الوقت - شهدت انتخابات الاتحاد الأفريقي الأخيرة تنافسًا دبلوماسيًا محتدمًا بين مصر والجزائر والمغرب، وخصوصًا فيما يتعلق بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وقد أثارت خطوة مصر بترشيح مرشحتها الخاصة، الدكتورة حنان مرسي، جدلًا واسعًا في الجزائر، حيث اعتبرت هذه الخطوة "مفاجئة" و "غير مفهومة"، ولا سيما بعد إعلان مصر دعمها المسبق لمرشحة الجزائر مليكة حدادي.
حيث شهدت الانتخابات صراعًا مفتوحًا بين مصر، الجزائر، والمغرب على المناصب القيادية داخل الاتحاد الأفريقي، وبرزت هذه المنافسة بوضوح في انتخابات نائب رئيس المفوضية، وعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي، ولجنة إفريقيا للقانون الدولي، ما جعل من القمة الأفريقية الأخيرة ساحة لمعركة دبلوماسية مكثفة بين العواصم الثلاث.
يبدو أن قرار مصر بترشيح مرشحتها لمنصب نائب رئيس المفوضية لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تغير في الحسابات السياسية، وربما رد فعل على معطيات غير مُعلنة في العلاقات الثنائية، ورغم أن مصر لم تقم بحملة واضحة لدعم مرشحتها، فإن ترشحها ألقى بظلال من الشك حول مدى التنسيق المسبق بين القاهرة والجزائر.
خلال الانتخابات، انسحبت المرشحة المصرية في الجولة الرابعة، ما أدى إلى مواجهة مباشرة بين المرشحة الجزائرية والمغربي، هذا الانسحاب يشير إلى أن مصر ربما دخلت السباق لغرض التفاوض أو كتكتيك دبلوماسي دون نية حقيقية للمنافسة حتى النهاية.
تفسير الخطوة المصرية
مصر، باعتبارها واحدة من القوى الكبرى في القارة، تسعى دائمًا إلى تأمين مواقعها القيادية داخل الاتحاد الأفريقي، وقد يكون ترشيح حنان مرسي جزءًا من استراتيجية تهدف إلى إبراز الوجود المصري، حتى وإن لم يكن الهدف الأساسي الفوز بالمقعد، بل إثبات الوجود في الساحة الدبلوماسية الأفريقية.
قد تكون مصر قد رأت أن الجزائر لم تدعمها بشكل كافٍ في انتخابات أخرى داخل الاتحاد، مثل انتخابات مجلس السلم والأمن الأفريقي، لذا، قد يكون قرار القاهرة بترشيح مرشحتها بمثابة رسالة سياسية مفادها بأن مصر قادرة على المناورة وعدم الالتزام بتوافقات غير مكتوبة.
من خلال دخولها المنافسة، ربما أرادت مصر إضعاف موقف أحد الطرفين – الجزائر أو المغرب – من خلال تفتيت الأصوات، ما قد يخدم مصالحها في المدى البعيد، وخاصة أن العلاقات المصرية المغربية تشهد أحيانًا تفاهمًا تكتيكيًا رغم التوترات المتكررة.
اختيار الدكتورة حنان مرسي كمرشحة مصرية قد يكون له بعد يتعلق بتعزيز الكفاءات المصرية في المؤسسات الدولية، وخاصة أنها تشغل منصبًا بارزًا في اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأفريقيا، وبالتالي، قد يكون ترشيحها جزءًا من مساعي مصر لدعم كوادرها في المناصب الدولية حتى لو لم تحقق الفوز في هذه الجولة.
التداعيات على العلاقات المصرية – الجزائرية
رد الفعل الجزائري تجاه الخطوة المصرية كان انتقاديًا ولكنه لم يصل إلى حد الأزمة الدبلوماسية، وهو ما يعكس رغبة الطرفين في احتواء أي خلافات سياسية لا تخدم المصالح الثنائية.
من الممكن أن يؤدي هذا التنافس إلى إعادة ترتيب بعض التحالفات داخل الاتحاد الأفريقي، حيث قد تحاول الجزائر تعزيز تحالفاتها مع دول مؤثرة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا، فيما قد تسعى مصر إلى توثيق علاقاتها مع دول أخرى مثل إثيوبيا أو بعض دول غرب أفريقيا.
رغم هذا الخلاف، من غير المتوقع أن يؤثر التنافس بين مصر والجزائر على التنسيق في القضايا الاستراتيجية الكبرى مثل الأمن في ليبيا، القضية الفلسطينية، أو قضايا الغاز والطاقة، حيث تظل المصالح المشتركة بين البلدين أكبر من أي خلاف تكتيكي داخل الاتحاد الأفريقي.
لم يكن ترشح مصر لحنان مرسي خطوة عشوائية، بل كان قرارًا محسوبًا، ربما لتحقيق مكاسب تكتيكية، أو لإرسال رسالة سياسية بشأن دورها في الاتحاد الأفريقي.
فالتنافس الدبلوماسي بين مصر والجزائر لن يتحول إلى أزمة كبرى، لكنه يعكس إعادة ترتيب للأدوار داخل القارة، وخاصة مع اشتداد المنافسة على المناصب القيادية.
ستبقى العلاقات المصرية – الجزائرية محكومة بمصالح أكبر من مجرد الانتخابات الأفريقية، لكنها قد تشهد بعض الفتور في المدى القريب.
كما كشفت الانتخابات الأخيرة بوضوح مدى التنافس الشديد بين القوى الإقليمية في شمال أفريقيا على النفوذ داخل الاتحاد الأفريقي، وهو تنافس مرشح للاستمرار في السنوات المقبلة.
في الختام يمكن القول إن هذه الانتخابات أكدت أن الصراع على النفوذ في أفريقيا بات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وأن دول شمال القارة ستظل لاعبًا رئيسيًا في تحديد مستقبل الاتحاد الأفريقي، وسط تنافس لن يتوقف عند هذه الجولة الانتخابية، بل سيمتد إلى معارك أخرى في المستقبل القريب.
كما أن الخطوة المصرية في هذه الانتخابات قد لا تكون قد آتت ثمارها في هذه الجولة، لكنها تؤكد أن القاهرة لا تنوي ترك الساحة الأفريقية من دون حضور فاعل، حتى لو كان الثمن بعض الجدل الدبلوماسي مع أقرب حلفائها التقليديين.