الوقت - شكلت عملية "طوفان الأقصى" زلزالاً استراتيجياً هزّ أركان الكيان الصهيوني، وعرض وجوده لتهديد وجودي غير مسبوق، وتتجلى هذه الحقيقة في حجم الدعم الهائل الذي قدمته الولايات المتحدة وإدارة بايدن للكيان الصهيوني، منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأحداث في السابع من أكتوبر 2023.
فالرئيس جو بايدن، الذي امتنع منذ توليه مقاليد الحكم عن توجيه دعوة رسمية لـ"نتنياهو" لزيارة البيت الأبيض، واكتفى بلقائه على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر المنظمة الدولية، بادر على نحو مفاجئ بزيارة الأراضي المحتلة في الثامن عشر من أكتوبر، أي بعد أحد عشر يوماً فقط من اندلاع شرارة الحرب على غزة.
وظلت الولايات المتحدة، حتى شهر مايو 2024 - حين طرح بايدن مبادرةً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة - تقف بصلابة في وجه أي دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في القطاع.
وخلال هذه الفترة العصيبة، لجأت واشنطن إلى استخدام حق النقض (الفيتو) أربع مرات متتالية، ضد مشاريع قرارات في مجلس الأمن الدولي تدعو إلى هدنة إنسانية في غزة، وذلك حرصاً على استمرار العمليات العسكرية دون انقطاع.
وفي السياق ذاته، أبدت الولايات المتحدة موقفاً متصلباً تجاه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة - الذي حظي بتأييد ساحق من 143 دولة - وأدانت بأشد العبارات إقرار هذا القرار غير الملزم في أروقة الجمعية العامة.
إن جملة هذه المؤشرات تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، الدور المحوري والحاسم الذي اضطلعت به الولايات المتحدة، في رسم خارطة الصراع وتوجيه مساره منذ اندلاعه في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، ويمكن استقراء هذا الدور الأمريكي المؤثر، من خلال خمسة إجراءات استراتيجية رئيسية اتخذتها الولايات المتحدة خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة.
الدعم السياسي والدولي للكيان الصهيوني: الركيزة الأولى في منظومة الاستراتيجية الأمريكية
كما أسلفنا في معرض تحليلنا السابق، اتخذت الولايات المتحدة، في مستهل مساعيها الدبلوماسية، موقفاً داعماً بكل ثقله للكيان الصهيوني، وقد تجلى هذا الدعم بصورة لا تقبل التأويل، في استخدامها المتكرر لحق النقض (الفيتو) أربع مرات متتالية، محبطةً بذلك مشاريع قرارات ذات أهمية بالغة طُرحت للتصويت في أروقة مجلس الأمن الدولي.
منذ اندلاع شرارة الحرب في قطاع غزة، دفعت الانتهاكات الجسيمة والممنهجة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في تلك البقعة المنكوبة، المجتمع الدولي نحو السعي الحثيث لإيجاد آليات ردع فعالة عبر منظومة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ذات الصلة.
فقد أدت هذه الجرائم، التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، إلى تآكل شرعية هذا الكيان بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث، ما حفز أعضاء المجتمع الدولي على التحرك العاجل، لوضع حد لهذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني.
وفي خضم هذه الأجواء المشحونة، حيث وجد الكيان الصهيوني نفسه في أشدّ حالات العزلة الدبلوماسية منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية، برزت الولايات المتحدة كحصن منيع وداعم لا يتزعزع لهذا الكيان المأزوم، فلم تكتفِ واشنطن بالامتناع عن وضع حد لهذه الجرائم المستمرة، بل وقفت كحائط صدّ في وجه الإجماع الدولي المتصاعد ضد ممارسات الكيان الصهيوني، ما أطلق العنان لتل أبيب في مواصلة انتهاكاتها الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وسائر الأراضي المحتلة.
