الوقت- رغم مرور أكثر من 10 أشهر على بدء الهجوم البري للجيش الصهيوني على غزة والذي خلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، فإن الصهاينة لم يفشلوا في تدمير حماس فحسب، بل حتى تدمير أراضي غزة، حيث لم يتمكن الهجوم من أن يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، ويرى منتقدو حكومة تل أبيب أن استمرار عمليات التفتيش التي يقوم بها هذا الكيان لم يؤد إلا إلى زيادة فقدان الأسرى.
وفي آخر أحداث الأمس، أعلن جيش الاحتلال الصهيوني عن العثور على جثث 6 أسرى صهاينة دون معلومات مسبقة وفقط ذكر أنه عثر عليهم خلال عمليات تفتيش أنفاق رفح بالقرب من المكان الذي عثر فيه على فرحان القاضي (أسير صهيوني محرر آخر)، وتم الإعلان عن أسماء هؤلاء الأسرى الإسرائيليين الستة وهم: "هيرش غولدبرغ بولين، نو يروشالمي، كامل جات، إلموج ساروري، وأليكس ليفونوف".
وأدى الإعلان عن هذه الأخبار ومن ثم تسريب معلومات تفيد بأن بعض القتلى كانوا على قائمة أسماء تبادل الأسرى، إلى إثارة غضب شعبي ضد حكومة نتنياهو في الأراضي المحتلة، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة التوتر في الحكومة الصهيونية وهو الوضع الذي وضع نتنياهو في مأزق آخر.
إضرابات على المستوى الوطني
أثار الإعلان عن العثور على الأسرى الستة القتلى غضب الصهاينة، وأثار موجة من الاحتجاجات على مستوى البلاد في الأراضي المحتلة، لدرجة أنهم اعتبروا هذه الاحتجاجات أكبر الاحتجاجات منذ بداية الحرب، وتأجج الغضب الشعبي بسبب الإعلان عن أن السجناء القتلى سيكونون جزءًا من عملية تبادل للأسرى إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث يعتقد المتظاهرون أن نتنياهو أظهر أنه لا يقدر حياة الأسرى من أجل مصالحه الشخصية والحفاظ على سلطته من خلال عدم قبول تبادل الأسرى.
وقال يوعز هاندل، وزير الاتصالات السابق في حكومة الاحتلال الإسرائيلي: إن "العثور على جثة أي مختطف في غزة يعد فشلا لحكومة نتنياهو ولا توجد لدينا كلمات لطمأنة عائلات المختطفين"، وأضاف: "لقد دفعنا ثمنا باهظا هذا الأسبوع، وتابع إن "العديد من جنودنا قتلوا والمختطفون يعودون إلى إسرائيل في توابيت".
وقال قيادي في حماس طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس إن بعض الرهائن الذين عثر على جثثهم في رفح كانوا على قائمة وافقت حماس على الإفراج عنهم إذا تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، كما قال مسؤولان إسرائيليان لشبكة CNN إنه كان من المفترض إطلاق سراح ثلاثة من الرهائن الستة في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار النهائي.
ومساء الأحد الماضي، نزل نحو 300 ألف شخص إلى الشوارع، وأغلقوا الطرق ودعوا الحكومة إلى قبول وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق لإنقاذ ما يقدر بنحو 100 سجين متبقٍ في غزة، وفي يوم الاثنين الماضي، دعا الهستدروت، أكبر نقابة عمالية في الأراضي المحتلة - والتي تمثل حوالي 800 ألف عامل - إلى إضراب عام لمدة يوم واحد دعماً للمتظاهرين، وقد حظيت الدعوة بدعم اتحاد كبار المصنعين ورجال الأعمال في "إسرائيل" في قطاع التكنولوجيا الفائقة، ما أدى إلى إغلاق أجزاء كبيرة من اقتصاد الكيان لعدة ساعات.
وانضمت أيضًا إلى الإضراب غرفة التجارة الإسرائيلية، التي تمثل غالبية العاملين في القطاع الخاص من 200 شركة من أكبر الشركات في البلاد، كما تم إغلاق مطار بن غوريون الدولي، الذي يعتبر البوابة الدولية الرئيسية للكيان الصهيوني، في الساعة الثامنة صباحا بتوقيت "إسرائيل"، كما تم إغلاق العديد من المكاتب الحكومية والبلدية يوم الاثنين، وكانت بلدية تل أبيب، التي تقدم الخدمات للمركز الاقتصادي لهذا النظام، إحدى هذه الدوائر.
وإلى جانب هذه الإضرابات العامة، حسب بيان رابطة أهالي الرهائن والمفقودين، يخطط المتظاهرون لقطع الطرق والتقاطعات المهمة إلى جانب مداخل العديد من المكاتب الحكومية والإقليمية خلال الأيام المقبلة، وأدت هذه الإضرابات إلى تدخل المحكمة العمالية لإعادة العمال إلى المصانع، واتهم وزير المالية بتسلئيل سموتريش رئيس الهستدروت أرنون بار دافيد بمحاولة "تقويض الاقتصاد الإسرائيلي لمصلحة حماس"، وقدم طلبا عاجلا إلى النائب العام لإصدار أمر بوقف الإضراب.
