الوقت- "لا ألغام، ولا أسلاك، ولا بوابات تقام بين ترکيا وسورية ..." عبارة أطلقها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أورغان قبل خمس سنين، منذ أن كان رئيسا للوزراء، عبارة لم يكن أحد يفهم أبعادها ولا يتصور نتائجها. هذه العبارة ربما تلخص الدور التركي في الحرب على سورية ککل وعلى عاصمتها الاقتصادية حلب على وجه الخصوص. وقبل هذا بسنوات عملت تركيا على تشغيل خط طيران من أنقرة إلى حلب لإحدى شركات الطيران الداخلية. كانت خرائط رحلة الطائرة التوضيحية في جيوب مقاعدها الزرقاء تشير إلى حلب المحطة الاستثنائية الوحيدة خارج البلاد بذات الطريقة التي تشير بها إلى غازي عنتاب واسطنبول وأضنة وغيرها.فماهي الطموحات التاريخية لتركية في حلب و كيف عملت تركية على اذكاء نار الحرب في هذه المدينة التاريخية ؟
منذ اندلاع شرارة الحرب على سورية في مطلع العام 2011 ظلت مدينة حلب،أكبر المدن السورية بل و أكبر مدن بلاد الشام وعصب الصناعة فيها شأنها شأن مدينة دمشق، هادئة عسكرياً و بعيدة عن هذا الحريق. ومع إحجام حلب بنخبها الصناعية والتجارية وطبقتها الوسطى عن الانخراط في عملية "إسقاط النظام "، تحوّل أهاليها إلى هدف للحاقدين الذين كانوا ومازالوا يرونها طموحا يدغدغ مشاريعهم الاحتلالية.
حنين العثمانيين الجدد لمدينة حلب لم يكن جديد... فالديبلوماسيون ماتوقفوا يتحدثون وبالعلن أن حلب ستبقى هدف لتكون الولاية الحادية عشرة لترکية، وبعضهم كان يذهب إلى ماهو أكبر حين يقول إن ذلك حصل ضمنيا، مشيرا إلى حجم التقارب الحاصل بعد حصول ما يشبه التكامل الاقتصادي بين محافظتي حلب السورية وغازي عنتاب التركية.
فقلعة الصناعة السورية التي تآثرت سلبا بتطوّر العلاقات السورية التركية والتقارب الذي حدث بين العامين 2003 و2010 ومارافقه من آثار مدمرة للصناعة المحلية وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها بانفتاح السوق السورية أمام البضائع التركية بدون حسيب او رقيب وما تبعها من نتائج الحرب الحالية زاد الطين بلة فتهاوت بفعل تطورات الأزمة صناعة الشهباء، عجلة الإنتاج توقفت في حلب. انتهى الأمر بقيام تركيا بحملة تدمير ممنهجة للبنى التحتية للصناعة الحلبية، اتخذت شكلاً لصوصياً حتى اصبح الحلبيون يسمون الرئيس اوردغان باسم " لص حلب".
ففي بداية عام 2012، وبعد تصاعد حوادث الخطف وتهديد مئات من ابناء حلب والصناعيين منها على وجه الخصوص بتهمة تمويل الدولة و الامتناع عن تمويل "الثورة"، عمد قطاع الطرق وعصابات الخطف، قطع طريق الذي يربط حلب ببقية المحافظات ومن ثم طريق حلب – تركيا. في آب من العام نفسه، استيقظ سكان الأحياء الشرقية في حلب على تغييرات جذرية طرأت على أحيائهم الآمنة: حواجز عديدة منتشرة في الأحياء نصبها مسلحون غرباء عنها، يرفعون رايات عديدة، كان سكان هذه الأحياء يشاهدونها عبر شاشات التلفزة فقط، وفي مناطق بعيدة نسبياً عن حلب، ليوقنوا أن الحرب دخلت بيوتهم، ويبدأ عدّاد القتلى بالدوران، و بشكل متسارع بدأت أكبر عملية تدمير ممنهجة لمعامل حلب، حيث تشير مصادر في “غرفة صناعة حلب” إلى تجاوز عدد المعامل التي نُهبت وسُرقت الألفي معمل، وقد وُثِّق الجزء الأكبر من هذه قوافل المسروقات وهي تتجه للأراضي التركية بالتنسيق والتعاون بين الارهابيين والحكومة التركية .
آلاف المعامل الكبيرة والمتوسطة نُهبت وسُرقت مخزوناتُها من السلع المصنعة والمواد الأولية، فيما الآلات التي وجدت طريقها مفتوحاً بكل حرية إلى الأراضي التركية وبعضها جرى قصه بالمناشر الفولاذية ليصبح خردة حديد” للبيع، ومن ثم الصهر في معامل الحديد التركية.
مما لاشك فيه ان الشهباء الان ومنذ بداية المخطط التامري على سوريا تخوض اصعب المعارك. أهمية المعركة فيها مثل أهمية المعركة في دمشق وجنوبها حيث تشكل مدينة حلب سداً منيعاً بوجه كل عملاء الناتو، لذلك تم توحيد كل العصابات المسلحة وإمدادها بالعتاد والمقاتلين وذلك بسبب قرب حلب من تركيا مما يسهل الدعم اللوجستي لمرتزقة أردوغان الذي تبدو جمهوريته الطائفيه الأن هشة للغاية... ومشاكله الداخلية منها والخارجية لا تعد ولا تحصى و لربما تقترب من مصير سيء بتخبطها على اسوار الشمال السوري.
أردوغان الحالم بالامبراطورية العثمانية المنحدرة من جلابيب الخلافة الاسلامية يخوض معركته الخاسرة الأخيرة في اروقة الشهباء ومطالبه الخبيثة بمنطقة عازلة محظورة الطيران في شمال سوريا بحماية حلف شمال الأطلسي دليل عجزه فهو يريد التصعيد لأنه أدرك أن معركة حلب ستشارف على النهاية قريبا لمصلحة الدولة الوطنية السورية. وأدوات أجرامه ومرتزقته شأنهم شأن الزلزال الذي ضرب حلب في عام 1138 م , و الذي تهدمت به المدينة بشكل كامل وتحولت إلى أنقاض يومها قتل حوالي مئتين وثلاثين ألف مواطن وبعد أقل من عشر سنوات عادت مدينة مزدهرة خلال فترة قصيرة نسبيا. وکما قال عنها آبو علاء المعري :"حلب للوارد جنة عدن .... وهي للغادرين نار سعيرِ".