الوقت- اربع سنوات مضت على الحرب في سورية .حربٌ لم تبق ولم تزل تجاوز عدد ضحاياها 200 ألف شخص، وهو أكبر عدد للضحايا خلال الأزمات الدولية الأخيرة ،و أكثر من 10 ملايين سوري أرغموا على النزوح من منازلهم ... حرب امتدت الى جميع مرافق حياة السوريين الاقتصادية والخدمية والطبية وطالت أبسط مقومات العيش الانسانية محولةً الاقتصاد السوري الى اقتصاد منهك يعاني ما يعانيه، فبدل أن تتحول طاقات الدولة لرفع سوية معيشة المواطنين وزيادة المشاريع الخدمية ، كما كان عليه الحال في العشر سنوات الماضية قبل ان تدور رحى الحرب المجنونة المفروضة على السوريين ، اصبح الشغل الشاغل للدولة السورية العمل على وقف النزيف الحاصل في المجتمع وفي مرافق الدولة كافة وعلى الأخص الخدمية منها متمثلة بالقطاعات الطبية والتعليمية وما الى ذلك.
تأثير الحرب على القطاع الصحي :
فخلال السنوات الأربع الماضية تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب، حيث الأولوية هي لتأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية، فالإرهاب لم يرحم أحد وكان ثقب منظاره دائما على تخريب البنية التحتية للاقتصاد محاولة النيل منه لإضعاف الدولة و إفقار ماتبقى من السوريين الذين رفضوا الرحيل ، فكانت ضربة المسلحيين الدائمة تصب في هذا المنحى نحو تخريب المنشآت الاقتصادية والإنتاجية مما يدلل على ضعفهم وعدم قدرتهم على مواجهة الجيش السوري وجهاً لوجه ويشير بشكل قطعي على ارتباط هؤلاء العصابات بأجندات خارجية تهدف لتخريب أكبر ما يمكن تخريبه وتكشف زيف ادعائها بالحديث عن الحرية وتوابعها .
ففي هذا الوقت أصبحت بيوت السوريين في عدة مناطق مشافٍ ميدانية لهم، وتحوّلت فيها غرف الجلوس إلى غرف عمليات.وبحسب المعلومات الرسمية فأنّ 60% من المشافي و38% من منشآت الرعاية الصحية الأولية تضررت أو تدمرت، ورغم ذلك فإن هذه المرافق الصحية القليلة المتبقية، غير قادرة على التعامل مع الأعداد الضخمة للمرضى الذين يحتاجون للعلاج. حيث تشير الدراسات الصادرة عن الامم المتحددة الى أننا امام مشكلة أكبر من ازمة، إنها تهديد بانهيار نظاماً صحيا كاملاً مما يعرّض حياة وصحة الملايين من السوريين وعلى رأسهم الاطفال للخطر فالعيادات الصحية لا تحوي الأخصائيين، ولا المعدات ولا الظروف الصحية اللازمة لعلاجهم ، وما يزيد الطين بلة ان نصف الأطباء السوريين غادروا البلد. سواء الى دول الخليج الفارسي التي سعت لاستقطابهم او طرقوا باب الهجرة الى اوروبا، ناهيك على أن سوريا التي كانت تصدر الأدوية الي دول الجوار باتت الان امام عجز رهيب في صناعة الادوية خاصة بعد قيام الجماعات الارهابية باستهداف هذه المعامل العامة منها او تلك التي تعود ملكيتها للقطاع الخاص ، كان ابرزها مصنع تاميكو الدوائي في الغوطة الشرقية لدمشق، وهذا ما ادى الى انخفاض إنتاج الأدوية بنسبة 70% تقريباً.
إنّ هذه الحقائق المروّعة يتم إثباتها في كل أنحاء العالم. وتثبت معه حقيقة أخرى أنه ليس الرصاص والقذائف وحدها من يقتل الأطفال ويشوههم، بل إنهم يموتون أيضاً بسبب نقص أساسيات الرعاية الصحية. لقد تدمر النظام الصحي في سوريا، وكنتيجة لذلك، يزداد عدد الأطفال الذين يعانون ويموتون من أمراض كانت بالسابق تعالج أو إنها تواجَه كي لا تصل لهذه المرحلة.