المعركة بين غالانت ونتنياهو
وبينما انكشف خلال الأشهر الأخيرة تصاعد التوتر بين أعضاء حكومة الكيان الصهيوني، وخاصة الخلافات بين نتنياهو ووزير الحرب غالانت، فقد تحدثت وسائل الإعلام الصهيونية عن تجدد الخلاف اللفظي بينهما بعد العثور على الأسرى القتلى. . وقال يوآف غالانت، وزير الحرب في هذا النظام، في اجتماع مجلس الوزراء الأمني والسياسي الليلة الماضية، إنه لم يعد هناك وقت كاف لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا على قيد الحياة في غزة.
والأحد الماضي، وبعد العثور على جثث السجناء، اعتذر غالانت لعائلاتهم وطلب من مجلس الوزراء إعادة النظر في قراره بعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار، وكان بعض وزراء حكومة نتنياهو غاضبون جداً من طلب غالانت إلغاء قرار المجلس الأمني والسياسي بشأن إبقاء قوات هذا الكيان في محور فيلادلفيا.
وفي الوقت نفسه يدعي نتنياهو أنه قبل بما اتفق عليه مع الأمريكيين، ولا يمكن أن يكون ليناً ومرناً في قضية جوهرية مثل محور فيلادلفيا، وأكد مقربون من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن غالانت يسعى لإشعال نار الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو، وهاجمه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدة وقال: "غالانت فقد عقله".
رواية "إسرائيل" المتكررة عن قتل الأسرى
مواجهة نتنياهو مع موجة المعارضة والاحتجاجات الداخلية الجديدة دفعته مرة أخرى إلى ممارسة لعبة السرد الملتوية للتخلص من الضغوط، وفي أول رد فعل علني على أنباء مقتل الرهائن في عملية تفتيش مدينة رفح، أعرب نتنياهو عن أسفه لمقتل هؤلاء الرهائن الستة، واتهم حماس بقتل هؤلاء الرهائن "بدم بارد" محملا حماس المسؤولية عن ذلك.
كما أعلنت وزارة الصحة في الكيان الصهيوني، تماشيا مع رواية رئيس الوزراء، أن نتائج تشريح جثث الرهائن الإسرائيليين الستة الذين تم نقلهم من غزة إلى "إسرائيل" صباح الأحد، تظهر أنهم أصيبوا بالرصاص من "مسافة قريبة جدا"، بين صباح الخميس والجمعة، وأعلن شيرا سليمان، المتحدث باسم وزارة الصحة التابعة للكيان الصهوين، في بيان له: أن "هؤلاء الرهائن الستة قتلوا برصاص حماس من مسافة قريبة جدًا".
ويبدو أن نتنياهو يسعى من خلال هذه الرواية إلى إظهار أن قرار مواصلة عملية البحث عن الأسرى في غزة بدلا من اتفاق وقف إطلاق النار هو قرار صحيح وأن فرص العثور على بقية الأسرى مرتفعة.
ومع ذلك، فإن نظرة على أحداث مماثلة في الأشهر الماضية تظهر أن الكيان بدأ في خلق روايات كاذبة في مثل هذه الظروف، وعلى سبيل المثال، بعد العثور على جثث ثلاثة سجناء صهاينة في غزة في 28 مايو/أيار، أعلن دانييل هاغاري، المتحدث باسم جيش هذا الكيان، أن هؤلاء الأشخاص الثلاثة قتلوا في هجوم لحماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول أثناء هروبهم من "نوفا" (مهرجان الموسيقا)، وتم نقل جثثهم إلى غزة، وحسب هذا البيان فإن الجيش وقوات الشاباك تمكنا في "عملية ناجحة" من إعادة هذه الجثث دون صراع مع قوات حماس.
لكن في الوقت نفسه، نشر عزت الرشق، أحد قادة حماس، بيانا على تلغرام أعرب فيه عن شكوكه حول كيفية إعادة جثث هؤلاء الإسرائيليين الثلاثة، وكتب: "بينما نعلن أننا لا نثق في رواية المحتلين، فإننا نؤكد دائما أن تصريحات المقاومة هي بيان قاطع في هذا السياق”، وأضاف الرشق إن هذه الجثث قد تكون تعود لأشخاص استشهدوا في وقت سابق خلال القصف الإسرائيلي وظلوا تحت الأنقاض حتى يوم الخميس عندما عثر عليها الجيش الإسرائيلي، وفي الواقع، فإن الجيش الصهيوني، وخاصة نتنياهو، الذي دمر 70% من المدينة بالكامل بقصفه الضخم على غزة خلال الأشهر العشرة الماضية، يختلق روايات كاذبة لتجنب القبول بقتل الأسرى في هذه القصف.
آخر تقدير لعدد السجناء الأحياء والأموات
لا تتوافر حاليًا إحصائيات دقيقة لعدد الأسرى الصهاينة في أيدي فصائل المقاومة، وتعتقد وسائل الإعلام الصهيونية نقلاً عن مسؤولين في هذا الكيان أن نحو 250 أسيراً أسرتهم فصائل المقاومة الفلسطينية في حادثة 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومن بين هؤلاء، لا يزال 101 شخص في الأسر، من بينهم 35 شخصًا يُعتقد أنهم لقوا حتفهم.
وفي حين أن معظم الأسرى الذين تمكنوا من العودة إلى ديارهم أحياء هم أولئك الذين تم إطلاق سراحهم من سجون الكيان خلال وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعًا في تشرين الثاني/نوفمبر مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، كما عثر الجيش الصهيوني على ثمانية أشخاص أحياء في عملية البحث، وأعلنت حماس أنه تم إطلاق سراح بعض هؤلاء الأسرى لأسباب إنسانية وبسبب مرضهم وتدهور حالتهم وعدم توافر المرافق الطبية للعلاج.