تعود السياسة العالمية لتحتضن من جديد اللاعب السوري. ولعل النظام الشرعي في سوريا، والذي خضع لحملةٍ مُنظمة ومُبرمجة من قبل الدول الكبرى وبعض الدول الإقليمية، يجوب العالم اليوم كلاعبٍ أساسيٍ في تحديد المعادلات الإقلمية والدولية. فالحرب التي جرت على سوريا منذ أربع سنوات وما تزال، لم تستطع أن تُغيِّر من الواقع السياسي في سوريا. وهو الأمر الذي يمكن أن يُفسِّر الإهتمام الدولي بسوريا، إن لجانب الوفود العالمية التي تزور دمشق، أو الزيارات التي يقوم بها المسؤولون السوريون للدول، وحجم الإهتمام الذي يلقونه. ومن هنا يأتي الحديث عن الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية السوري للهند. فماذا في الزيارة؟ وكيف يمكن قراءة دلالاتها السياسية؟
زيارة المعلم للهند
بدأ نائب رئيس مجلس الوزراء السوري ووزير الخارجية والمغتربين "وليد المعلم"، زيارة رسمية للهند تستمر 4 أيام، سيُجري خلالها مباحثات مع نظيرته الهندية "شوشما سواراج" ومسؤولين آخرين، حول أوضاع المنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين. وكانت قد دعت الهند إلى حلٍ سلمي في سوريا، عن طريق الحوار، وطالبت مراراً بالمحافظة على وحدة وسيادة الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب بالتنسيق مع الحكومة الشرعية. وتأتي زيارة "المعلم" بعد أن قام بزيارة كلٍ من موسكو وبكين، في وقت سابق، للتباحث في شؤون المنطقة ومكافحة الإرهاب لا سيما المُتمثل بداعش.
دلالات الحراك الإقليمي والدولي والزيارة للهند
ولعل الأهم فيما يخص الزيارة هو قراءة دلالاتها السياسية وما تعنيه على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهنا نقول التالي:
اولا: تدل الزيارة أولاً على فشل المشروع الغربي، والذي أدراته واشنطن وساهمت في تنفيذه العديد من الدول الأوروبية الى جانب الدول الخليجية وتركيا. فالمشروع الذي أراد كسر سوريا وإخراجها من معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، لم يُحقِّق أي نتيجة. بل إن الأمر الذي حققه، هو أنه جلب الدمار لسوريا وشرَّد شعبها. مما يجعل السياسة الامريكية وأدواتها في المنطقة، المسؤولين عن هذا الموضوع. وهو الأمر الذي أدركه العالم بأسره اليوم.
ثانياً، لا بد من التأكيد على أن الإرهاب الذي اُستخدم كوسيلةٍ لتحقيق الأهداف الغربية، والذي موَّلته السعودية وقطر، وأمنت تنفيذه تركيا، أصبح خطراً عالمياً بإمتياز. الأمر الذي جعل الدول الفاعلة على الصعيد العالمي، ومنها الهند على سبيل المثال، تنادي بضرورة احترام الشرعية السورية، وتُعيد النظر في علاقاتها الدولية. وهو الأمر الذي نتج عنه الإنفتاح الهندي بإتجاه روسيا وإيران الى جانب النظام السوري اليوم.
ثالثا: من هنا فإن ما يجري حالياً من تهافتٍ سياسي للتقارب مع النظام السوري، هو بسبب إيمان هذه الدول بأنه لا مهرب من التعاطي مع النظام الشرعي في سوريا. ولا بديل عن التنسيق مع الجهة الرسمية المؤتمنة على الشعب السوري. بل أصبح لدى الدول كافة قناعة، بأن السياسة الأمريكية التي جلبت الإرهاب للشرق الأوسط، لن تقف عند حدود تدمير سوريا، بل ستمضي في مشروعها، والذي سيطال الجغرافيا السياسية الأخرى.
إذن لم ينقلب السحر على الساحر فحسب، بل إن الخطرالمتمثل بالإرهاب والذي صنعه الغرب لمحاربة النظام السوري وكسره، أصبح خطراً مُحدقاً بالجميع. ولعل الأحداث التي ضربت الدول الأوروبية، جعلت العالم بأسره يستفيق من كبوته، ويواجه الحقائق المرة. فقد سقطت الرهانات كافة، وأصبحت الدول التي رعت الإرهاب في المنطقة لا سيما السعودية وتركيا، دولاً يجب إعادة النظر في العلاقات معها. بل وصلت الأمور الى حد أن العديد من الفعاليات المحلية في بعض الدول الأوروبية، وصفت ضرورة إعادة النظر بالعلاقات مع بعض الدول لا سيما السعودية بالضرورة المُلحة.
لا يمكن التنبؤ بما قد تؤول اليه الأمور في المستقبل. لكن الواضح أن الواقع السياسي اليوم، ليس ذلك الواقع الذي ارادته السياسة الأمريكية في المنطقة. في حين لا بد من الإضاءة على الإنجازات التي حققتها روسيا ومحور المقاومة، عند الحديث عن نتائج الحاضر. في وقتٍ عاد فيه نجم النظام السوري ليَسطَع من جديد. وعادت سوريا الأسد، للواجهة وبقوة. ولعل الحديث اليوم لم يعد حول إسقاط النظام أو بقائه، بل أصبح النظام السوري ضرورةً من أجل المضي قدماً لبناء الإستقرار في المنطقة. وعادت سوريا "الأسد" تعود لتُصبح محط الإهتمام على الصعيدين الإقليمي والدولي.