الوقت- أخيراً، وبعد 17 شهراً من التأخير، تم انتخاب "إسحاق عميت"، القاضي الليبرالي، رئيساً جديداً للمحكمة العليا في "إسرائيل"، حيث أقيم أمس حفل تنصيبه رئيساً جديداً للمحكمة العليا الإسرائيلية في مقر إقامة الرئيس إسحاق هرتسوغ.
ولأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني، قاطع رئيس الوزراء ووزير العدل الحفل ولم يحضراه، ويشير هذا السلوك إلى استياء شديد في حكومة نتنياهو من اختيار عميت رئيساً جديداً للمحكمة العليا، ولذلك، لا بد من انتظار مرحلة جديدة من المواجهة بين الائتلاف الحاكم والمحكمة العليا، وخاصة في مجالي "الإصلاح القضائي" وتشكيل "لجنة تقصي الحقائق حول المسؤولين عن فشل 7 أكتوبر".
شغلت رئيسة المحكمة العليا السابقة، إستر هايوت، هذا المنصب حتى الـ 16 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (بعد 9 سنوات من بدء حرب غزة)، وبعدها شغل عوزي فوجلمان منصب رئيس المحكمة العليا بالإنابة حتى 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى نهاية عام 2024، منع وزير العدل الإسرائيلي ياريو ليفين "لجنة اختيار القضاة" من الاجتماع لتعيين رئيس جديد، مشيرًا إلى أسباب أمنية، وكان السبب الرئيسي وراء عرقلة ليفين هو منع قاض ليبرالي من رئاسة المحكمة على وجه التحديد في أعقاب حرب غزة وعملية الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي خلقت العديد من الشكوك داخل الأراضي المحتلة حول كفاءة بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته لإدارة هذا الكيان.
ولتحقيق هذه الغاية، منع ليفين، الذي يتوجب عليه بموجب القوانين القائمة بصفته وزيراً للعدل إصدار إذن بعقد اجتماع للجنة اختيار القضاة ورئاسة اجتماعاتها، عقد هذا الاجتماع حتى نهاية عام 2024، وخلال هذه الفترة كانت المحكمة العليا تُدار بواسطة رئيس مؤقت.
وبعد تقاعد فوجلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2024، جاء دور إسحاق أميت لرئاسة المحكمة، وفقاً لقاعدة الأقدمية، وقد أدت عرقلة ليفين للعدالة إلى تولي أميت منصب رئيس المحكمة العليا مؤقتًا من أكتوبر 2024 إلى يناير 2025، وعلى وجه التحديد، لا يتمتع الرئيس المؤقت بصلاحيات الرئيس المنتخب والشرعي ولا يستطيع ممارسة سلطات كافية لبناء التوافق، وخاصة في القضايا الحساسة والمثيرة للجدل.
وأخيراً، وبعد أشهر من التأخير، أصدرت المحكمة العليا، بأغلبية أعضائها، حكماً في سبتمبر/أيلول الماضي يأمر ليفين بعقد اجتماع للجنة لاختيار القضاة لتعيين رئيس جديد للمحكمة، لكن ليفين رفض قبول هذا الحكم وطلب إلغاء تعيينه رئيساً جديداً للمحكمة، مشيراً إلى مزاعم بأن أميت أساء استخدام سلطته لبناء طوابق إضافية في منزله الشخصي، وفي نهاية المطاف، وتحت ضغط مباشر من المحكمة، وافق ليفين على عقد اجتماع للجنة اختيار القضاة دون أن يحضر الاجتماع، وقامت اللجنة بتقديم عميت بشكل مباشر إلى رئيس الكيان الإسرائيلي باعتباره المرشح الجديد لرئاسة المحكمة العليا.
ومع مراسم تنصيب أميت، أصبح رسمياً رئيساً للمحكمة العليا في الكيان الإسرائيلي، والآن علينا أن ننتظر مرحلة جديدة من نزاعات المحكمة العليا مع الائتلاف الحاكم، ومن المتوقع أن تكون الاختلافات الرئيسية بين الجانبين قابلة للتقسيم إلى ثلاث فئات.
