الوقت- في خضم المجازر الإسرائيلية المتواصلة شمال غزة، سطع اسم الطبيب أبو صفية، بوصفه رمزا للإنسانية والصمود في مواجهة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها القطاع منذ نحو 15 شهرا، يأتي اعتقال حسام أبو صفية تكريساً للإجرام الصهيوني في القضاء على جميع مظاهر الحياة في غزة.
ومنذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 يستهدف الجيش الإسرائيلي القطاع الصحي في القطاع، ويقصف ويحاصر المستشفيات وينذر بإخلائها، ويمنع دخول المستلزمات الطبية وخاصة في مناطق شمال القطاع التي اجتاحها مجددا في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكان آخر الاعتداءات الإسرائيلية على المنظومة الصحية في غزة اقتحام مستشفى كمال عدوان في الـ 27 من ديسمبر/كانون الأول 2024، وإضرام النار فيه وإخراجه عن الخدمة، واعتقال أكثر من 350 شخصا كانوا داخله، بينهم الكادر الطبي وجرحى ومرضى، وأبو صفية.
مطالبات أممية
جددت مقررتان أمميتان، المطالبة بالإفراج عن مدير مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية، الذي اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل نحو أسبوع.
جاء ذلك في بيان مشترك للمقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة تلالنغ موفوكينغ، والمقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز.
وأكدت موفوكينغ وألبانيز، في بيانهما، ضرورة إنهاء هجوم "إسرائيل" الحالي على غزة، وخاصة على المنشآت الطبية من ناحية، وضمان الإفراج عن أبو صفية وجميع العاملين الصحيين المحتجزين تعسفيا من ناحية أخرى.
وأضاف البيان: "نشعر بالقلق البالغ إزاء مصير أبو صفية، وهو طبيب آخر تعرّض للاختطاف والاحتجاز التعسفي من قوات الاحتلال، والسبب هذه المرة هو تحديه أوامر الإخلاء و(رفضه) ترك مرضاه وزملائه".
وذكر البيان أن الاعتداء الصارخ الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي على الحق في الصحة بغزة، وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة، بعد مرور أكثر من عام على الإبادة الجماعية، يؤدي إلى مستويات جديدة من الإفلات من العقاب.
وسلّطت الخبيرتان الضوء على جانب من المآسي التي تحمّلها أبو صفية نتيجة أعمال الإبادة الإسرائيلية الجماعية الراهنة في غزة، مشيرتين إلى أن ابناً له قُتل أمامه، وأن الطبيب أُصيب أثناء تأدية واجبه، ورغم ذلك واصل تقديم الرعاية للمرضى.
وكانت موفوكينغ، قد طالبت عبر منصة إكس، حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق سراح أبو صفية وإيقاف الإبادة الجماعية في غزة.
وقبلها، وجّهت ألبانيز المطالبة ذاتها، ودعت عبر منصة إكس أطباء العالم إلى قطع جميع العلاقات مع "إسرائيل"، كوسيلة مؤثرة ومنددة بتدميرها نظام الرعاية الصحية في غزة.
مصيدة الموت
فيما جاءت مطالبات أممية عديدة بضرورة الإفراج الفوري عن الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية والطاقم الطبي المرافق له، أفاد مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بأن المستشفيات في قطاع غزة تحوّلت إلى "مصيدة للموت"، مشددا على ضرورة حماية هذه المنشآت أثناء الحرب.
وقال "وكأنّ القصف المتواصل والوضع الإنساني المتردي في غزة لم يكونا كافيَيْن، فأمسى الملاذ الوحيد الذي يجدر أن يشعر فيه الفلسطينيون بالأمان، مصيدة للموت".
وفي هذا الشأن قالت منظمة العفو الدولية: إن الدكتور أبو صفية كان صوت القطاع الصحي المتضرر، وعمل في ظروف غير إنسانية حتى بعد اغتيال ابنه.
وعبّرت المنظمة عن قلقها الشديد على حالة الطبيب أبو صفية، وطالبت "إسرائيل" بضرورة الإفراج عن أبو صفية.
