الوقت- في ظل قصف الكيان الصهيوني لفلسطين ولبنان بوحشية تامة، فإن واجباً ثقيلاً يقع على عاتق المنظمات والمؤسسات الإسلامية لاتخاذ إجراءات عملية ضد هذا الكيان المتمرد، وإحدى هذه المنظمات الإسلامية التي من المتوقع أن تتحرك في هذا الوضع التاريخي هي الجامعة العربية، التي يجب أن تثبت أن لديها قدرة فعالة على تجاوز الأزمات الإقليمية.
وفي هذا الصدد، أعرب وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية، في اجتماعهم التشاوري السنوي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ردا على اعتداءات الكيان الصهيوني على الأراضي اللبنانية، عن تضامنهم مع لبنان، بشأن تداعيات عدوان الكيان الصهيوني على هذا البلد، وحذروا من تحول هذه الحرب إلى حرب إقليمية.
وأدان وزراء الخارجية العرب بشدة تصعيد عدوان الكيان الصهيوني على لبنان وأعلنوا دعمهم الكامل للبنان في مواجهة هذا العدوان وحملوا الكيان الصهيوني مسؤولية هذا التصعيد الخطير، كما أكد هؤلاء الوزراء على أهمية التنسيق مع الدول الأعضاء في المجموعة الإسلامية التابعة للأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة من أجل إرسال رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي حول ضرورة الوقف الفوري للحرب العدوانية التي يشنها الكيان الصهيوني.
ويأتي هذا اللقاء بعد أن شن جيش الكيان الصهيوني هجماته العدوانية على مناطق في جنوب وشرق لبنان يوم الاثنين الماضي، والتي استشهد خلالها 500 شخص وأصيب 1650 شخصا، وحدثت موجة نزوح كبيرة في مدن وقرى لبنان الجنوبي.
تقاعس الجامعة العربية
ورغم أن عقد اجتماعات الجامعة العربية لإدانة الجرائم الإسرائيلية في الدول الإسلامية أمر إيجابي في حد ذاته، إلا أن إصدار البيانات الورقية وحده لا يكفي، ومن الضروري أن يضع العرب إجراءات عملية على جدول الأعمال، وكان من المنتظر من جامعة الدول العربية، التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لمعالجة مشاكل الوطن العربي وتعتبر من أقدم المؤسسات الدولية، أن تلعب دوراً فعالاً وإيجابياً في حل النزاعات بين الدول الأعضاء والمساعدة في استقرار العالم العربي، لكن هذا الاتحاد لم يتمكن من حل العديد من الصراعات العربية.
لقد واجه العالم العربي في السنوات الأخيرة العديد من الأزمات التي تطلبت التدخل الجاد لإنهائها، لكن هذه المؤسسة العربية اقتصرت دائما على إصدار البيانات من خلال عقد اجتماعات مختلفة حول القضايا الإقليمية المهمة، ومن عدم اتخاذ إجراءات عملية لمعاقبة المعتدين كانت هذه المؤسسة ضعيفة، وظهر هذا الضعف في حروب "إسرائيل" المتكررة ضد فلسطين أكثر من أي قضية أخرى.
وأظهر موقف الجامعة العربية من أزمة قطر عام 2017 ودورها أثناء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكذلك موقف الجامعة مما سمي "الربيع العربي"، أن الجامعة مجرد مؤسسة يتظاهر قادتها أحيانًا بالتعاون والوحدة ليكون لهم لقاء جديد، وذلك بينما يطالب مئات الملايين من المسلمين في الدول العربية الاتحاد بإجراءات عملية، ونظراً لوجود عشرات الدول العربية في هذا الاتحاد، فإنها إذا اتخذت إجراءات عملية ضد الكيان الصهيوني وشركائه الغربيين، فإنها بلا شك ستحقق الكثير من النجاحات.
وإذا قام العرب، الذين لدى بعضهم تبادلات تجارية مع الكيان الصهيوني، بحظر منتجات هذا الكيان وحلفائه الغربيين، فيمكنهم إجبار العدو على التراجع، لكنهم حتى الآن تصرفوا بشكل محايد تجاه الصهاينة، وهذا الصمت والتسامح من قبل العرب جعل "إسرائيل" تقتل الشعب الفلسطيني واللبناني.
