الوقت - قام عباس عراقجي، وزير الشؤون الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بزيارة رسمية إلى العاصمة العُمانية مسقط، للمشاركة في الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لدول حوض المحيط الهندي، وينعقد هذا المحفل الدبلوماسي الرفيع تحت شعار "رحلة نحو آفاق جديدة من الشراكة البحرية"، بمشاركة مرموقة تضمّ سبعة وعشرين وزيراً للخارجية، ووفوداً دبلوماسيةً تمثّل خمساً وأربعين دولة.
انطلقت فعاليات مؤتمر المحيط الهندي بمبادرة من المؤسسة الهندية عام 2016، حيث استضافت سنغافورة أولى دوراته بمشاركة ثلاثين دولة، وعلى مدى ثماني سنوات، تبوأ هذا المؤتمر مكانةً مرموقةً كمنصة استشارية رائدة لدول المنطقة في معالجة القضايا الإقليمية الملحة.
يسعى المؤتمر بدأب إلى توحيد جهود الدول المحورية والشركاء البحريين الاستراتيجيين في المنطقة ضمن إطار تشاوري موحد، بهدف استشراف آفاق التعاون الإقليمي في المجالين الأمني والاقتصادي.
وفي هذا السياق، صرح السيد رام مادهاف، رئيس المؤسسة الهندية، يوم الأربعاء المنصرم قائلاً: "لقد ترسخت مكانة هذا المؤتمر كحدث محوري في الأجندة الدولية، متجاوزاً حدود المنطقة ليصبح منصةً عالميةً مرموقةً".
وينسجم هذا المؤتمر انسجاماً تاماً مع رؤية عُمان 2040 الطموحة، التي تركز على تحقيق التنوع الاقتصادي المستدام، وتعزيز الاستدامة البيئية، والنهوض بقطاع الطاقات المتجددة.
تتمتع دول حوض المحيط الهندي، بفضل موقعها الجيواستراتيجي المتميز، وثرواتها الطبيعية الهائلة، ومساراتها التجارية الحيوية، وثقلها الجيوسياسي الفريد، بنسيج متكامل من العلاقات والشراكات متعددة الأبعاد في شتى المجالات الحيوية، وتمتد مظلة هذا التعاون الوثيق، لتشمل المنظومات الاقتصادية والتجارية والأمنية والطاقوية والثقافية، وتبرز إيران، بوصفها قوةً إقليميةً محوريةً في هذا الفضاء الجغرافي الحيوي، كشريك استراتيجي فاعل في منظومة هذا التعاون المتنامي.
وتتجسد آليات التعاون بين دول حوض المحيط الهندي من خلال مؤسسات رائدة، في مقدمتها:
• رابطة التعاون الإقليمي لدول حوض المحيط الهندي (IORA)، التي تُعدّ منصةً استراتيجيةً للتنسيق الإقليمي؛
• الاتفاقية الإطارية للموانئ والممرات البحرية: وهي مظلة تعاون تجمع قوى إقليمية بارزة كالهند وإيران وسلطنة عُمان وسريلانكا، وتهدف إلى تعزيز وتيسير حركة التجارة والملاحة البحرية؛
• التحالف الاستراتيجي للأمن البحري: وهو إطار تعاون أمني متقدم يضمّ قوى دولية مؤثرة كالهند وأستراليا وفرنسا، ويضطلع بمهام حيوية في مجال تأمين الممرات البحرية ومكافحة القرصنة والتصدي لعمليات التهريب البحري.
الأهمية المتنامية للمحيط الهندي في المنافسات العالمية
يؤكد ألفرد ماهان، العقل الإستراتيجي البحري والمفكر الأمريكي، أن السيطرة البحرية على المحيط الهندي تُعدّ بمثابة مفتاح النفوذ العالمي، وفي عصرنا الراهن، يتبوأ المحيط الهندي مكانةً محوريةً كأحد أبرز الشرايين التجارية العالمية، مقترناً بتنامٍ ملحوظ في الأنشطة العسكرية، ما يُضفي عليه أهميةً إستراتيجيةً فائقةً.
تمتد المياه الشاسعة لثالث أكبر محيطات العالم لتعانق سواحل ست وعشرين دولة، ومن مياه الخليج الفارسي حتى مضيق ملقا، يُشكّل المحيط الهندي العمود الفقري للتجارة العالمية، إذ يستأثر بإدارة سبعين في المئة من حركة الحاويات العالمية، وحتى للدول الحبيسة كنيبال وبوتان، يمثّل هذا المحيط شريان حياة لا غنى عنه.
