الوقت- مع توسيع حكومة الكيان الغاصب لرقعة الحرب التي يشنها من الثامن من أكتوبر الماضي فإنها ترمي باقتصادها المتزلزل في الأساس في بركة من الوحل وعلى وقع ضربات محور المقاومة خفضت "موديز" تصنيف "إسرائيل" الائتماني درجتين وأبقت على توقّعاتها السلبية للتصنيف بسبب "المخاطر الجيوسياسية".
وقرّرت الوكالة خفض التصنيف من A2 إلى Baa1، وهو ثاني خفض منها لتصنيف "إسرائيل" خلال العام الجاري، وهذا ما يجعل كيان الاحتلال على بعد 3 خطوات فقط من الدرجة غير الاستثمارية، وقالت موديز في بيانٍ لها إنّ "الدافع الرئيسي من وراء خفض التصنيف هو اعتقادنا أنّ المخاطر الجيوسياسية تفاقمت بشكلٍ كبير إلى مستويات مرتفعة للغاية، ما ينذر بعواقب مادية سلبية على الجدارة الائتمانية لكيان الاحتلال الإسرائيلي على المديين القريب والبعيد".
وعلى المدى الطويل، تتوقّع الوكالة أن يضعف اقتصاد "إسرائيل" نتيجة الصراع العسكري بشكل مستمر، بما يتجاوز التوقّعات التي كانت موجودة من قبل، وهو ما يعني أنه من المرجح أن يخفض التصنيف مرة أخرى خلال الـ18 شهرا المقبلة إلى عامين.
ويعني التصنيف الجديد أن جاذبية كيان الاحتلال الإسرائيلي لإصدار أدوات دين خارجية سيكون مكلفا، ويربك المستثمرين في الإقبال على شراء أدوات الدين، بسبب المخاطر المرتفعة التي تحيط بها.
وفي السياق تشير تقارير عدة و منظمات مالية عالمية كبرى أنه لولا الدعم المالي منقطع النظير ودفع فاتورة الحرب الباهظة من قبل واشنطن لانهار اقتصاد تل أبيب منذ عدة أشهر.
استنزاف لجيوب الصهاينة
من المتوقع أن يؤثر خفض التصنيف الائتماني لكيان الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر على حياة الإسرائيليين حيث إن تكلفة الدين ستكون أعلى، ما سيدفع إلى رفع معدل الضرائب لتمويل الحكومة، ومن جهة أخرى من المرجح أن ينخفض التضخم ببطء، وأن تستجيب سوق السندات، ما يضر بمدخرات التقاعد لدى الجميع، وبشكل عام من المرجح أن يسبب الضرر الذي يلحق بالاقتصاد على مدخرات الإسرائيليين وأداء صناديق التقاعد وصناديق التدريب المتقدم.
وتشير التقديرات إلى عواقب خفض التصنيف التي من شأنها أن تستنزف جيوب الإسرائيليين بسبب "ارتفاع الضرائب، وارتفاع الأسعار، وتآكل الأجور، وكذلك الضرر الذي سيلحق بالمدخرات والمعاشات التقاعدية نتيجة تأثير التباطؤ الاقتصادي وزيادة أسعار الفائدة على الأسواق.
ومن جهة أخرى فإن أسعار الفائدة على ديون الشركات سترتفع، كذلك، بسبب المخاطر الأعلى المتصورة، ما سيؤدي إلى زيادة الأسعار ومعدل التضخم -الذي يبلغ حاليا 3.6%- بشكل كبير حتى الربع الثاني من العام المقبل.
آثار مباشرة
يذكر أن من بين التأثيرات الآنية لخفض التصنيف تراجع قدرة "إسرائيل" على سداد ديونها، ما يعني تكلفة أعلى مقابل جمع الديون الجديدة مع طلب المقرضين فائدة أعلى للتعويض عن المخاطر الأعلى.
لكن علاوة على المخاطر التي يتحملها اقتصاد الكيان (الفارق بين أسعار الفائدة على سندات الحكومة الإسرائيلية وسندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات) تقترب من مستوى تصنيف "بي بي بي" (BBB )، وهو مستوى تصنيف ائتماني أقل من ذلك الذي أقر مؤخرا.
ونقلت صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية عن كبير خبراء الاقتصاد في شركة "بي دي أو" الاستشارية الإسرائيلية، تشين هيرتزوغ قوله إن خفض التصنيف يخلق تأثير الدومينو (اتساع الضرر تدريجيا)، "فأسعار الفائدة على الديون الحكومية ترتفع بسبب التصنيف المنخفض، ما يؤدي إلى تضخم العجز المالي، كما أن ارتفاع الإنفاق الحكومي على خدمة ديونها يجعل من الضروري رفع الضرائب وخفض الإنفاق، وهو ما يؤدي إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي".
