الوقت- قبل نحو 11 شهرا قرر حزب الله الانضمام إلى المعركة في اليوم الثاني من معركة طوفان الأقصى بهدف مساندة الأهالي والمقاومة في قطاع غزة، وهدّد الصهاينة آنذاك بـ«عودة لبنان إلى العصر الحجري»؛ لكنهم يجدون أنفسهم اليوم وسط الغبار الذي يغطي أسطح مكاتب مختبرات التكنولوجيا والشركات الناشئة والصناعية وغيرها.
تدمير حزب الله استثمارات إسرائيلية بمليارات الدولارات في الشمال
إن شلل اقتصاد الكيان الصهيوني في الجبهة الشمالية وإغلاق التجارة والصناعة والزراعة والتكنولوجيا والاستثمار وغيرها في هذه المنطقة ليس شيئاً يمكن أن يقوله حزب الله؛ بل إن التقارير في هذا المجال تنشرها المصادر ووسائل الإعلام العبرية ومؤسسو الشركات الإسرائيلية، الذين يقولون حرفيا: "هنا تم تدمير كل شيء وعدنا إلى العصر الحجري من حيث القدرات".
وحسب المصادر العبرية، فإن منطقة الجليل الخضراء، التي كانت "لؤلؤة" إسرائيل، أصبحت الآن منطقة مهجورة وخالية.
وحسب هذه التقارير، فقد استثمر الكيان الصهيوني مليارات الدولارات في المنطقة الشمالية لجعل غابات هذه المنطقة أكثر خضرة بأشجار غير أصلية في الأرض هنا، كما أن المنازل السكنية في المناطق الشمالية، وخاصة في الجليل، تم تصميمها كما لو كانت سجادة جميلة، كما اتخذت "إسرائيل" الكثير من الخطوات لتطوير المصانع والمستودعات والشركات في المناطق الشمالية وجعلت الحقول الزراعية إضافة إلى توفير المحاصيل الغذائية والفواكه، بيئة جذابة للزوار.
لكن بعد حرب غزة تحولت كل هذه الأحلام إلى كابوس أسود للصهاينة، وأفادت منظمة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية بأن صواريخ حزب الله وطائراته المسيرة الهجومية أحرقت 198 ألف دونم من الأراضي الخضراء في الشمال بمساحة 146 كيلومترا مربعا، وهذا يعني 5 مرات أكثر مما تم حرقه في الماضي.
وحسب تقرير نشرته أمس وزارة حماية البيئة في حكومة الاحتلال، فإن هذه الحرائق مسؤولة عن 44% من انبعاثات أول أكسيد الكربون السنوية، التي تلوث الهواء بشكل كبير.
هزيمة "إسرائيل" في الأرض المحروقة
وذكرت وسائل إعلام صهيونية أنه بينما كانت "إسرائيل" تتابع تنفيذ خطة "الأرض المحروقة" في لبنان، يبدو أن النتيجة انقلبت تماما، وأن القطاع الزراعي، وخاصة الشركات الناشئة المرتبطة بهذا القطاع، يتأثر بشدة بهجمات حزب الله.
وذكرت القناة 12 الصهيونية أن 82 شركة تعمل في القطاع الزراعي في الجليل، مع استثمار أكثر من 80 مليون دولار في 5 مناطق صناعية و8 مراكز تنموية و35 مجموعة بحثية، جميعها ضاعت بالكامل بعد الحرب.
حزب الله أعاد "إسرائيل" إلى العصر الحجري
وفي هذا السياق قال الدكتور أفير بنيامين من كلية العلوم الجنائية بجامعة تل حاي التابعة للكيان الصهيوني، والذي كان يزور أحد مختبرات التكنولوجيا الزراعية في الشمال: جميع الطاولات هنا مليئة بالغبار وهذا يدل على عدم وجود أحد يعمل هنا ولم يدخل أحد إلى هذا المختبر منذ فترة طويلة.
التقط بيده فأر مختبر ميتًا ملقى على الأرض وأظهر أنه لم يبق هنا سوى فأر وقال بسخرية إننا قد نأتي يومًا ما ونرى أن هذا الفأر أصبح طبيبًا، كان لدى الكثير من الخريجين الإسرائيليين آمال كبيرة في القدوم إلى الجليل والعمل هنا، لكن كل شيء فوضوي.
وتابع هذا الباحث والأستاذ الصهيوني: الإسرائيليون الذين أنهوا دراستهم في المجالات ذات الصلة في الجامعات كانت لديهم آمال كبيرة في العيش في الجليل واشتروا منازل وخلقوا فرص عمل ومصادر دخل هنا، ولكن فجأة انفجر كل شيء واختفى، الوضع هنا كارثي؛ لأنه تم إغلاق جميع الشركات وتم تحويل الكثير منها إلى دول أجنبية، لقد ذهبت كل الجهود التي بذلناها خلال العقد الماضي هباءً، ورجعنا إلى العصر الحجري من حيث القدرات والإمكانات.
