اعتقد ان خروج كل شيء عن المألوف في البحرين ، هو الذي يجعل هذا البلد اشبه الى حد كبير ببلد "أليس" العجيب الذي جسده لنا كارول اجمل تجسيد في روايته التي كتبها للاطفال عام 1865 ، حيث تدخل "أليس" الصغيرة الى جحر أرنب وتنزل الى تحت الارض , وهناك ترى عالما عجيبا غريبا لا يشبه عالمنا الذي نعيشه بالمرة ، فهو عالم فانتازي أو عجائبي ، لا تتحكم فيه القوانين الطبيعية ، فهو عالم فوق طبيعي ، تتصرف فيه الشخوص وتتوالى فيه الاحداث بشكل غريب لا تتفق مع اي منطق.
فاذا كانت "أليس" عاشت حلما جميلا في بلادها "بلاد العجائب" ، الا ان الشعب البحريني المظلوم يعيش كابوسا مخيفا ومرعبا في البحرين "بلد العجائب" ، فالقاسم المشترك بين البلدين هو لا منطقية وغرائبية الاحداث ، الا ان الفرح كله كان من نصيب "اليس" ، بينما كل الكرب والحزن كان من نصيب الشعب البحريني.
آخر الاخبار القادمة من بلاد البحرين العجيبة ، جاءت هذه المرة على لسان السفير الباكستاني في البحرين "محمد الأحد"، الذي كشف عن أن عدد الباكستانيين، الذين لديهم جواز سفر بحريني، ما بين ۲۵ ألفا إلى ۳۰ ألفا ، وان ما يقارب اربعة الى خمسة الاف شخص ما زالوا على قائمة الانتظار للحصول على جواز سفر بحريني.
السفير الباكستاني الذي نقلت صحيفة "غولف ديلي نيوز" البحرينية تصريحاته في عددها الصادر يوم الاحد 14 كانون الاول / ديسمبر ، كشف ايضا عن ان سفارة بلاده تقدمت بطلب للحصول على قطعة أرض من السلطات البحرينية لإقامة جامعة للباكستانيين في البحرين.
ما كشف عنه السفير الباكستاني ، هو بالضبط ما حذرت منه شخصيات بحرينية وطنية منذ عقود ، عندما اكدت في اكثر من مناسبة ان السلطات البحرينية تقوم بتنفيذ خطة في غاية الخطورة تتمثل في تغيير ديمغرافية البحرين ، وتهدف بالتحديد الى تحويل الاغلبية الشيعية في البحرين في المستقبل المنظور الى اقلية ، دون ان تاخذ بالحسبان التداعيات الخطيرة التي ستسفر عنها هذه السياسة والتي سترتد وبشكل كارثي على البحرين وعلى النظام ايضا.
قبل فترة عقدت في بيروت ندوة تحت عنوان "التجنيس الطائفي في البحرين… تعديات على القانون والحقوق"، نظمها منتدى البحرين لحقوق الانسان ، توصل فيها المشاركون الى ان التجنيس جريمة تطهير طائفي وفق المعالجة الحقوقية ، واستنساخ لتجارب الاستعمار والاحتلال وفق النظرة السياسية.
مدير منتدى البحرين لحقوق الإنسان يوسف ربيع ، ذكر ارقاما رهيبة حول عدد الاجانب الذين جنستهم السلطات البحرينية خلال الفترة الماضية ، واشار الى وجود ما بين 95 ألفاً إلى 120 ألف مجنس ، وعلى ضوء ذلك فأن عدد السكان في البحرين في 2027 سيصل إلى المليونين نسمة وهي زيادة غير طبيعية قياساً بعدد السكان الأصليين ونسبة المواليد.
المساعد السياسي لأمين عام جمعية "الوفاق" الوطني المعارضة، خليل المرزوق، وصف عملية التجنيس السياسي الجارية في البحرين منذ سنوات بأنها تقترب من "الإبادة الجماعية" ، وذكر ارقاما تدفع بالبحرين الى حد الكارثة ، حيث اشار الى أرقام النظام الرسمية تتحدث عن تجنيس 95,372 أجنبيا، أي بنسبة تصل إلى 17,3% من عدد السكان ، وهذا يعني أن هناك تغييرا في التركيبة الديمغرافية بنسبة 17%"، وهذا شيء مهول لا يمكن أن يصدق ، لانها تعني ان البحرينيين سيصبحون اقلية خلال عشر سنوات وهو ما يهدد الهوية البحرينية ، وبالتالي لايمكن ان يصمد النص الدستوري بأن البحرين عربية إسلامية، بعد عام 2040 لأن هويتها ستصبح غير ذلك.
الغريب في بلاد البحرين العجيبة ، ان السلطات نفسها لا تحترم القانون والدستور في تجنيس الغرباء والاجانب فقانون الجنسية البحريني الصادر في العام 1963 الذي يضع شروطاً للتجنيس منها الاقامة في البحرين مدة 15 سنة للعرب و20 سنة لغير العرب، لا اثر له في عمليات التجنيس السياسي الجارية وبسرعة كبيرة.
