الوقت- في ظل التحرر كلياً من سيطرة الدولار وتوسيع المدفوعات غير المرتبطة به، والابتعاد عن منظومة المراسلات المصرفية "سويفت" والنظام المالي العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تعتزم مجموعة "بريكس" إجراء تعديلات على أنظمة الدفع عبر الحدود بين دول مجموعة البريكس التي من شأنها منع استخدام الدولار كسلاح سياسي ، وحسب خبراء اقتصاديين فإن عملة بريكس التي يتحدث عنها العالم، لم يتم تحديد ماهيتها حتى الآن؛ لكن في حال إثبات نجاحها قد يمتد نطاق استخدامها لشركاء آخرين لتقليل الاعتماد على الدولار وهو ما جعل ناقوس الخطر يدق أجراسه في البلاط الأمريكي.
من جهة أخرى وحسب خبراء اقتصاديين لم يتحدد حتى الآن ماهية عملة البريكس حول إذا ستكون عملة رقمية أم معاملات تجارية بين دول البريكس، وتتجلى هذه الفكرة في شكل عملة رقمية، أو نظام مُقايضة متقدم يستخدم تكنولوجيا البلوكتشين، وهو نظام خاص بتداول العملات الرقمية، لتبسيط وتسريع حركة الأموال عبر الحدود.
نفوذ متصاعد وإنهاء للهيمنة
من الجانب السياسي بدأت مجموعة البريكس تظهر أن هناك قدرة كبيرة على تغيير موازين القوى في العالم والتحول إلى عالم متعدد الأقطاب بعيد عن الهيمنة الأمريكية.
من الجدير بالذكر أنه وبعد الحروب المتكررة التي تدعمها أمريكا والغرب في المنطقة أصبحت البنوك المركزية وصناع السياسات المالية قلقين بصورة متزايدة بشأن الاعتماد على الدولار بسبب عدم اليقين بشأن الاستقرار السياسي الأمريكي والتحولات الاقتصادية، وتزايد الديون الأمريكية، والعقوبات الاقتصادية وغيرها، وخاصة بالنسبة للاقتصادات النامية التي أدت قوة الدولار في السنوات الأخيرة إلى إضعاف القدرة التنافسية لصادراتها، فضلاً عن زيادة تكلفة خدمة الديون المقومة بالعملة الخضراء، لذلك جاءت المساعي لإنهاء هذه الهيمنة من ضرورة حتمي، و خصوصاً أن مجموعة بريكس التي تمثل 45% من سكان العالم ، وفي هذا الخصوص علق "إدوارد فيشمان" الباحث البارز بجامعة "كولومبيا": لقد وجدت دول بريكس مهمة موحدة وهي التحايل على الهيمنة المالية الأمريكية، موضحًا أنه بالنسبة للدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية فإن هذه المهمة تمثل أولوية وطنية قصوى.
بينما ترى دول مثل الصين أنها ستكون وسيلة مفيدة لعزل نفسها عن العقوبات المحتملة في المستقبل، لكن بشكل عام على الولايات المتحدة أن تتعامل مع مبادرات بريكس بشكل جدي وتتحرك لتعزيز مكانة الدولار بشكل أكبر لأنها قد تؤتي بثمارها على مدى العقود المقبل.
واليوم، تواجه بلدان مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية ولبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وفنزويلا، وعديد الدول الأخرى قيودا أمريكية وغربية، معظمها اقتصادية وتجارية ومصرفية.
هذه القيود التي أثرت سلبا على البلدان المستهدفة، فزيادة المدفوعات بالعملات الوطنية تتيح فرصة زيادة الاستقلال المالي لدول “بريكس”، وتقلل المخاطر الجيوسياسية، وتحرر التنمية الاقتصادية من السياسة.
وفي هذا الشأن أشار بوتين إلى أن: “زيادة التسويات بالعملات المحلية تتيح لنا تخفيض مدفوعات خدمة الديون، وزيادة الاستقلال المالي لدول بريكس، وتقليل المخاطر الجيوسياسية قدر الإمكان وتخليص التنمية الاقتصادية من السياسة“.
استنفار أمريكي
شكلت خطط مجموعة البريكس في السعي قدماً نحو التخلص من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي ناقوس خطر بالنسبة للإدارة الأمريكية والتي جاء انعقادها قبل أسابيع قليلة من الانتخابات في البلاد في ظل تعهد المرشح الجمهوري "ترامب" بأن يظل الدولار عملة الاحتياطي العالمية، و كان "ترامب" قد صرح خلال سبتمبر بفرض تعريفات جمركية صارمة تصل إلى 100% على واردات الدول التي تسعى للتخلي عن الدولار كعملة عالمية، بعدما ناقش مع مستشاريه سبل معاقبة الدول الباحثة عن سبل للمشاركة في التجارة الثنائية بعملات أخرى غير الدولار.