صراع الميزانية
في ظل الحرب الهمجية التي يشعلها الكيان الصهيوني في عدة جبهات بات الصراع على الميزانية، يعكس الأزمات المتصاعدة التي تواجهها حكومة الاحتلال بشأن الأمن والازدهار والهوية، ومن جهتها أكدت "بلومبرغ" أنّ نتنياهو "يُضخّم الإنفاق العام، في ما يعدّه كثيرون سياسة مالية توسعية غير مستدامة"، لافتةً إلى أنّ موازنة الميزانية من خلال الضغط على "الحريديم" هو "بمثابة انتحار سياسي"، إذ إنّهم "شركاء محوريون في ائتلافه الحاكم، ليس فقط في دوائره الانتخابية فحسب"، ولكن، "إذا لم تكن هناك ميزانية بحلول شهر آذار/مارس، فإنّ الحكومة، بموجب القانون، تتوقف عن الوجود".
يأتي ذلك في وقتٍ تشتعل الحرب مع لبنان وتستمر في غزة، فيما تتزايد التهديدات من جانب اليمن وإيران، كما أنّ الضفة الغربية تغلي، وتأتي أيضاً في وقتٍ تدفع الحكومة الصهيونية مئات الآلاف من رواتب جنود الاحتياط، فضلاً عن فواتير الفنادق وإعانات الإسكان لعشرات الآلاف الذين تم إجلاؤهم بالقرب من الحدود الشمالية والجنوبية، وقد تتدهور أيضاً العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث تلوح الانتخابات الرئاسية في الأفق.
من جهة أخرى عبر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد عن التخبط في حكومة نتنياهو وفشلها، بقوله: "عندما يقول وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن تخفيض موديز تصنيف إسرائيل الائتماني جاء بسبب الحرب، فيجب عدم تصديقه.. نحن غارقون في وحل اقتصادي بسبب سوء الإدارة".
ضغوط مضاعفة
وتشير الأرقام إلى أن السندات الإسرائيلية تتعرض لضغوط شديدة، حيث ارتفعت العوائد على السندات الحكومية لمدة 10 سنوات بنحو 100 نقطة أساس هذا العام، في حين وصلت الفروق بينها وبين السندات الأمريكية إلى أعلى مستوى لها منذ 11 عاما.
وتُعتبر السندات الإسرائيلية المقومة بالدولار من بين الأسوأ أداءً على مستوى العالم حاليا مقارنة بالسندات الحكومية الأخرى، وفقا لمؤشرات بلومبيرغ.
من جهة أخرى تشير تقارير اقتصادية إلى أن الأموال بدأت في الفرار من داخل الكيان، فبين أيار (مايو) وتموز (يوليو) تضاعفت التدفقات الخارجة من بنوك الكيان المحتل إلى المؤسسات الأجنبية، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إلى 2 مليار دولار، ويشعر صناع السياسات الاقتصادية لدى الاحتلال بقلق أكبر مما كانوا عليه منذ بداية الصراع.
بين فكي كماشة
تشير موديز إلى أن حكومة الاحتلال بحاجة إلى إستراتيجية خروج واضحة من الصراع العسكري إذا كانت ترغب في استعادة الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات، ومع ذلك، تلاحظ الوكالة أن الحكومة الإسرائيلية لم تضع بعد إستراتيجية واضحة، وهذا يثير مخاوف حول قدرتها على التعامل مع التحديات المالية والجيوسياسية وفق قول كالكاليست.
ما يؤكد أن حكومة الاحتلال قد وقعت بين فكي كماشة ما يجعلها تواجه معضلة كبيرة بين الاستمرار في التصعيد العسكري مع حزب الله أو محاولة تحقيق تعاف اقتصادي، وهو ما يؤكد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى تحقيق توازن بين استعادة الاستقرار الاقتصادي والتعامل مع التهديدات الأمنية، فمن دون هذا التوازن، فالوقوع في مستنقع التفتت الاقتصادي قادم لا محالة.
وتوضح موديز أن الصراع المستمر سيؤدي إلى "زيادة كبيرة في المخاطر السياسية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وإضعاف المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وتقويض قوته المالية"، وإذا استمر هذا الوضع، فإن الاقتصاد الإسرائيلي قد يجد نفسه في حالة من الضعف المستمر، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات جادة وعملية للتعامل مع التحديات الحالية.