الوقت - تأتي الذكرى الـ29 لاستشهاد القائد فتحي الشقاقي هذا العام مقترنةً بأحداث تاريخية مهمة وهي معركة "طوفان الأقصى"، التي جاءت لتكون حلقةً ضمن مسيرة طويلة ممتدة من الجهاد والتضحيات، وإن هذه الذكرى تُشكل دافعاً للمقاتلين في الميدان.
وتتزامن الذكرى مع اشتداد القتال المنبعث من جباليا ورفح والزيتون، ومع دماء الشهداء الذين يتقدمون دفاعاً عن فلسطين والقدس في غزة والضفة ولبنان، ومع أزيز رصاص الكتائب المشتبكة مع العدو في جنين ونابلس وطولكرم، وما كل ذلك إلا دليلاً على استمرار القتال والمواجهة حتى طرد هذا المحتل عن أرضنا وتحرير بلادنا واستعادة مقدساتنا.
فتحي الشقاقي الحاضر بيننا بروحه وفكره يرسل برسالةٍ لكل من يحاول إنهاء المقاومة التي اتقدت وتحولت إلى مشاعل، لا يستطيع أحد إطفاؤها، ولترسم ملامح مرحلة جديدة، وعلامة فشل في أذهان الصهاينة.
ستبقى روح الشقاقي ومسيرته نبراساً لكل المجاهدين الذين مازالوا يستبسلون في القتال بكل قوة وثقة بالنصر والتحرير والعودة بإذن الله.
أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن دماء الشهيد الشقاقي قد روت فكر الإيمان والوعي والثورة، التي عمل الشقاقي ورفاقه على ترسيخها وزرعها في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي، وقد أينعت اليوم جهاداً ونضالاً وصلابة لا تلين في مواجهة الإجرام الصهيوني، الذي لطالما وصفه الشهيد القائد بأنه تمام الباطل، وبات العالم شاهداً على ذلك.
وأضافت، في بيان لها، بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرون لاستشهاد الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد القائد فتحي الشقاقي، الذي اغتاله الموساد الصهيوني في عملية غادرة في مالطا، أن فكر الشهيد الدكتور الشقاقي لا يزال حاضرًا، بل يكبر وينمو، ويزداد عطاء، ويؤتي ثماره، ويزهر نصرًا؛ فها هم أبناء الشقاقي يخوضون المواجهات، بإقدام وجسارة، في كل ساحات المواجهة، من داخل الزنازين وأقبية المعتقلات، إلى ساحات البطولة بكتائب سرايا القدس في مخيمات الضفة المحتلة ومدنها، إلى الاشتباك المستمر والالتحام المباشر مع جيش الاحتلال في قطاع غزة، إلى ساحات المواجهة في جنوب لبنان، ماضون في طريق الشهادة والجهاد والثبات على نهج الشقاقي، جنباً إلى جنب مع باقي قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، حتى دحر الاحتلال وهزيمة المشروع الصهيوني واقتلاعه من أرضنا.
وختمت بالقول: لقد أثبتت مسيرة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن اغتيال أمينها العام الأول قد زاد من يقينها بالنهج الذي انطلقت الحركة لأجله، بلا مساومة ولا مواربة ولا مهادنة، متمسكة بالمبادئ والثوابت التي عاش الشقاقي واستشهد لأجلها، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، كل فلسطين، من بحرها إلى نهرها، وبأن الجهاد المسلح هو الخيار الوحيد في مواجهة الإجرام الصهيوني النازي.
على مدار نشاطه المقاوم، قال الشقاقي العديد من الكلمات التي حُفظت بذاكرة الجماهير حتى يومنا هذا، لتصبح من المبادئ الأساسية، أبرزها: "لا فائدة لوجود أي تنظيم فلسطيني لا يحمل السلاح"، إشارةً لأهمية الخيار العسكري المقاوم للفصائل الفلسطينية، بل اعتباره مرتكزاً أساسياً للعمل التنظيمي.
فيما تنبأ الشقاقي بمسار الأمة الإسلامية والعربية الطبيعي في مواجهة الغزو الصهيوأمريكي لفلسطين وللمنطقة العربية قائلاً: " هذه الأمة على موعد مع الدم، دم يلون الأرض ودم يلون التاريخ ودم يلون الأفق ودم يلون الدم دفاعاً عن هذه الأمة دفاعاً عن كرامة الأمة"، لاعتبار الدماء كدلالة على التضحية في سبيل التحرر والكرامة ووقف الإجرام الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين، وهو ذات الطرح الذي أدلى به القيادي بحركة حماس الشهيد جمال منصور بالمرحلة ذاتها قائلاً: "نحن مع سيل الدم الذي يوقف شلال الدم".
أما ثنائية الصدق والشهادة، فقد أكدها الشقاقي في الإطار النظري، ورسخها عملياً باستشهاده، فيما باتت عبارته الشهيرة "لا تصدقوني إلا إذا رأيتومني شهيداً" كهوية شخصية له، قابلةً للتطبيق من قبل القادة على مدار تاريخ الصراع، تنعكس تجلياتها الآن باستشهاد القادة.
وبينما يسعى الاحتلال وأجنداته على بث السموم ونشر الأكاذيب حول قيادة المقاومة، يرتقي هؤلاء القادة شهداء في أوج المعركة، كقائد حركة حماس الشهيد يحيى السنوار، ومن قبله الشهيد إسماعيل هنية والشيخ صالح العاروري، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في حين جاءت شهادتهم تصديقاً لفكرهم ومقولاتهم السابقة، مع مزيدٍ من الالتفاف العربي وحتى العالمي حول توجهاتهم وقرارهم المقاوم، وجعل الشهادة شرعية إضافية للمقاومة.
أكدت واقعة استشهاد فتحي الشقاقي، واستمرار حركة الجهاد الإسلامي بمقاومتها للاحتلال دون انقطاع منذ اغتيال أمينها العام حتى يومنا هذا، أن المقاومة لا تنتهي مع اغتيال قادتها، فبعد استشهاد الشقاقي بغضون شهور، وتحديداً بتاريخ 4 – 3 – 1996، فجر الاستشهادي رامز عبيد نفسه في حافلة إسرائيلية بشارع "ديزنكوف" وسط تل أبيب، قُتل بها 13 إسرائيلياً وأصيب بها العشرات، إضافة لعدة عمليات نوعية، نفذتها الحركة.
ومع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000 انطلقت الجهاد الإسلامي بالمزيد من العمليات من داخل قطاع غزة والضفة الغربية، واشتراكها مع كل فصائل المقاومة بالجهود العسكرية، لتستمر بنهج الشقاقي حتى يومنا هذا في قطاع غزة والضفة الغربية، فيما طورت الحركة ذراعها العسكري "سرايا القدس" ليصبح قوةً ضاربة تواجه الاحتلال على مدار الساعة.
إلى جانب اغتيال الشقاقي، نجح الاحتلال بقتل العديد من مؤسسين وقادة فصائل المقاومة، كالشهيد أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحمد ياسين وقادة حركة حماس، وقادة كتائب شهداء الأقصى، فيما لم ينجح الاحتلال بكسر الفعل المقاوم الذي استمر بتطوير نفسه ليصل إلى ما وصل إليه اليوم.
واليوم بعد تفاخر الاحتلال باغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ومزاعمه المستمرة بهزيمة المقاومة، يستمر المقاومون بالإثخان في العدو وإيقاع القتلى في صفوف جنوده وضباطه، بشكلٍ يومي في جنوب لبنان وقطاع غزة، في حين يطلق الاحتلال عند كل عملية اغتيال مصطلح "تصفية الحساب" ليتفاجأ بفتح حساباتٍ جديدة أكثر تعقيداً وقوة.
بهذا يرتقي القادة الشهداء لتكون شهادتهم حافزاً أكبر لمن خلفهم بالاستمرار في مواجهة الاحتلال، مع إصرارٍ أشد وصبر أعظم، مع التصديق الكامل بنهج المقاومة وعدم التراجع عنه في أحلك الظروف، وجعل الشهادة كثقافة ومعتقدٍ بارز إلى جانب الجهاد والمقاومة.