موقع الوقت التحليلي الإخباري | Alwaght Website

الوقت - حطت حرب غزة الأخيرة أوزارها على جنود الجيش الاسرائيلي بشكل عام، والمشاركين في عملية “الجرف الصامد” العسكرية ضد قطاع غزة بشكل خاص، حيث ظهرت موجات من الانتحار هزت كيان الجيش وحولته من "الجيش الذي لا يُقهر" الى نقطة ضعف وخلل للكيان الغاصب.

بعد أكثر من شهرين على نهاية الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة وفي حين تعيش الأراضي الفلسطينية في حالة من الدمار، ما زالت عواقب هذه الحرب محسوسة في المجتمع الإسرائيلي الذي يخيم الدمار على عقول أبنائه، فقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية خلال تقرير مقتضب لها الثلاثاء، أن موجة من عمليات الانتحار ضربت الجيش الإسرائيلي بعد حرب غزة، وقالت إن 3 جنود ممن شاركوا في عملية "الجرف الصامد" في غزة، أقدموا على الانتحار.

وقالت الصحيفة: إن عدداً من جنود الجيش ممن شاركوا في عملية “الجرف الصامد” العسكرية ضد قطاع غزة، أقدموا على الانتحار، موضحةً أن قيادة جيش الاحتلال يفحص إمكانية إقدامهم على قتل أنفسهم بسبب معايشتهم لأحداث ومجريات قاسية إبان الحرب.

وأوضحت أن الحديث يدور عن جنود نظاميين خدموا في وحدة “جفعاتي”، وأقدموا على الانتحار بفارق عدة أيام بين كل منهم، لافتةً إلى أن الاعتقاد السائد يشير إلى أنهم انتحروا بسلاحهم العسكري الذي تم العثور عليه إلى جانب جثثهم.

وأشارت الصحيفة، إلى أن “سلاح الطب العسكري” التابع لجيش الاحتلال بدأ مؤخراً ببث رسائل هاتفية إلى الجنود النظاميين والاحتياط الذين شاركوا في حرب غزة، يدعوهم فيها إلى تلقي العلاج النفسي كل حسب حاجته.

ما كان لافتًا بشكل خاص حول حالات الانتحار تلك، هو أن الجنود الثلاثة كان يخدمون في نفس الوحدة، وهي لواء جفعاتي، الذي له سمعة بأن ضراوته لا ترحم، وبأنه يستخدم العهد القديم من التدين؛ لتبرير العمليات العنيفة جدًا، لقائده العقيد عوفر وينتر.

وأمضت هذه الوحدة معظم وقتها في غزة قرب الحدود مع إسرائيل، وتحديدًا في المنطقة التي جعل منها جيش الدفاع الإسرائيلي منطقة عازلة، وتستهلك أكثر من 40 في المئة من أراضي قطاع غزة، ولكن مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي، والجماعات الأخرى، لم يتراجعوا عن هذه المنطقة.

وفي 21 تموز، كان لواء جفعاتي هو قوة المشاة الرئيسة في الاعتداء على خزاعة، وهي بلدة في جنوب وسط قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل. وذكرت “هيومن رايتس ووتش” بعد ذلك، أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي هناك، كانت مسئولة عن “القصف المتكرر الذي ضرب منشآت مدنية واضحة، وعدم حصول المصابين على الرعاية الطبية اللازمة، وكذلك عن خطر تعرض المدنيين الذين يحاولون مغادرة المنطقة للهجوم من قبل القوات الإسرائيلية”.