وكانت منظمة الصحة العالمية طالبت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالإفراج الفوري عن أبو صفية، وقالت: إن المستشفيات في غزة أصبحت مرة أخرى ساحات معارك، وإن النظام الصحي تحت تهديد شديد، وطالبت بوقف استهداف المستشفيات.
ادعاءات واهية ومكشوفة
وفيما يخص الإدعاءات الإسرائيلية المتكررة وضربها للمستشفيات تحت ذرائع واهية قال تقرير للأمم المتحدة: إن الادعاءات الإسرائيلية عن استخدام فصائل فلسطينية مستشفيات غزة لأغراض عسكرية "غامضة".
وأفاد التقرير بأن جيش الاحتلال وحكومته لم يوفرا حتى اليوم سوى القليل من المعلومات لإثبات ادعاءاتهما باستخدام الجماعات الفلسطينية المسلحة للمستشفيات، وأن هذه الادعاءات "غامضة وفضفاضة، وفي بعض الحالات تبدو متناقضة مع المعلومات المتاحة علنا".
وخلص التقرير إلى أن الضربات الإسرائيلية على المستشفيات أو قربها في قطاع غزة تركت النظام الصحي في القطاع الفلسطيني على حافة الانهيار، ما أثر بشكل كارثي على قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى الرعاية الصحية والطبية.
ماذا يعني اعتقال أبو صفية
الاعتداءات الإسرائيلية على المستشفيات واعتقال الأطباء ليست مجرد أحداث عابرة أو أفعال فردية، بل هي جزء من سياسة منهجية تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتجسد حالة من الوقاحة التي تُظهر تجاهلًا مطلقًا للأعراف والقيم الإنسانية.
اعتقال الأطباء هو جريمة أخرى تُظهر مدى استهتار "إسرائيل" بأبسط المبادئ الأخلاقية والإنسانية، عندما يتم اعتقال الأطباء، يتم استهداف الأشخاص الذين يكرسون حياتهم لإنقاذ الآخرين، بغض النظر عن هويتهم، مثل هذه الإجراءات تهدف إلى:
تدمير نظام الرعاية الصحية: اعتقال الأطباء يترك فراغًا كبيرًا في القطاع الصحي، ما يؤدي إلى انهيار الخدمات الطبية في المناطق المستهدفة.
خلق حالة من الخوف والردع: اعتقال الطواقم الطبية هو رسالة تهديد مباشرة للطواقم الأخرى، مفادها بأن حتى العاملين في المجال الإنساني ليسوا في مأمن.
التلاعب بالحقيقة: اعتقال الأطباء يهدف أحيانًا إلى طمس الحقائق ومنع الشهود العيان من توثيق جرائم الحرب أو تقديم شهادات طبية حول طبيعة الإصابات التي تكشف عن استخدام أسلحة محظورة.
ختام القول
استهداف المستشفيات واعتقال الأطباء يعكسان سياسة إسرائيلية نازية تسعى إلى تحطيم الإرادة الفلسطينية بوسائل غير عسكرية لكنها أكثر تدميرًا، فهي تشكل إبادة مزدوجة لأنها تعتمد على حرمان المصابين من العلاج، وتحويل الأطباء أنفسهم إلى ضحايا، ما يفاقم الأثر الإنساني للنزاع، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الإنسانية فعند استهداف الأطباء، لا يتم استهداف الأفراد فقط، بل يتم ضرب النظام الصحي برمته، ما يهدد المجتمع بأكمله، وانتهاك صريح للقانون الدولي فاعتقال الأطباء يخالف اتفاقيات جنيف التي تنص بوضوح على حماية العاملين في المجال الطبي أثناء النزاعات.
وبذلك يمكن القول بكل وضوح إن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب، ويجب أن تظل في صدارة الجهود الدولية للمحاسبة، وسكوت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم ليس فقط تواطؤًا مع الجلاد، بل أيضًا انتهاكًا لحقوق الشعوب في الحياة والكرامة.