حيث تشير المعلومات أن عدة آلاف من الأطفال قد ماتوا كنتيجة لعدم توافر علاج لأمراض مزمنة مهددة للحياة كالسرطان، الصرع، الربو، السكري، ارتفاع الضغط والقصور الكلوي.
واقع القطاع التعليمي السوري في ظل الحرب:
حال القطاع التعليمي في سوريا لايقل ازدراءاً عن حال القطاع الصحي .فعلى الرغم من أن الحكومة السورية أعلنت التحاق 4.3 مليون طالب في جميع مدارس القطر، القابلة للاستثمار والبالغة 17 ألفا و 700 مدرسة، فإن المدارس، بدورها، ليست في أفضل حال، فأرقام العام 2014 تشير إلى أن 1385 مدرسة دمرت في عموم محافظات البلاد، وخرج من الخدمة 4606 منها، وخصص منها 680 لإيواء النازحين من مناطق أخرى . وفي هذا الصدد تشير تقديرات منظمة "اليونيسيف" إلى أن التدهور الحاصل في قطاع تعليم الأطفال السوريين هو "الأسوأ والأسرع في تاريخ المنطقة"، في بلد كان مستوى الالتحاق بالمدارس الابتدائية فيه، يزيد عن 97 في المئة قبل بدء الصراع في العام 2011. حيث تؤكد تلك الاحصائيات تدني نسبة الالتحاق بالتعلـيم الأسـاسي إلى 50 في المئة مـن الفئـة العـمرية 6 الى 11 سنـة، وإلى 30 في المئة في صفوف التلاميذ في الصفين الأول والنهائي من مرحلـة التعلـيم الابتدائـي، وهـي نسـبة متدنيـة إلى حـد مخيف، وستترك أثرها المدمر على مستقبل البلد لعقود طويلة.
ويشير الخبراء في هذا المجال إلى أن "جيلا من الأطفال دون الـ15 سيكون من ضحايا الأمية وضياع في الهوية الوطنية "، مما يعني احتمال وقوع هذه الشريحة تحت تأثير الدعاية الدينية المتطرفة، والتي يوازيها أيضا التعرض للتأثير الاستقلالي الكردي لدى متلقي المناهج الكردية، و ما يقارب 500 ألف طالب في مخيمات الجوار يتلقون مناهج الدول التي يقطنونها، بالاضافة الى مناهج جماعة "الإخوان المسلمين" المعتمدة لدى ما يسمى "الائتلاف الوطني" في تركيا. ناهيك أكثر من 1400 مدرسة في محافظة الرقة وحدها تقوم فيها الدراسة على نهج تنظيم داعش الارهابي من دون ذكر الجوامع التي تحولت إلى مجالس تعليمية تصب في نفس المجال ، الأمر الذي ينتج عنه بطبيعة الحال وضع عشرات آلاف الفتية تحت تأثير هذه الفلسفة التدميرية.
هذه البيانات تترافق مع نداء للأمم المتحدة لتمويل عمليات التدخل الانساني في الأزمة السورية ،وخاصة بعد أن أكدت الحقائق أن 6.5 مليون طفل سوري بحاجة طارئة إلى المساعدة الإنسانية،حيث أن الرقم الحالي يشير إلى زيادة تقدّر بمليوني طفل مقارنة بالعام السابق سواء كانوا داخل البلاد أم لاجئين، وهذا ما يؤكد ما لهذه الحرب من أثار مدمرة وتهديد لحياة السوريين التي تتزايد وتيرتها عام بعد اخر.
اذاً لقد فشل المجتمع الدولي تجاه سوريا وأهلها اللذين يشاهدون كيف تستهدف وتدمّر منازلهم ومدارسهم والمراكز الصحية والمجتمع. وملايين الأحلام والآمال تتلاشى ، فعلى قادة العالم العمل على ايقاف هذه الحرب وإرسال رسالة واضحة إن معاناة السوريين وموتهم لا يمكن تحمّله أكثر.و يجب السعي للتوصل لحل إنساني من أجل تخفيف معانات الذين ضاقت بهم الحياة ذرعاً واصبح لسان حالهم يقول قد اسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي .