الوقت- تمر إفريقيا بليالٍ سوداء كلفتها آلاف الضحايا، بعضها صنع البشر، وبعضها مشيئة القدر، لانهاية للمعاناة، ولا حدود للأزمات طالما أن لا أحد في العالم يكترث، ولا أحد يهمه الأمر، ولم تعد معاناة الشعوب السوداء تقتصر على الجماعات والفقر، بل تطورت وأصبحت أكثر مواكبةً للعصر، وأصبح الموت دميةً يلعب بها الأطفال في الشوارع ويلاقيها الكبار على سيوف الجماعات التكفيرية التي انتشرت في تلك القارة.
لم يتضح بعد هل فعلًا استطاعت إفريقيا التخلص من وباء إيبولا أم لا، فحسب منظمة الصحة العالمية فإن الخميس الفائت كان نهاية هذا الوباء بعد عامين من تفشيه، وأعلنت المنظمة أن الوباء انتهى في ليبيريا آخر معاقل الفيروس لتكون بذلك "كل القنوات المعروفة لانتقال المرض في غرب أفريقيا قد أوقفت"، حسب المنظمة، ورغم هذا البيان إلا أن حالة وفاة جديدة في سيراليون سجلت يوم الجمعة الماضي، أي بعد يومٍ واحدٍ من إعلان منظمة الصحة العالمية.
وباء إيبولا ظهر في أواخر عام 2014 في غينيا، ثم انتشر إلى ليبيريا وسيراليون المجاورتين، وكانت الغالبية العظمى للحالات المرضية في هذه الدول في حين أن نيجيريا ومالي شهدتا حالات إصابة أقل، وخلال فترة تفشي هذا الوباء وصل الفيروس إلى أكثر من 10 دول من بينها إسبانيا وأمريكا، وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن 11 ألف و315 شخص راحوا ضحية هذا الوباء من أصل 28 ألفا و637 إصابة سجلت، وبهذا يكون فيروس إيبولا قد استحوذ على عدد الوفيات الأكبر بين الأوبئة السابقة منذ ظهور الفيروس وسط إفريقيا عام 1976.
ورغم مؤشرات انتهاء أزمة الإيبولا في إفريقيا، إلا أن الكثير من مسببات الموت في هذه القارة لم تنتهِ بعد، ولاتزال مشكلة المجموعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم بوكو حرام الإرهابي قائمة، ويعتبر تنظيم بوكو حرام أحد أكبر الأزمات التي تعاني منها القارة السمراء، إذ استطاع هذا التنظيم الذي تأسس عام 2002 الاستمرار حتى يومنا الحاضر، ولم تقف أي دولة من الدول التي تدعي مكافحة الإرهاب في وجهه، الأمر الذي تسبب بتعاظم قوته واستمراره إلى 8 آذار/مارس عام 2015 حيث بايع تنظيم داعش الإرهابي ليستمر في العمل تحت لوائه إلى يومنا هذا.
يتخذ تنظيم بوكو حرام من نيجيريا مقرًا له، وخاصة شمالها، كما استطاع التمدد في عددٍ من الدول الأخرى مثل تشاد والكاميرون، ويدعي هذا التنظيم بأنه يعمل على نشر تعاليم الإسلام ومحاربة ما يسميه بـ"الكفر"، إذ يعتبر هذا التنظيم أن التعاليم الغربية محرمة وفاسدة، ولهذا اتخذ من "بوكو حرام" اسمًا له، والتي تعني بلهجة قبائل الهوسا "التعاليم الغربية حرام"، ويسير هذا التنظيم على نهج التنظيمات التكفيرية الأخرى وخاصة حركة طالبان، ولهذا سمي "بطالبان إفريقيا".
وكغيره من التنظيمات التكفيرية قام تنظيم بوكو حرام بعمليات اغتيال واسعة طالت مسؤولين، كما نفذ تفجيرات إرهابية في الأسواق والأماكن العامة في مناطق كثيرة، ولا تقتصر معاناة إفريقيا من الإرهاب على تنظيم بوكو حرام، فهناك الكثير من التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتقاسم مع تنظيم بوكو حرام الإرهاب نفسه إلا أن شهرتها أقل، كجماعة المرابطون المتواجدة في المغرب العربي والتي أعلنت في العام المنصرم مبايعتها لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب والذي يقوده الجزائري "عبد المالك دروكدال"، وقامت هذه الحركة بالعديد من العمليات كعملية فندق راديسون.
رغم وجود الجماعات الإرهابية بشكل كبير في إفريقيا، إلا أنه لا إحصاءات عن عدد الضحايا التي راحت نتيجة أعمال هذه الجماعات، كما أن الموقف الدولي تجاه هذه الجماعات لايزال هشًا وغير ناضج، فالكثير من الدول تغض النظر عن داعمي هذه التنظيمات، كما أنها لم تتخذ أي خطوات لانتشال إفريقيا من حضن الإرهاب وإنقاذها من بحيرة الدماء التي تتوسع شيئًا فشيئًا.
وقد تبدو المقارنة بين الجماعات التكفيرية ووباء إيبولا ضربًا من الجنون، إلا أن الإرهاب إذا استشرى في الشعوب هو أشد فتكًا وأكثر خطرًا من الأوبئة التي وإن طال الأمد ستزول، في حين أن فكر الإرهاب وإيديولوجيته لا تنتهي ولا تزول، بل تنتقل من عصرٍ إلى عصر وتبرز عندما تتيح لها الفرصة ذلك، والقضاء على الإرهاب لا يحتاج إلى القضاء على الإرهابيين فقط، بل يستوجب إزالة الفكر الإرهابي من الوجود، حتى لا يعاود فيروس التكفير والقتل الظهور من جديد، وهذا أمرٌ يحتاج إلى تكاتف العالم بأسره بعيدًا عن المصالح الشخصية والمنافع الفردية.