الوقت- بينما أرجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المرحلة الثانية من محادثات وقف إطلاق النار في غزة إلى ما بعد زيارته إلى واشنطن، أعلنت قطر، الثلاثاء، أنها ستواصل تهيئة المساحة لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، مؤكدة أنه لم تحدث أي خروقات فعلية.
وفي هذه الأثناء، يجري ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، محادثات مع نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، لبحث المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وأعلنت حركة حماس في بيان لها الإثنين، أن وفدا من الحركة وصل إلى القاهرة لبحث تطورات تنفيذ وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بمراحلها الثلاث.
رغم الاتفاق على الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الكثير من التفاصيل لا تزال غير واضحة، وقالت مصادر لـ"عربي بوست": إن الخلافات الصعبة بين حماس ونظام الاحتلال تأجلت إلى مرحلة ثانية، وحسب مسودة الاتفاق فإن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار ستستمر لمدة 42 يوما وتتضمن ما يلي:
- إعلان السلام الدائم وتنفيذه قبل البدء بتبادل الأسرى بين الطرفين.
- حماس ستفرج عن أسرى إسرائيليين أحياء، وفي المقابل سيتم الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين.
- الانسحاب الكامل للقوات الصهيونية من غزة.
لكن هناك قضايا خلافية تحتاج إلى الاتفاق عليها في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
محور فيلادلفيا
وفي المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، قلص جيش الاحتلال الإسرائيلي قواته في غزة تدريجيا بناء على الاتفاقات المبرمة، وأزال العوائق أمام عودة اللاجئين إلى المناطق الشمالية من قطاع غزة، وفي هذه الأثناء، ورغم أن مشروع الاتفاق يذكر الانسحاب الكامل للقوات الصهيونية، فإن مسألة الانسحاب من ممر فيلادلفيا تظل غير واضحة.
وقال نتنياهو، عشية توقيع اتفاق وقف إطلاق النار: إن "إسرائيل" ستحتفظ بالسيطرة الكاملة على ممر فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر، وكتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن نتنياهو لن يوافق أبدا على الكثير من التقارير المتناقضة بشأن ما تعهد به، وخاصة فيما يتعلق بممر فيلادلفيا، وبالتالي فإن المرحلة الثانية ستكون أكثر حسما.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مصدر إسرائيلي قوله: إن الانسحاب من محور فيلادلفيا لن يتم إلا بالتوصل إلى تفاهم مع حماس يرضي "إسرائيل"، وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الانسحاب من ممر فيلادلفيا، والذي يجب أن يكتمل في اليوم الخمسين لاتفاق وقف إطلاق النار، سيشكل تحديا كبيرا لنتنياهو بعد كل تصريحاته حول الأهمية الاستراتيجية للممر، ولذلك، قد يحاول نتنياهو إما انتهاك الاتفاق من خلال إلقاء اللوم على حماس، أو التراجع والسماح باستمرار المفاوضات، وفي هذه الحالة ستكون حكومته في خطر.
وتزعم حكومة نتنياهو أن حماس تستخدم محور فيلادلفيا لتهريب الأسلحة عبر الحدود المصرية، وأن القوات الصهيونية يجب أن تبقى على هذا المحور لمنع هذه العملية، وفي هذه الأثناء، ونظراً لإصرار حماس على خروج المحتلين، وإصرار تل أبيب على بقائهم، فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضية تظل غير مؤكدة.
الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين البارزين
وكان أحد أهم الخلافات التي حالت دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار هو "الفيتو" الإسرائيلي على إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين البارزين الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، ومن أبرز القيادات الفلسطينية التي تطالب حماس بالإفراج عنها ويعارض الاحتلال الإفراج عنها: "إبراهيم حامد، عباس السيد، حسن سلامة، مروان البرغوثي، وأحمد سعدات"، وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت أن "الفيتو الإسرائيلي" ضد هؤلاء الأفراد لم يرفع بعد، ومن غير المرجح إلى حد كبير أن تتراجع حماس عن مواقفها.
إن إصرار حكومة نتنياهو على عدم الإفراج عن قيادات بارزة من حركة حماس ينبع من خوف النظام من إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في الماضي، وكان من بين هؤلاء الأفراد المهمين يحيى السنوار، رئيس مكتب حماس السابق، وعندما أُطلق سراحه من سجون الاحتلال الإسرائيلي في عام 2011 بعد 22 عاماً، حذرت أجهزة الأمن التابعة للنظام من أن إطلاق سراحه كان خطأً كبيراً وأن الصهاينة سيدفعون ثمناً باهظاً لذلك.
بعد عملية عاصفة الأقصى التي خطط لها السنوار، انتقدت وسائل الإعلام والسياسيون الإسرائيليون مراراً وتكراراً تجاهل هذا التحذير، ولذلك فإن نتنياهو وأصدقاءه يشعرون بقلق عميق من تكرار أخطاء الماضي، ولهذا السبب لم يعلنوا حتى الآن عن موافقتهم على إطلاق سراح قادة حماس البارزين.
اليوم التالي لحرب غزة
ومن أهم التحديات التي تواجه النظام الإسرائيلي في بداية المرحلة الثانية من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار هو الإحباط والقلق من بقاء السيطرة على غزة من قبل حماس، وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن حماس والجهاد الإسلامي اتفقتا على تشكيل لجنة من التكنوقراط تحت إشراف السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع، إلا أن محمود عباس يرفض ذلك.