من عجائب بلاد البحرين الاخرى ، ان ملك البلاد يسابق الزمن لتجنيس الالاف من الهنود والباكستانيين والبنغال ، بينما هو يعرف جيدا ان بلاده مساحتها صغيرة ومواردها محدودة وهناك مشاكل في التوظيف والخدمات الصحية والتعليم ، وان الارقام والاحصاءات تؤكد له ان بلاده تعيش عجزا ماليا كبيرا وهناك اكثر من 50,000 طلب إسكاني معطل منذ سنوات تفوق الـ20 سنة، و الاف العاطلين الجامعيين وغير الجامعيين، وهناك أزمة في الخدمات، وضعف في الرواتب ، ويعرف جيدا ان أمام البحرين مشهد مظلم في ظل تراجع أسعار النفط.
هنا قد يسأل سائل ، اذا كان ملك البحرين يعرف كل هذا ، لماذا اذن يقدم على تجنيس كل هذا العدد من الاجانب؟، هذا سؤال منطقي وسليم اذا كان طرح في بلاد الله الاخرى ، ولكن في البحرين لا معنى له ، فالملك في هذا البلد هو ملك على كل شيء الا الشعب ، لذلك فهو بحاجة الى شعب وهذا الشعب البديل هو شعب التجنيس ، فالملك الان هو ملك على اكثر من مائة الف نسمة وهذا العدد مرشح للزيادة كما اعلن السفير الباكستاني في البحرين ، فالملك مصمم على ان يكون له شعب وان كره الشعب البحريني.
ومن عجائب وغرائب البحرين ان الملك الباحث عن شعب ، فاته ان يطلع على تجارب الملوك والرؤساء الاخرين وكذلك المستعمرين الذين حاولوا ان يغيروا التركيبة السكانية لبعض البلدان ، فاحرقوا تلك البلدان واحترقوا هم ايضا ، ويكفي ملك البحرين ان يطالع تجارب النظام النازي والنظام العنصري في جنوب افريقيا والنظام الصهيوني والنظام الصدامي في العراق ، ليقف عند هذا الحد ويتعظ ، ولكن للاسف كما قلنا لا يمكن ربط القضايا في البحرين ربطا منطقيا ، فهي خارج كل منطق وكل قانون.
ليس فقط جريمة التجنيس هي خارج كل منطق في البحرين ، بل كل ما يحدث في هذا البلد هو خارج كل منطق وكل تصور، ولبيان هذه الحقيقة ، نمر سريعا على بعض عجائب البحرين:
-اكثر من 80 بالمائة من الشعب يرفض النظام ، الا ان النظام مازال جاثما على صدر الشعب.
-80 بالمائة من الشعب متهم بانه طابور خامس لدولة اجنبية.
-الاشادة المتكررة بوطنية وتفاني واخلاص الاجانب المتجنسين حديثا.
-اكثر من 70 بالمائة من الشعب لا يشارك في الانتخابات ، الا ان الملك يشيد بالمشاركة الجماهيرية الواسعة فيها.
-اسقاط الجنسية عن ابناء البلاد الاصليين بذرائع واهية.
-قمع الشعائر الدينية للاغلبية الساحقة للشعب وبكل قسوة ، رغم ان النظام لا يمثل حتى الاقلية التي يدعي تمثيلها.
-امراء واميرات البلاد يشرفون شخصيا على عمليات تعذيب المواطنين.
-الاجانب هم العمود الفقري للاجهزه الامنية والعسكرية.
-الكثير من الناخبين بحاجة الى مترجمين هنود وباكستانيين للتعرف على مرشحيهم.
-مرشحون يتحدثون في حملاتهم الانتخابية باللغة الهندية لكسب اصوات الناخبين.
-محاولة استفزاز الغالبية العظمى من الشعب لجرها الى استخدام العنف لحرف ثورتها عن طابعها السلمي.
-الاستعانة بالقوات المسلحة الاجنبية لقمع الشعب.
-السماح للتكفيريين ك"داعش" بالتمدد في المجتمع بهدف تخويف الشعب.
-السماح للمستعمر للعودة الى البلاد واقامة قواعد عسكرية ، رغم وجود وجود فائض بالقواعد الاجنبية.
-رئيس وزراء يحكم منذ 43 عاما على التوالي.
هذه غيض من فيض عجائب بلاد البحرين ، فلا غرابة اذن في ان يبحث ملك هذه
البلاد عن شعب في اي مكان في العالم ليكون ملكا عليه ، فهذا الملك ما كان
ليكون هكذا لولا نفاق وكذب الغرب ، الذي سكت عن كل هذه العجائب والغرائب ،
فداس بذلك على كل قيمه وفي مقدمتها الديمقراطية وحقوق الانسان ، من اجل
مصالحه غير المشروعة في المنطقة ، وفي مقدمتها امن "اسرائيل" ، واستمرار
تدفق النفط العربي الرخيص.
ماجد حاتمي. شفقنا