن مسؤولين أمريكيين في الأيام القليلة الماضية، فيما يبدو أنه تمهيد لمخطط أمريكي جديد في العراق والمنطقة.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد كشف منذ أيام أن هناك احتمالاً لإرسال قوات أمريكية برية إلى العراق لمقاتلة تنظيم "داعش"، موضحاً أن هناك بعض الحالات قد تستدعي نشر قوات برية لمحاربة هذا التنظيم، ومنها إذا استولى على أية أسلحة نووية. مضيفا: "جميع الخيارات مطروحة في ما يتعلق بمحاربة "داعش" في العراق وسوريا على حد سواء".
أما رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، فقد قال أثناء جلسة استماع أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب، أنه قد يرى سيناريوهات تقتضي ضرورة إرسال مفرزة برية أمريكية للعراق، تحديداً اذا ما تحرك التحالف لاستعادة مدينة الموصل أو الحدود الغربية الموازية لسورية.
كما دعا السيناتور الأمريكي ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ، جون مكين، الادارة الأمريكية، الخميس، إلى ارسال قوات برية قتالية للمشاركة في الحرب ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا.
فما الذي استدعى هذا التحول في السياسة الأمريكية؟
تتحدث وسائل اعلام امريكية عن أن الهجمات الارهابية التي شهدتها باريس خلال الأيام القليلة الماضية والتي نفذتها جماعات من داعش وتنظيم القاعدة، هي ما يدفع المسؤولين الأمريكيين باتجاه إعادة ارسال قوات برية إلى العراق لتسريع القضاء على داعش، قبل أن تصل أعمال هذا التنظيم الارهابية إلى أمريكا وبقية البلدان الأوروبية. إلا أن هذه التبريرات بعيدة عن الواقع، حيث أن تنظيم داعش ليس جيشاً نظامياً يرتكز في منطقة جغرافية محدودة ينتهي بمجرد تطهير المنطقة منه، بل هو فكر متطرف يتم الترويج له عبر وسائل التواصل المختلفة ولديه القدرة على تجنيد أتباع في مختلف أنحاء العالم، وتدريبهم في أماكن مختلفة من العالم، خاصة وأن السياسات الأمريكية حولت المنطقة إلى مركز للدول الفاشلة الغير قادرة على ضبط بلدانها، مما يوفر بيئة خصبة للجماعات الارهابية المتطرفة لتجنيد المتطرفين وإقامة المعسكرات لتدريبهم. كما أن التصريحات الأمريكية بامكانية ارسال قوات برية إلى العراق صدرت قبل سلسلة الاعمال الارهابية الأخيرة في باريس.
يرى مراقبون أن السبب الرئيس وراء الرغبة الأمريكية في إعادة قواتها البرية إلى العراق هو التقدم الذي يحرزه حلفاء ايران المتمثلين بقوات الحشد الشعبي في العراق في حربهم ضد داعش، حيث تنظر الولايات المتحدة بعين القلق إلى تعافي العراق وتحوله إلى قوة إقليمية مؤثرة وحليفة لايران في المنطقة، خاصة بعد فشل الضغط على ايران في المفاوضات النووية الأخيرة وتمسك ايران بحقها في تخصيب اليورانيوم، وتنامي نفوذ ايران وحلفائها في كل من اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين.
عندما دخلت القوات الأمريكية إلى العراق في العام 2003، لم تدخل بالطبع كقوات تحرير، ولم تحرك اساطيلها العسكرية كل هذه المسافات وتتكلف كل هذه المليارات من الدولارات وتخسر الآلاف من قواتها وجنودها من أجل اهداء الديمقراطية إلى الشعب العراقي، لقد كان الهدف ثروات العراق ومقدراته وموقعه الاستراتيجي كمهد للديانات ومركز للحضارات، لكن مقاومة أهل العراق والدور الذي لعبته ايران في دعم المكون السياسي والديني في العراق، جعل من مهمة أمريكا في العراق مكلفة للغاية، الأمر الذي اضطرها للخروج، بعد أن أوكلت مهمة بث الفوضى في العراق إلى حلفائها في المنطقة، وذلك تجنباً لقيام دولة عراقية قوية حليفة لإيران، وهنا بدأت عملية تصدير الارهاب وتسهيل دخوله إلى العراق، مما أدى إلى نشوء داعش وتمدده في المنطقة.
مالم يكن في حسبان أمريكا هو أن تتمكن القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي إضافة لقوات البيشمركة من صد داعش بهذه السرعة ومن ثم التقدم واجبار داعش على التراجع أكثر من 700 كيلومتر خلال 6 أشهر، وقد كان الدعم الايراني حاضراً باشراف مباشر من قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، كما أن وزير الدفاع العراقي تحدث منذ أيام عن قرب تحرير الموصل من أيدي داعش. هذا بالإضافة إلى تراجع داعش أمام الجيش السوري في مدينة دير الزور، وهذا يعني أن داعش الذي يرفع شعار "باقية وتتمدد" في إشارة إلى دولته، سيقوم بعد فشله في العراق بمحاولة التمدد في أماكن أخرى قد تكون بلدان حليفة لأمريكا كالسعودية التي تعاني من وضع داخلي هش أو أمريكا نفسها، أو بلدان أوروبية كما حصل في باريس منذ أيام.
وفي سياق متصل تروي أوساط مطلعة أن الولايات المتحدة عملت على أطالة الحرب بين الحشد الشعبي وداعش بغية استنزاف الطرفين، حيث أن طائرات التحالف الأمريكي قامت بإلقاء اسلحة لارهابيي داعش في منطقة الحظيرة الشرقية في صلاح الدين وفي تلعفر والقيارة في نينوى، وقامت بشكل متعمد بقصف مواقع عسكرية عراقية معروفة و واضحة، فضلاً عن ضربها للقوات العراقية والمتطوعين في الفلوجة وجرف الصخر مما أدى إلى استشهاد العديد منهم.
وبناء على ماسبق يبدو أن أمريكا قد وجدت نفسها مضطرة لإعادة نشر قواتها البرية في العراق لتنقذ ما يمكن انقاذه من مصالحها من خلال إعادة الفوضى إلى أقصى حد ممكن في هذا البلد.
وقد أكدت مصادر مقربة من الحكومة العراقية أن أوباما يمارس ضغوطاً شديدة على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من أجل السماح بإعادة ارسال قوات برية أمريكية إلى العراق تحت ذريعة صد الارهاب ومنع تقسيم العراق.
هذا وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أكد في عدة مناسبات أن العراق لا يحتاج قوات برية أجنبية، وأعلن المكتب الاعلامي للعبادي في بيان له "أن الدكتور العبادي ذكر في اكثر من مناسبة ان البلد لايحتاج الى قوات برية اجنبية وان قواتنا الامنية ورجالات الحشد الشعبي تحقق انتصارات كبيرة على تنظيمات داعش الارهابية."
لا يبدو أن الولايات المتحدة تنوي قريباً كف أيديها عن العراق وتركه ليعيش بسلام، والعراق يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وفقة تضامنية من أبناءه للوحدة ونبذ التفرقة والفتنة المذهبية، وتوحيد الموقف والكلمة في وجه أعداء العراق الذين لم يسلم من شرورهم أي من المكونات العراقية من شيعة وسنة أو عرب وأكراد.