وقد أفضت الأهمية الإستراتيجية الفائقة لهذا النطاق المائي، إلى تنافس محموم بين القوى العظمى لتوطيد نفوذها وتعزيز حضورها فيه، فها هي الولايات المتحدة وبريطانيا تتخذان من قاعدة دييغو غارسيا موطئ قدم، بينما تتمركز فرنسا في جزيرة ريونيون، وفي المقابل، تضخّ الصين استثمارات هائلة لتوسيع نفوذها في المنطقة، ولا سيما عبر مبادرتها الطموحة "الحزام والطريق"، التي تنطوي على أبعاد إستراتيجية وجيوسياسية وسياسية واقتصادية وأمنية متشعبة.
تتجلى عبقرية هذا المشروع في مساريه: البري والبحري. فالمسار البحري، المعروف بطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، يمتد عبر المحيط الهندي ليصل إلى ميناء البندقية العريق في أوروبا. وفي المقابل، أطلقت الولايات المتحدة مبادرة ممر IMEC الطموحة لربط شبه القارة الهندية بالقارة الأوروبية.
وتبرز إيران، بموقعها الإستراتيجي المتميز في شمال المحيط الهندي، كلاعب محوري في معادلة أمن الطاقة والنقل والتجارة الإقليمية، ويمثّل ميناء تشابهار، أحد أهم الموانئ التجارية الإيرانية، نقطة ارتكاز ذات إمكانات هائلة لتعزيز التعاون العابر والاقتصادي في المنطقة، ما يخلق أرضيةً خصبةً للتأثير في ديناميكيات العلاقات الهندية-الصينية وتطورات المحيط الهندي.
وانطلاقاً من موقعها الجيوسياسي المتفرد، كانت إيران من الدول المؤسسة لاتحاد التعاون الإقليمي لدول المحيط الهندي (IORA) عام 1997، الذي يسعى لتعظيم المصالح المشتركة للدول الأعضاء، والإسهام في التنمية المستدامة وترسيخ أمن المحيط الهندي.
وقد نجح IORA، على مدى عقدين من العمل الدؤوب، في التحوُّل إلى مؤسسة إقليمية ذات ثقل في المجالات الاقتصادية والأمنية والبيئية، حيث تطور من سبعة أعضاء مؤسسين إلى ثلاثة وعشرين عضواً واثني عشر شريكاً للحوار، بيد أن التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتنامية، تجعل من تعميق التعاون بين الدول الأعضاء ضرورةً حتميةً لا مناص منها.
أهداف وأهمية زيارة عراقجي
تتطلع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما تتمتع به من موقع جيوستراتيجي متميز وسواحل ممتدة على ضفاف المحيط الهندي، إلى توثيق أواصر التعاون الاقتصادي والبحري مع الدول الشقيقة والصديقة الأعضاء في هذا المحفل الإقليمي، ويتيح هذا اللقاء رفيع المستوى فرصةً ثمينةً لاستشراف آفاق جديدة لتعزيز التبادل التجاري، وتطوير المشاريع الاستثمارية المشتركة، والارتقاء بمنظومة النقل البحري.
تجسّد هذه الزيارة التاريخية الرؤية الإستراتيجية الإيرانية للاضطلاع بدور محوري في المعادلات الإقليمية والدولية، وتمثّل منصةً مثاليةً لإبراز المقومات والإمكانات الإيرانية في شتى المجالات الحيوية، فمن خلال ميناء تشابهار، المركز اللوجستي الإستراتيجي، تسهم إيران في تعزيز حركة التجارة مع الهند وأفغانستان ودول آسيا الوسطى.
وسيجري السيد عراقجي، على هامش هذا المؤتمر الرفيع، مباحثات ثنائية مع وزراء الخارجية والمسؤولين المشاركين، ما سيفتح آفاقاً رحبةً لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين إيران والدول الشقيقة والصديقة.
وفي المجال الأمني الإستراتيجي، تسعى إيران إلى تعميق أطر التعاون مع الأشقاء والأصدقاء لضمان الأمن البحري، ومكافحة القرصنة، وحماية الثروات البحرية، وتأمين خطوط الملاحة الدولية، وباعتبارها قوةً بحريةً رائدةً في المنطقة، تضطلع إيران بدور محوري في ترسيخ الأمن والاستقرار في الخليج الفارسي ومضيق هرمز.
كما سيتناول جدول الأعمال مداولات معمقة حول تطوير منظومة الاقتصاد البحري، وتنسيق الجهود المشتركة للدول الساحلية في الاستثمار الأمثل للموارد البحرية، بما يشمل السياحة البيئية المستدامة، والثروة السمكية، والتقنيات الحيوية البحرية المتقدمة.
وختاماً، تمثّل هذه الزيارة الدبلوماسية رفيعة المستوى فرصةً استثنائيةً لتعزيز التعاون الإقليمي، وتوطيد العلاقات الثنائية، وتأكيد الدور المحوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في حوض المحيط الهندي.