إن سلسلة الجرائم المروعة والمتكررة التي ارتكبتها القوات الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة هي، في جوهرها، نتاج مباشر وحتمي للدعم السياسي والدبلوماسي غير المشروط الذي قدمته الولايات المتحدة للكيان الصهيوني على الساحة الدولية، وهذا الغطاء الدبلوماسي الشامل منح "إسرائيل" هامشاً غير مسبوق من حرية الحركة لمواصلة حملتها الدموية دون رادع قانوني أو أخلاقي، متحديةً بذلك الإرادة الدولية والقيم الإنسانية الأساسية.
الدعم المالي والاقتصادي: الركيزة الثانية في المنظومة الاستراتيجية الأمريكية لمساندة الكيان الصهيوني
كشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكية، وهي من أرفع مراكز الفكر الاستراتيجي في الولايات المتحدة، عن حقيقة مذهلة، فقد تربع الكيان الصهيوني على عرش المتلقين الأجانب للمعونات المالية الأمريكية، في الفترة الممتدة من عام 1946 وحتى 2023.
فخلال هذه الحقبة التاريخية الممتدة، وبغض النظر عن المساعدات العسكرية والتسليحية الهائلة، تدفق إلى خزائن الكيان الصهيوني دعم مالي أمريكي استثنائي بلغ 81 مليار دولار، في مشهد يعكس عمق الالتزام الأمريكي تجاه هذا الكيان.
ومع اندلاع شرارة الحرب، تجلت سرعة الاستجابة الأمريكية بصورة لافتة. ففي غضون أيام معدودة من طلب الكيان الصهيوني مساعدةً عسكريةً بقيمة 10 مليارات دولار، وتحديداً في مطلع الأسبوع الرابع من النزاع، سارع النواب الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي، إلى تقديم مشروع قانون لتخصيص حزمة مساعدات استثنائية بقيمة 14.3 مليار دولار، ورغم عدم تمرير هذا المشروع، إلا أنه شكّل حجر الأساس لسلسلة من المبادرات المالية اللاحقة.
وفي تطور دراماتيكي أواخر شهر أبريل 2024، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي حزمة مساعدات ضخمةً بلغت قيمتها الإجمالية 95 مليار دولار، خُصص منها مبلغ 17 مليار دولار كدعم مباشر للكيان الصهيوني، إضافةً إلى 4 مليارات دولار لاستكمال وتطوير منظومات الدفاع الصاروخي المتقدمة الخاصة به.
وما يجدر التنويه إليه، أن هذه المساعدات الاستثنائية تأتي فوق المخصصات السنوية الثابتة، التي دأبت الولايات المتحدة على تقديمها للكيان الصهيوني منذ عام 2020، والبالغة 3.8 مليارات دولار سنوياً، ويُوجه الجزء الأعظم من هذه المخصصات، نحو تعزيز القدرات العسكرية والتسليحية للكيان.
والجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني يتمتع بامتياز فريد لكونه الجهة الخارجية الوحيدة التي تتلقى هذا المبلغ الضخم دفعةً واحدةً في مستهل كل عام ميلادي، ما يعكس مكانته الاستثنائية في المنظومة الاستراتيجية الأمريكية.
الدعم العسكري: الركيزة الثالثة في منظومة الحماية الأمريكية للكيان الصهيوني
في خضم الدعم الشامل الذي تقدّمه الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، تبرز المساعدات العسكرية والتسليحية كأحد أبرز أوجه هذا الدعم، حيث تتفوق بأرقامها الهائلة على سائر مجالات الدعم الأخرى.
ويمكن تصنيف هذه المساعدات العسكرية والتسليحية إلى فئتين رئيسيتين: المساعدات الدفاعية العسكرية، والمساعدات التسليحية.