آلية العمل في تقليم أظافر الدولار
تنطوي الخطوة الأولى في كسر هيمنة الدولار من خلال إيجاد نظام دفع جديد حيث ترغب روسيا في إنشاء نظام مدفوعات جديد يعتمد على شبكة البنوك التجارية المرتبطة ببعضها البعض من خلال البنوك المركزية لمجموعة بريكس، وذلك حسب وثيقة أعدتها وزارة المالية الروسية والبنك المركزي وتم توزيعها على الصحفيين قبل القمة، ويسمح نظام مدفوعات “بريكس” بعمليات نقل مدفوعات الأموال دون الاعتماد على الأنظمة الحالية بصدارة نظام “سويفت” الذي تستخدمه واشنطن لتقييد مدفوعات عديد الدول حول العالم.
وتحول نظام “سويفت” خلال الألفية الحالية إلى أحد أبرز الأسلحة الاقتصادية بيد الولايات المتحدة، والذي بدونه لا تتمكن الدول المعاقبة من تنفيذ تحويلات فواتير تجارة السلع والخدمات، والتحويلات الأخرى العابرة للحدود.
وسوف يستخدم هذا النظام المقترح تقنية البلوك تشين لتخزين ونقل الرموز الرقمية المدعومة بالعملات الوطنية، ما يسمح بتبادل آمن وسهل للعملات، بدلاً من الحاجة للتعامل بالدولار، كما تقترح موسكو إنشاء منصة "بريكس كلير" لتسوية التجارة في الأوراق المالية، وتحدث "بوتين" عن إمكانية تأسيس بورصة لتجارة المعادن الثمينة والماس.
وتحث روسيا -أكبر مصدر للقمح في العالم- أيضًا على إنشاء بورصة تجارية للحبوب في مجموعة "بريكس" من أجل إنشاء بديل للبورصات الغربية التي تحدد الأسعار الدولية للسلع الزراعية، ولم يكتف الرئيس الروسي بمقترح إنشاء بورصة لتداول الحبوب بين الأعضاء، بل دعا إلى ضرورة تأسيس بورصة أخرى لتداول المعادن النادرة، وقد تتسع لتداول سلع أخرى حيوية.
أما الرئيس الصيني "شي جين بينج" فصرح في خطابه الأربعاء بأن إصلاح البنية المالية الدولية أمر مُلح، ودعا إلى ربط البنية التحتية المالية بين أعضاء المجموعة وتوسيع بنك التنمية الجديد (إن بي دي).
من الجدير بالذكر أنه وفي عام 2014، أطلقت الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد NDB برأس مال أولي قدره 50 مليار دولار؛ يعمل كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يوفر التمويل لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة.
كما أنشأت دول “بريكس” ترتيب احتياطي الطوارئ CRA، وهي آلية سيولة مصممة لدعم الدول الأعضاء التي تواجه صعوبات في الدفع، وتُظهر هذه المبادرات، نية التكتل، في إنشاء مؤسسات تمثل مصالح الاقتصادات الناشئة، وتوفر بديلاً للمؤسسات المالية العالمية القائمة
البحث عن بديل
في الوقت الذي تسيطر واشنطن من خلال نظام “سويفت” على حركة الدولار عبر الحدود، بصفتها المصدّرة لهذه العملة، وبصفة البنك الفيدرالي الأمريكي هو المسؤول عن السياسة النقدية الأمريكية، والمسؤول كذلك عن كميات المعروض النقدي من الدولار في أسواق العالم.
بدأت عدد من الدول حتى خارج نطاق “بريكس” تبحث عن تنفيذ مدفوعات التجارة بعملاتها المحلية، كما يجري بين الصين وروسيا، وهي طريقة تقلل من تخارج الدولار من هذه الأسواقظ وتحول فيه نظام “سويفت” خلال الألفية الحالية إلى أحد أبرز الأسلحة الاقتصادية بيد الولايات المتحدة، والذي من دونه لا تتمكن الدول المعاقبة من تنفيذ تحويلات فواتير تجارة السلع والخدمات، والتحويلات الأخرى العابرة للحدود، وأصبحت “بريكس” منتدى لمعالجة القضايا العالمية الحرجة، مثل التجارة والتمويل وتغير المناخ وأمن الطاقة، وسط سطوة الغرب على مفاصل اقتصادية رئيسة كالدولار عملة التجارة والاحتياطي الأولى عالميا.