الوقت- التغير العميق الذي ولدته الحرب الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة يشير إلى بدء وقوع الكيان الصهيوني في عزلة دولية واضحة وما يدلل على ذلك هو التحول الكبير في نظرة الصينيين للاسرائيليين في ظل سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها قوات الاحتلال بحق شعب أعزل والتي تشدد المنظمات الدولية والأمم المتحدة مراراً و تكراراً على رفضها، وفي سياق متصل تعتبر دعوى الإبادة الجماعية التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي وانضمت إليها العديد من الدول من الأمور المهمة التي ترسخ عزلة الكيان وتحوله إلى كيان منبوذ دولياً.
إدانات أممية شديدة اللهجة
في إطار تشديد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن "لا شيء يبرر العقاب الجماعي" الإسرائيلي اللاحق بسكان قطاع غزة الذين يعانون على نحو "لا يمكن تصوره"، وجّه غوتيريش انتقادات حادة للطريقة التي تدير بها قوات الاحتلال الصهيوني حربها على القطاع المدمّر، وقال "هذا أمر لا يمكن تصوره: مستوى المعاناة في غزة، ومستوى الموتى والدمار لا مثيل له في كل ما شهدته منذ أن أصبحت أمينا عاما" عام 2017.
وفي ظل جو من عدم التفاؤل الذي يسود المحادثات القائمة بشأن وقف إطلاق النار والتي وصفها غوتيريش بأنها "لا نهاية لها" معربا عن اعتقاده أنه سيكون من "الصعب جدا" التوصل إلى تسوية، أكد غوتيريش أن "المساءلة يجب أن تكون ضرورية" في ما يتصل بالقتلى المدنيين، مشيرا إلى "انتهاكات واسعة النطاق" ارتكبتها "إسرائيل" وكذلك حماس، ومن جانب آخر فقد وصلت الهجمات على المستشفيات والعاملين في القطاع الصحي إلى مستوى غير مسبوق، وتم تدمير البنية التحتية الصحية في غزة بالكامل.
مطالبة صينية بالمحاسبة
نتيجة لوضوح الصورة أمام العالم بما فيه الشارع الصيني الشعبي فيما يخص النازية الصهيونية التي لا تفرق بين حجر وبشر أو بين رضيع وكهل جاءت مطالبة الصين لكيان الاحتلال الإسرائيلي بالتحقيق الجاد و المساءلة فيما يتعلق بجميع الهجمات على العاملين في المجال الإنساني لتعزز الحديث عن نبذ الكيان الصهيوني دولياً.
من الجدير بالذكر أن الانتقاد الصيني للهجمات الاسرائيلية الهمجية جاء على لسان نائب الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة كنغ شوانغ، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من جهود المنظمات الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، فإن العاملين في المجال الإنساني في هذه المنظمة لا يتمتعون بأي قدر من الأمن حيث تفاقم الوضع في غزة، وتستمر انتهاكات القوانين الدولية، وخاصة القوانين الإنسانية الدولية، وأشار إلى حوادث الأسبوع الماضي، حيث تم الاستيلاء على مركبة تطعيم تابعة للأمم المتحدة، مرخصة أيضًا ل"إسرائيل"، لمدة ثماني ساعات وإطلاق النار عليها، كما قُتل 6 من موظفي الأونروا خلال غارة جوية.
وأدان بشدة هذه الهجمات وأوضح: مثل هذه الهجمات على المنظمات الإنسانية وموظفيها غير مقبولة وصادمة، وتطالب الصين كيان الاحتلال الاسرائيلي بالتحقيق بجدية في هذه الحوادث ومحاسبة مرتكبيها.
يذكر، أن الوكالة الأممية الأونروا تتعرض منذ بداية العدوان الإسرائيلي لهجمة شرسة تمارسها قوات الاحتلال على هذه الوكالة لمحو القضية الفلسطينية والقضاء على الشعب الفلسطيني، فهي بحكم دورها الكبير بمثابة شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون بشكل رئيسي على خدماتها ومساعداتها الغذائية والنقدية، واستمرار استهدافها هو جزء من حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تمارسه "إسرائيل" على قطاع غزة للشهر الثاني عشر.