3.1. المساعدات الدفاعية العسكرية
منذ اللحظة الأولى لانتشار نبأ عملية "طوفان الأقصى"، سارعت الولايات المتحدة بإرسال حاملتي الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" و"يو إس إس آيزنهاور"، واللتين تضم كل منهما قرابة 5 آلاف جندي، صوب الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي العاشر من أكتوبر، أعلن "باتريك رايدر"، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، عن إرسال قوات النخبة الأمريكية المتخصصة في تحرير الرهائن ومكافحة الإرهاب، والمعروفة باسم "دلتا"، إلى الأراضي المحتلة للمساعدة في عمليات تحرير الرهائن التي ينفذها الكيان الصهيوني.
وفي أواخر أكتوبر 2023، كشف موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي في تقرير له عن وجود قاعدة أمريكية سرية تحمل اسم "قاعدة 512"، تقع هذه القاعدة على منطقة مرتفعة تُدعى "هار كيرين" في صحراء النقب، وتبعد مسافة 32 كيلومتراً عن قطاع غزة، ويتركز اهتمام هذه القاعدة على الهجمات المحتملة من جانب إيران، ولهذا السبب لم يرصدوا أي شيء خلال هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.
لقد أدَّى الانهيار المروع الذي أصاب البنية التحتية والقيادة العسكرية للكيان الصهيوني، إلى أن تتولى القوات الأمريكية زمام الأمور في ميادين القتال، خلال الأيام الأولى من نشوب الحرب الضروس بشكل فعلي ومباشر، حتى تردّد على ألسنة الناس أن المنشآت النووية لهذا الكيان في ديمونا، قد وقعت هي الأخرى تحت سيطرة الأمريكيين وتحكمهم المطلق.
وقد جاء تصريح لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي، ليضفي مصداقيةً على هذا الادعاء المثير للجدل، حيث زعم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أوفدت وحدات من صفوة قواتها الخاصة النخبوية إلى فلسطين، بهدف تقديم العون الاستخباراتي والتخطيط العسكري الاستراتيجي لحليفها الصهيوني، ولا يزال هذا النمط من أشكال الدعم الأمريكي مستمرًا بلا هوادة منذ اللحظة الأولى لانطلاق عملية طوفان الأقصى حتى يومنا هذا.
ولعل المشهد الأكثر وضوحًا وجلاءً على هذا الصنف من المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني، قد تجلى أثناء عملية "الوعد الصادق" الإيرانية، حين سخرت الولايات المتحدة كل قواتها المرابطة في المنطقة وحاملتي طائراتها العملاقتين، فضلًا عن قوات حلفائها في غرب آسيا، في محاولة يائسة لصد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة الإيرانية عن شن هجماتها الساحقة على معاقل الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة.
3.2. المساعدات العسكرية
في غضون الأيام الأولى للحرب الطاحنة في قطاع غزة المحاصر، أدلى لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، بتصريح مفاده بأن واشنطن لم تفرض أي شروط مسبقة لتقديم المساعدات العسكرية السخية للكيان الصهيوني.
ومنذ تلك اللحظة، بذلت الحكومة الأمريكية قصارى جهدها لإقناع شركات الصناعات العسكرية لديها، بالاستجابة السريعة والفورية لطلبات التسليح الصهيونية الملحة في أقرب وقت ممكن.
وكانت أبرز وأهم المساعدات العسكرية الثمينة التي قُدمت للكيان الصهيوني منذ انطلاق شرارة الحرب الضروس، تتمحور حول أنظمة الدفاع الجوي الصهيونية المتطورة، فقد أمدّت الولايات المتحدة حلفاءها الصهاينة بكل ما يحتاجه نظام دفاع جوي حصين ومنيع، خلال الأشهر العشرة المنصرمة الحافلة بالمعارك الطاحنة في قطاع غزة الصامد.
وشملت هذه المساعدات الحيوية، قذائف المدفعية الدقيقة عيار 155 ملم، والقنابل غير الذكية الفتاكة MK82 وMK84، والقنابل الصغيرة المركزة GBU-39، وصواريخ JDAM الموجهة بدقة متناهية، وفقًا لما أوردته وسائل الإعلام.