وقد منعت المنظمات الإنسانية من دخول خزاعة، وترك المسعفون غير قادرين على إسعاف الجرحى، أو جمع الجثث. ولكن بحلول الوقت الذي عاد فيه القرويون إلى خزاعة في أوائل أغسطس، كان لواء جفعاتي قد انتقل إلى الجنوب وكان يعتقد أن الملازم الثاني، هدار غولدن، قد اختطف من قبل مقاتلي حماس خلال معركة في رفح في 1 أغسطس، لذلك بدأ الجيش الإسرائيلي فيما يبدو بتطبيق ما يعرف بتوجيه أو بروتوكول “هانيبال”، وهو إجراء يهدف إلى إطلاق سراح الجندي، أو إنهاء حياته مع خاطفيه، وذلك لتجنب مفاوضات طويلة مع المقاتلين الفلسطينيين، قد تؤدي لإطلاق سراح مئات من السجناء الفلسطينيين. ويعود تاريخ هذا البروتوكول إلى عام 1986، وقيل إنه ألغي، لكن صحيفة هآرتس الإسرائيلية ذكرت في يوم 3 أغسطس، أنه لا يزال يتم العمل بتوجيه “هانيبال”.

وقالت الصحيفة: “في صباح يوم الجمعة، وعندما كان الجيش الإسرائيلي لا يزال يعتقد أن الملازم هدار غولدن موجود على قيد الحياة في أحد أنفاق حماس، تم تفعيل بروتوكول “هانيبال” بطريقة غير مسبوقة في مداها، من خلال القصف المدفعي واسع النطاق، والغارات الجوية على طرق الهروب الممكنة. وفي هذه العملية، قتل 40 فلسطينيًا على الأقل في رفح”.

وكانت مصادر طبية إسرائيلية قد كشفت في وقت سابق النقاب عن تعرض الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في معارك قطاع غزة إلى صدمات نفسية صعبة وحادة وكوابيس مزعجة من هول مشاهد الحرب، مضيفةً أن بعض الحالات يضطر الأطباء فيها إلى حقن هؤلاء الجنود بمواد مخدرة حتى يهدئوا ويتمكنوا من النوم.

مولي لحد، وهو طبيب نفسي إسرائيلي، مع أكثر من ثلاثة عقود من الخبرة، يقول: “من الغريب أنهم لم يروا مستشار الصحة العقلية”. وقال نقلًا عن تقارير تفيد بأن جنود جفعاتي لم يتلقوا العلاج،: إن “هذا الأمر ليس شائعًا في صفوف الجيش الإسرائيلي”.

وبدوره، قال وليام ناش، وهو طبيب نفسي وكابتن سابق في البحرية الأمريكية: “إذا كان صحيحًا أن حالات الانتحار هذه تمت بدافع المشاركة في هذه الأعمال الوحشية المزعومة، فإنه يجب أن يكون هناك الآن مئات من الجنود الأخرين الذين يعانون من الاضطرابات النفسية”.

من جانبه، قال موقع “واللا” الإخباري العبري “على الرغم من انتهاء الحرب إلا أن معركة أخرى قد بدأت وهي معركة إعادة تأهيل الجنود من الإصابات التي قد تصاحبهم طيلة حياتهم”، مؤكداً أن طواقم طبية متخصصة في التأهيل النفسي والاجتماعي تشرف على علاج الجنود المصابين بصدمات نفسية شديدة.

ونقل الموقع عن عائلة أحد الجنود الجرحى، قولها إن ابنها لا ينام بسبب الصدمة ومن هول ما رآه في الحرب، الأمر الذي يضطرها إلى حقنه بمواد مسكنة لكي يتمكن من النوم، لافتةً إلى أنه في حالة خوف وكوابيس دائمة خلال الليل وأيضاً في ساعات النهار.

في الختام ، أصبح واضحاً للجميع تفشي ظاهرة الحالات النفسية والمرضية في الجيش الإسرائيلي. ولا يقتصر الأمر على من يلتحق بالجيش للمرة الأولى، فهناك ارتفاع كبير في نسبة الذين يتركون الجيش بعد مضي فترة من الخدمة للأسباب نفسها. فأحدهم، مثلاً، يقول انه وجد في حجة التبول الليلي والكوابيس التي ترافقه يومياً أفضل وسيلة للحصول على تقرير طبي يساعده في التهرب من الالتحاق بالجيش.