كما انتقد ممثل الصين التقاعس والدعم الأمريكي منقطع النظير للكيان الصهيوني في حربه العدوانية على غزة وقال: نطالب الولايات المتحدة باتخاذ نهج مسؤول واستخدام نفوذها على الأطراف المتصارعة، وشدد على أنه يتعين على أمريكا أن تتخذ إجراءات فعالة حتى تلتزم "إسرائيل" بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وتوقف فورا أعمالها العسكرية، وتعطي الأمل في البقاء للشعب الفلسطيني الذي يعاني، لقد مر عام تقريبًا منذ بداية الصراعات في غزة، وعلى الرغم من الطلبات المتكررة من المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار ووقف عمليات القتل، إلا أن العمليات العسكرية للكيان الصهيوني مستمرة.
كيان منبوذ
في ظل الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من الكيان الغاصب وحلفائه الأمريكيين و الغربيين و الازدواجية الواضحة في المعايير لدى هذا الأطراف تحول الكيان الغاصب إلى كيان منوذ دولياً تفوقت جرائمه على جرائم النازية فالحرب المدمرة التي تشنها قوات الاحتلال للشهر الـ12 على التوالي على قطاع غزة خلفت أكثر من 136 ألف شهيد وجريح فلسطينيين معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
في السياق حذر خبراء أمميون من أن العدو الصهيوني قد يصبح “منبوذا” دوليا على خلفية ما يرتكبه من “إبادة جماعية” في غزة، منددين بـ”ازدواجية المعايير” في ما يتصل بالحرب الإجرامية الدائرة في غزة، وشددوا على وجوب مساءلة العدو الصهيوني على أفعاله.
وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي :أعتقد أنه لا مفر من أن يصبح العدو الصهيوني منبوذا على خلفية جرائمه المستمرة الذي لا هوادة فيها على الأمم المتحدة والفلسطينيين.
بدوره، شدد الخبير المستقل المعني بتعزيز نظام دولي ديمقراطي وعادل، جورج كاتروغالوس، على وجوب أن تعامَل العدو الصهيوني وفق المعايير نفسها المعتمدة مع كل البلدان، ودان هجماتها المتكرّرة على مسؤولين أمميين أو وكالات أممية.
عزلة متزايدة
انضمام تشيلي مؤخراً وقبلها عدة دول لدعوى جنوب افريقيا ضد جريمة الابادة الجماعية الاسرائيلي في غزة يشكل علامة على عزلة كيان الاحتلال المتزايدة في الساحة الدولية.
وفي سياق متصل فإن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لمصلحة مسعى فلسطين للحصول على العضوية الكاملة وعلى مسألة استخدام كيان الاحتلال الاسرائيلي للأسلحة الأمريكية في انتهاك القانون الإنساني الدولي في مايو الماضي، شكل تعبيرا واضحا عن تأييد الرأي العام العالمي لقيام الدولة الفلسطينية المدفوع باستمرار بإراقة الدماء وتفشي المجاعة في غزة نتيجة الحرب الإسرائيلية و الانتقائية الأمريكية في التعامل مع القضية الفلسطينية والصراع القائم، ولكن بطبيعة الحال ما يشهده العالم أن واشنطن فضحت نفسها وشوهت سمعة النظام القائم على القواعد الذي تدعي أنها ملتزمة به من خلال إنكار انتهاك كيان الاحتلال الاسرائيلي للقانون الإنساني الدولي في غزة.
ومن جهة أخرى، يواجه كيان الاحتلال تهديدات حقيقية للمرة الأولى منذ نشأته، تمثلت هذه التهديدات بالمقاطعة الاقتصادية والعسكرية لبعض الدول، كما في ارتفاع حدة النقد والمقاطعة الشعبية في صفوف الشباب، وأيضاً في صفوف بعض النخب والمؤثرين، الذين باتوا يخشون من إظهار أي تضامن مع "إسرائيل".