الوضع الكارثي لصناعة المواد الغذائية في الشمال
منذ حوالي 5 سنوات، نجحت كلية تل حاي بالتعاون مع معهد ميغيل وأرييل وميرجليوت والسلطات المحلية في شمال فلسطين المحتلة في استقطاب العديد من المشاريع والشركات الناشئة بمشاركة الوزارات المعنية في كيان الاحتلال، وحكومة الشمال، وأصبحت المنطقة منطقة اقتصادية مشهورة. شركة "بودكت" التي تضم كل الشركات والمختبرات التكنولوجية المتعلقة بالزراعة والغذاء في شمال الأراضي المحتلة، أصبحت مشهورة جداً في الشمال خلال هذه السنوات وعرف اسمها كل طفل إسرائيلي.
وحسب مصادر عبرية، فإن الشركات الناشطة في هذا المجال كانت تعمل على التطبيق العلمي للغذاء وتطوير مصادر الغذاء المختلفة والأنشطة الزراعية.
وفي معرض إعلانه عن الوضع الكارثي للشركات في شمال الأراضي المحتلة، قال "نوغا سيلا شيلو"، المدير التنفيذي لشركة "بودكيت": جميع الشركات الناشئة التي بدأت العمل في مكاتب زجاجية فاخرة ذات تقنية عالية في كريات شمونه، أخذت كل ما لديها من أموال، حيث إن المعدات والموظفين وانتقلوا إلى مكان أكثر أمانًا في يوكونام ورمات يشاي جنوب حيفا ورهوفوت في المنطقة الوسطى من "إسرائيل" (فلسطين المحتلة)، وفي الوقت نفسه، تم إجراء استثمارات ضخمة لهذه الشركات.
وفيما يتعلق بوضع شركات الصناعات الغذائية في شمال الأراضي المحتلة، أفادت مصادر الكيان الصهيوني المعنية بأن هذه الشركات تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى؛ وحتى في بلدة "كفرسولد" التي لم يتم إخلاؤها بعد، أُغلقت شركة "بلانتويا" التي جهزت نفسها بأحدث الأدوات لإنتاج البروتينات الطبيعية من النباتات، وتخطط لنقل جميع معداتها وموظفيها إلى مكان أكثر أماناً، وحتى موظف واحد لم يبق في هذه الشركة أيضا.
ومن ناحية أخرى، تأثرت أيضًا الماشية والدواجن ومزارع الكيان الصهيوني في الشمال بشدة من الحرب، وفي مؤتمر عقده عضو الكنيست الإسرائيلي ألون شوستر، أواخر حزيران/يونيو الماضي، بعنوان "الزراعة في حالة حرب"، أعلن المشاركون فيه، وأغلبهم من مسؤولي القطاع الزراعي بالإضافة إلى المزارعين في الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، أن القطاع الزراعي في دولة الاحتلال في الشمال يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
السوق الزراعية الإسرائيلية تعاني من الشلل في الشمال
وحسب صحيفة معاريف العبرية، قال رئيس اتحاد المزارعين الصهيوني دوفي عميتي، في إشارة إلى الوضع الكارثي للزراعة في الشمال، إن المساعدات المقدمة لنا ليست كافية، والجليل تحت الحرب، والمزارعون يعيشون في قلب التهديد، وعلى السياسيين الإسرائيليين أن يفهموا هذه القضية.
وأضاف: إذا لم تكن هناك زراعة فلا يوجد أمن، والعكس صحيح. لقد فهمنا هذا المفهوم بوضوح بعد ال 7 من أكتوبر، كان السوق الزراعي في الشمال يركز على إنتاج الحليب من الماشية، لكن في ظل الحرب نضطر إلى استيراد الحليب من الخارج، ونحن في وضع نرمي فيه 50 ألف لتر من حليب الماعز يومياً، كما أن استيراد الجبن من الخارج ضرب أيضاً قطاع الثروة الحيوانية ولم يعد أحد يشتري حليب ماعزنا.
وتابع هذا المسؤول الصهيوني: "نحن نرمي حليب أبقارنا ونحن نبكي وأشعر وكأننا في حرب النجوم وهم (حزب الله) يهاجموننا بطائراتهم المسيرة كل يوم ونشعر بالخوف علنا".
وقال "نوعم" ليوت، أحد أبرز المزارعين الصهاينة في بلدة المطلة شمال فلسطين المحتلة، في هذا الصدد: "منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي ونحن نعيش فترة لا يمكن وصفها بالكلمات"، لقد أصيب قطاع الزراعة هنا بالشلل وسقطت الأفوكادو والتفاح وغيرها من الفواكه لدينا على الأرض وتدمرت لأن العمال لا يستطيعون الذهاب إلى البساتين والحقول".
وفي هذا السياق، تظهر المعلومات الجديدة التي نشرها مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أن الحرائق الناجمة عن هجمات حزب الله الصاروخية والطائرات المسيرة، كبدت القطاع الزراعي التابع لكيان الاحتلال في الشمال ثمناً باهظاً، حيث تم حرق 1000 دونم من الحقول و10 آلاف دونم من الأراضي الزراعية، وتسببت هذه الحرائق بأضرار كبيرة في مزارع التفاح والكيوي وأنظمة الري المتطورة التابعة لكيان الاحتلال في الشمال.
وقال "روني بارنز"، رئيس جمعية إنتاج وتسويق الفواكه والنباتات الإسرائيلية، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية: إن المزارعين الإسرائيليين يتعرضون لصدمة كبيرة ونرى مزارعين احترقت محاصيلهم بالكامل وسيستغرق الأمر سنوات حتى استعادة أراضيهم ويتطلب ميزانيات ضخمة.