وحسب الصحيفة فإن القادة الصهاينة يعتقدون أن هذه اللجنة هي وسيلة لإعادة حماس إلى السلطة من خلال وضع شخصيات مرتبطة بها في مناصب رئيسية، وعلاوة على ذلك، بما أن القوة العسكرية لحماس لم يتم القضاء عليها بالكامل، فمن غير المرجح أن توافق الحركة على نزع سلاحها، وهو ما سيخلق مشاكل هائلة لأي حكومة تحل محلها.
يذكر أن قيادات المقاومة حذرت مراراً وتكراراً من أنها لن تتخلى عن سلاحها وتعتبر العمل المسلح هو السبيل الوحيد لمقاتلة العدو المحتل وتحرير الأراضي المحتلة، لأن الكيان الصهيوني من وجهة نظر القادة الفلسطينيين لا يفهم إلا لغة القوة، وأن الذي أجبر العدو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والموافقة على وقف إطلاق النار هو سلاح المقاومة.
وتناولت صحيفة "يديعوت أحرونوت" التحديات في هذا الصدد، مشيرة إلى أن ما قد يعقد المفاوضات هو إصرار تل أبيب في المرحلة الثانية على مناقشة قضايا تتعلق بالمرحلة الثالثة، والتي تشمل: الترتيبات الأمنية، وإعادة إعمار غزة، والقضاء على حماس، وإقامة الحواجز على طول محور فيلادلفيا.
ويقول الكاتب الصهيوني في الصحيفة رون بن يشاي: إن هناك ثلاثة أمور يجب على تل أبيب ضمانها في المرحلة الثانية: "ضمان نزع السلاح من غزة، وتسليم حماس السيطرة على غزة، وعدم إطلاق سراح السجناء الإسرائيليين علناً"، وفيما يتعلق بالمطلبين الأول والثاني، قال بن يشاي: "هذه المطالب أساسية ويجب أن تكون حجر الزاوية في توجه إسرائيل في المرحلة الثانية من المفاوضات، ونتوقع أن تحظى بدعم إدارة ترامب".
إن غضب الحكومة الصهيونية من الطريقة التي تمت بها صفقة تبادل الأسرى في الجولة الأولى، يعود إلى التأثيرات الواضحة للحضور البارز والمسلح لعناصر كتائب القسام، وسط الاستقبال الشعبي الواسع الذي حظوا به، والذي انعكس على نطاق واسع في وسائل الإعلام، وتم تفسيره لدى الرأي العام والمحللين السياسيين كدليل واضح على الهزيمة العسكرية لـ"إسرائيل" في غزة، واستمرار قوة حماس العسكرية رغم مواقف القادة الصهاينة.
وفي هذه الأثناء، اعترفت وسائل الإعلام العبرية مراراً وتكراراً بأن عملية تبادل الأسرى أصبحت استعراضاً للقوة بالنسبة لحماس واستعراضاً لهزيمة "إسرائيل" في الحرب، ولهذا السبب يحاول نتنياهو التأكد من أن المرحلة الثانية من عملية التبادل تتم بشكل سري ومن دون الوجود المسلح لقوات حماس والسكان الفلسطينيين الكبار.
الموافقة على المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار
وهناك قضية أخرى تشكل تحدياً خطيراً للتوصل إلى اتفاق في المرحلة الثانية، وهي الخلاف الذي ظهر داخل حكومة نتنياهو، ومن أجل تهدئة غضب الوزراء المتشددين الذين يريدون مواصلة الحرب في غزة، أعلن نتنياهو صراحة أنه تمت الموافقة على المرحلة الأولى فقط، وأنها لا تشمل المرحلة الثانية، وبعد أن غادر وزير الأمن الداخلي إيتمار بن جوفيرنور وأعضاء حزبه الائتلاف اليميني، انخفض عدد مقاعد الائتلاف اليميني إلى 62 مقعدا في الكنيست، وأكد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مرارا وتكرارا أنه إذا لم يستأنف نتنياهو القتال في غزة بحلول نهاية المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، فإن حزبه سينسحب من الائتلاف وسيحاول الإطاحة بالحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
لكن دعم الأحزاب الحريدية في الائتلاف اليميني للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار أثار غضب أعضاء حزبي الليكود والصهيونية الدينية، وكتبت صحيفة "معاريف" أن الدعم الحريدي للمرحلة الثانية من الاتفاق يأتي لأن زعماء الأحزاب الحريدية يريدون تليين الرأي العام وموقف المعارضة من قانون الخدمة الإلزامية الذي تجري مناقشته حاليا في الكنيست.
وكتبت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن هذا الأمر: "وزيران في تل أبيب ينتظران عودة نتنياهو من واشنطن وإنجازات هذه الرحلة"، "الأول هو أرييه درعي، زعيم حزب شاس، الذي يدعو إلى قانون التجنيد، والثاني هو سموتريتش، الذي يريد العودة إلى الحرب والنصر أو الانتخابات"، وعلى هذا الأساس، فإن اللقاء بين نتنياهو وترامب بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار ومستقبل التطورات السياسية في الأراضي المحتلة سيكون حاسما.