وينبغي لزعماء التسوية العرب أن ينظروا إلى جرائم الكيان الصهيوني في لبنان وفلسطين بمثابة إنذار، لأن هذا الكيان يعتبر جميع البلدان الإسلامية تهديدا وجوديا لنفسه ولا يتورع عن غزوها لتحقيق أهدافه، ولا يزال مشروع "من النيل إلى الفرات" أهم استراتيجية لقادة تل أبيب، التي بعد 76 عاما من تأسيس هذا الكيان، لا يزال أولوية سياساتها الخارجية، ولو كان الدور على فلسطين ولبنان اليوم، فإن دولاً عربية أخرى قد تعاني غداً من نفس المصير، وعلى رأسها مصر والأردن.
إذا صمتت الدول العربية عن الصراع الفلسطيني ورفضت مساعدة ملايين الفلسطينيين بحجة أن فلسطين ليست دولة مستقلة سياسيا وأن غزة والضفة الغربية محاصران من قبل الكيان الصهيوني، فإن هذا العذر لا ينطبق على لبنان، لأن لبنان دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، كما أنه عضو في جامعة الدول العربية.
إذا لم يوقف العرب الكيان الصهيوني فإن العصابة الإجرامية الحاكمة للأراضي الفلسطينية المحتلة ستكسر كل الخطوط الحمراء للاستقرار الإسلامي والإقليمي وستهاجم أجزاء من العالم العربي متى شاءت، وبالتأكيد مع وجود المتطرفين الصهاينة في المنطقة، ستكون أولويتهم احتلال القدس بالكامل وتغيير طبيعتها الإسلامية في المستقبل القريب.
ومن المؤسف أن أعضاء الجامعة العربية أضعفوا دولتي سوريا ولبنان، الأمر الذي يمكن أن يكون بمثابة جدار قوي ضد احتلال الكيان الصهيوني لغزو الدول الإسلامية، وأيضا لعبوا دورا في غزوا العدو الصهيوني.
وكان دعم الجماعات الإرهابية وتدمير البنية التحتية في سوريا والعقوبات الاقتصادية على لبنان لضرب حزب الله من قبل السعودية هو نفس السيناريو الذي كان يبحث عنه الصهاينة وحققوا أهدافهم دون تكلفة وبمساعدة المتنازلين العرب. وتجدر الإشارة إلى أن السبب الأكبر لاستمرار الإبادة الجماعية في غزة وبدء جولة جديدة من الهجمات على لبنان من قبل جيش الاحتلال هو صمت المتنازلين العرب الذين دعموا تل أبيب سراً بدلاً من مساعدة أهل غزة، وهذا ما زاد من غطرسة القادة الصهاينة الذين يعلمون جيدا أنهم إذا ارتكبوا أي جريمة ضد دول الجوار فلن يرتفع صوت القادة العرب.
وأظهرت تجربة "عصبة الأمم" أنه إذا أظهرت المؤسسات الدولية ضعفا في مواجهة الأزمات الإقليمية والعالمية وثبت عدم كفاءتها فإنها ستفقد مصداقيتها، والآن، إذا أرادت الجامعة العربية الحفاظ على مصداقيتها بين أعضائها واستعادة مكانتها الإقليمية، فعليها أن تظهر كفاءتها في مواجهة الأزمات العربية، وإلا فإن انهيارها وتفككها الكامل ليس بعيداً عن المتوقع.
فمثلاً مواقف الجامعة العربية ضد الأزمة السورية ثبطت عزيمة قيادات دمشق فيما يتعلق بأدائها، وإذا عادت الحكومة السورية إلى المجتمع العربي بعد 12 عاماً، فذلك بسبب إصرار الزعماء العرب على عدم انضمام دمشق إلى الجامعة العربية، ولهذا فإن لبنان والدول العربية الأخرى قد تعيد النظر في عضويتها في جامعة الدول العربية في المستقبل، لأن الأمل في إغلاق مؤسسة غير فعّالة عمرها ثمانين عاماً لن يحل أياً من مشاكلها.
إن ضعف الاتحاد العربي الناجم عن عدم وجود إرادة عربية مشتركة هو بمثابة مرآة تعكس طبيعة العلاقات العربية وإرادة العرب، ومستقبل هذا الاتحاد سيكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بالواقع العربي، وبالتالي سيظل الاتحاد العربي يعاني من المشاكل والأزمات، حتى لو لم تعلق الدول العربية عضويتها فيه، إلا أن هذه المؤسسة ستتأثر بعدم وجود الثقة بين الدول الأعضاء.