الإصلاحات القضائية
وفي الأشهر الأخيرة، تحدث ليفين مراراً وتكراراً عن ضرورة إحياء مشروع الإصلاح القضائي، ولتخفيف المعارضة الاجتماعية له، مستخدماً قدرة وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي كان عضواً في المعارضة حتى وقت قريب، وفي مؤتمر صحفي مشترك عقد في يناير/كانون الثاني 2025، كشف ليفين وسار عن نسخة منقحة من الإصلاحات القضائية.
وتباينت ردود الفعل تجاه هذا الإجراء، وعارض يائير لابيد، زعيم المعارضة الرسمي، الخطة، لكن بيني غانتس، زعيم الائتلاف الحكومي، دعا إلى إجراء مفاوضات بشأن الخطة، ومع ذلك، فإن انتخاب أميت رئيساً جديداً للمحكمة لا يضع فرص إقرار أي إصلاحات قضائية كاملة من شأنها أن تقلل بشكل مباشر من سلطة المحكمة في مواجهة توقعات إيجابية.
تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لتحديد المقصرين في أحداث الـ 7 من أكتوبر
إن القضية الأهم التي ستنظرها المحكمة العليا برئاسة ليفين قريباً أمام حكومة نتنياهو هي "لجنة تقصي الحقائق بشأن مقصري أحداث السابع من أكتوبر"، خلال الحرب، تجنب نتنياهو مراراً وتكراراً تحمل أي مسؤولية عن هزائم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مؤجلاً الإجابة على هذه الأسئلة إلى ما بعد الحرب، والآن، مع التوصل إلى وقف إطلاق النار واستمراره بعد التحدي الذي استمر خلال اليومين أو الثلاثة أيام الماضية، فضلاً عن انتخاب رئيس جديد للمحكمة العليا، يتم إرساء الأساس الضروري لتشكيل مثل هذه اللجنة.
وفي هذا الصدد، طلبت حكومة نتنياهو الأسبوع الماضي من المحكمة العليا تأجيل أي قرار بشأن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لمدة ثلاثة أشهر، ولم ترد المحكمة العليا على هذا الطلب حتى الآن، وعلى وجه التحديد، فإن المشتبه بهم الرئيسيين في مثل هذه اللجنة سيكونون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب آنذاك يوآف غالانت، والقائد العام لجيش الدفاع الإسرائيلي هرتسي هاليفي.
في عام 1974، وبعد هزيمة "إسرائيل" المفاجئة في حرب يوم الغفران عام 1973، تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، برئاسة شمعون أجرانت، رئيس المحكمة العليا آنذاك، وحاكمت المسؤولين آنذاك، بما في ذلك رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الحرب موشيه ديان، والآن يشعر الائتلاف الحاكم في الأراضي المحتلة بقلق بالغ من أن تتشكل بعد لجنة "أجرانات" لجنة "أميت"، ما يسبب مشاكل خطيرة لنتنياهو وحتى يمهد الطريق لإبعاده عن السلطة.
مصير النائب العام
أما القضية الثالثة المهمة، والتي سيحدد مصيرها بطريقة ما انتخاب أميت رئيساً جديداً للمحكمة العليا، فهي المواجهة بين ائتلاف نتنياهو وجالي بهارو ميرا، المدعي العام للكيان، وأعلن زعماء الائتلاف الحاكم مؤخرا قرارهم بإقالة النائب العام، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء عملي بهذا الشأن.
وبانتخاب أميت، سيكون لدى المحكمة العليا حافزاً أكبر لمعارضة مثل هذا القرار من قبل الائتلاف الحاكم، وإذا أصدر نتنياهو مثل هذا الحكم، فإن المحكمة سوف تلغيه.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن تنصيب أميت رئيساً للمحكمة العليا في "إسرائيل" سيمهد الطريق لتصعيد الخلاف والانقسام بين الأجهزة الحاكمة في الكيان الصهيوني.