الوقت - تعيش الجزائر اليوم أزمةً إقتصادية سيكون لها انعكاساتٌ على الصعيدين المحلي والإقليمي. ففي السنوات الأخيرة، وفرت مرتبة الجزائر السادسة على صعيد الدول الكبرى المصدرة للغاز حوالي 200 مليار دولار من احتياطات العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي جعلها تخرج من أزمة الديون. لكن تراجع سعر النفط اليوم، الى جانب تراجع الطلب العالمي عليه، لا سيما أن الجزائر تعتمد على الطلب الغربي، أدى الى ضرب ايرادات الجزائر الأساسية، وبالتالي التأثير على واقعها الإقتصادي المحلي. فكيف يمكن تحليل المشهد الإقتصادي الجزائري؟
تحليل تطور الوضع الإقتصادي في الجزائر:
بعد أن كانت الجزائر تعتمد على الزراعة خلال سنوات الإستعمار الفرنسي لها، تغيَّرت وجهة الإقتصاد الجزائري مع حلول عام 1956. فبعد اكتشاف حقول النفط الضخمة في منطقة حاسي مسعود وحقول الغاز الطبيعي في منطقة حاسي الرمل، هيمن إنتاج البترول والغاز الطبيعي على اقتصاد الجزائر.
وهنا وعلى الصعيد المحلي ونظراً إلى اعتماد الإقتصاد الجزائري على منتجات النفط والغاز، أدت تقلبات أسواق النفط والغاز العالمية، للتأثير بشكلٍ كبير على تطور البلاد على الصعيدين الإجتماعي والسياسي. وهو الأمر الذي جعل إيرادات سوق الطاقة العالمية، تساهم في تمكين الدولة من ضمان إمكانية توفير الحياة الكريمة للسكان. أما إقليمياً، فقد ساهم ذلك في بسط الدولة لنفوذها وتوسيع نطاق تأثيرها في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل الإفريقي تحديداً والعالم العربي عموماً.
من الناحية الدولية، دعمت القوة النفطية لا سيما في السبعينات مساعي الجزائر في التأثير بميزان القوى الإقتصادية العالمية، بغض النظر عن الإختلاف في حجم التأثير. إذ أن قوة النفط الجزائرية كانت ترتكز بشكل أساسي على تصدير سلعة تعتمد على الطلب الغربي، مما جعلها تنجح فقط في دعم إنشاء دول البريك والتي تضم الى جانب الجزائر كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين.
الواقع الحالي وأزمة النفط:
اليوم وبعد مرور عقود من المحاولات الهادفة إلى بناء اقتصاد أكثر توازناً، لا يزال قطاع النفط والغاز يساهم بنسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 95% من إيرادات التصدير. وعلى الرغم من الإستثمارات الهائلة التي خصصتها الدولة في مجال الصناعة، لم تنجح الجزائر في النتيجة بتنويع اقتصادها بشكل ملحوظ.
ومن خلال الإطلاع على الوضع الإقتصادي الحالي نجد أن الجزائر ما تزال تستورد سلعاً متنوعة تبدأ من السلع الإنتاجية لتشغيل المصانع وتصل الى السلع الإستهلاكية الجماعية والمنتجات الغذائية الأساسية. وهو الأمر الذي يدخل في مجال المزايدات الداخلية ويُعتبر سبباً في الصراعات الداخلية حيث تُشكل هذه السلع مصدر نفوذ اجتماعي وسياسي للبعض في الداخل. فالأطراف الأكثر ارتباطاً بالدولة، وأصحاب الروابط السياسية المباشرة، يسيطرون على القنوات الرسمية، في وقتٍ يجد الأغلب من العامة الذين لا يتمتعون بهذه الإمتيازات، السوق السوداء ملاذاً لهم للإستيراد وخلق فرص عمل. وهو الأمر الذي يساهم اليوم، بتحريك الشارع الجزائري، لا سيما الطرف المعارض، والذي يتهم الدولة بأنها اعتمدت على الثروة النفطية لشراء الولاءات، دون القيام بمشاريع إصلاحية وتنموية بنيوية.
أما اليوم، فقد أعلنت الحكومة الجزائرية، ظرفياً، عن تخليها عن مشروع تقييم احتياطاتها من الغاز الصخري، إثر التراجع الحاد في مداخيلها من العملة الصعبة المعتمدة أساساً على صادراتها من المحروقات. وهو الأمر الذي كانت الحكومة تعوِّل على استغلاله لتعويض انخفاض مستوى إنتاجها من البترول والغاز. لكن الشركة الوطنية للمحروقات "سوناطراك" أوقفت عمليات تقييم مخزون الجزائر من الغاز الصخري، والتي باشرتها منذ حوالي سنتين في مناطق متفرقة من الصحراء الجزائرية أبرزها عين صالح، وذلك بعد أن صارت تكاليف العملية تفوق بكثير إمكانيات الشركة التي تضررت عائداتها بفعل انهيار أسعار البترول. ويستبعد أن تعاود الجزائر نشاطها في مجال الغاز الصخري، ما لم يرتفع سعر برميل النفط الى 80 دولاراً كحدٍ أدنى، وهو الأمر غير المتوقع على المدى القصير بحسب الخبراء.
إذن، إن عدم القدرة على التنويع الإنتاجي بأكثر من النفط والغاز، واستمرار المشاكل الإجتماعية خاصة البطالة بين الشباب الى جانب المشاكل المتعلقة بتأمين المساكن، كلها أسبابٌ للوضع الإقتصادي المتردي في الجزائر اليوم. فيما يمكن القول أنه وفي عزِّ البحبوحة الإقتصادية، لم تكن النتائج الايجابية تطال الجميع. فكيف يمكن أن يكون الحال اليوم في ظل وضعٍ إقتصاديٍ متردٍ؟ في وقتٍ، يقول البعض أن موقع الجزائر الاستراتيجي بالقرب من أوروبا، الى جانب الإمكانيات الكبيرة لما يُعرف بالسياحة الدولية، عوامل قد تلعب دوراً بارزاً في إعادة بعضٍ من التوازن الذي أحدثته أزمة النفط العالمية. مع وجود خوفٍ كبيرٍ وجدي، من الوضع الإجتماعي الذي قد ينعكس على الواقع السياسي.