وفي تقرير مفصل نُشر في شهر أبريل الماضي، كشفت قناة يورونيوز أنه في شهر ديسمبر 2023 وحده، تم إرسال ما يقارب 14 ألف قذيفة ومعدات دبابات فائقة التطور بقيمة 106 ملايين دولار، إلى جانب قذائف ومعدات مدفعية دقيقة عيار 155 ملم بقيمة 147 مليون دولار إلى الكيان الصهيوني، وذلك من خلال الصلاحيات الاستثنائية الواسعة التي تتمتع بها رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الشهر السادس من الحرب الضارية، أفادت بعض المصادر الحكومية الأمريكية بأنها قدّمت أكثر من 100 مساعدة عسكرية إضافية ذات أهمية بالغة إلى الكونغرس الأمريكي، لكن لم يتم الإبلاغ عنها بشكل منفصل، لأن قيمة كل منها كانت أقل من المبلغ الدولاري المحدد المتفق عليه للإبلاغ الرسمي للكونغرس.
هذه مجرد أمثلة يسيرة من الكم الهائل والوفير من المساعدات العسكرية السخية، التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لحليفها الصهيوني، والتي لم يرد فيها ذكر صريح للقنابل الاختراقية المدمرة، والقنابل الصغيرة ذات العيار المركز، والأسلحة المحرمة دوليًا نظرًا لآثارها المروعة.
وقد استمر تدفق الأسلحة الأمريكية المتطورة من المخازن الاستراتيجية الضخمة في أوروبا لفترة طويلة وممتدة، لدرجة أثارت استياء وتذمر بعض كبار العسكريين والخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين البارزين.
4. الدعم الإعلامي الأمريكي للكيان الصهيوني
في خضم الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي الهائل الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني، يبرز الدعم الإعلامي الأمريكي كسلاح فتاك يتميز بتأثيره الاستثنائي، رغم كونه غالباً ما يظل بعيداً عن الأضواء.
فالجرائم الوحشية المتكررة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أهالي قطاع غزة، أثارت موجة غضب عارمةً في أرجاء المعمورة ضد هذا الكيان، وبينما ساهمت منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة في نشر الحقائق والمعلومات بين الناس، إلا أن ماكينة الإعلام الأمريكية هبّت لنجدة حليفها الصهيوني، وقدّمت له دعماً منقطع النظير.
ولعل استعراض عناوين الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية خلال فترة العدوان على غزة، يكفي وحده لإثبات أن كل طاقات هذه الوسائل انصبت على تشويه سمعة المقاومة الفلسطينية، وتلميع صورة الكيان الصهيوني.
وقد استمر هذا الدعم، لدرجة أن الاحتجاجات الحاشدة التي نظمها الأكاديميون والمثقفون في الولايات المتحدة وأوروبا ضد جرائم الاحتلال، لم تجد طريقها إلى هذه الوسائل، وإن نُشر شيء عنها، فقد كان الهدف هو تصوير هذه الفعاليات النبيلة بشكل سلبي مشوَّه.
وإلى جانب هذا الدور الخطير في توجيه الرأي العام، برعت الماكينة الإعلامية الأمريكية في بث الشائعات والأكاذيب ضد المقاومة الفلسطينية، وشن حملات تحريضية مسعورة ضد أنصار فلسطين وقضيتها العادلة، ولا يزال هذا النهج المعادي مستمراً حتى اللحظة، إذ يتم تناول كل خبر يتعلق بقطاع غزة، بأسلوب ماكر يصبّ في خدمة مصالح الكيان الصهيوني، ويبرر جرائمه النكراء بحق الشعب الفلسطيني.
5. استغلال فرص المفاوضات لخدمة الكيان الصهيوني
منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب الضروس على قطاع غزة المحاصر، وعندما طُرحت على طاولة البحث مسألة التفاوض حول تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، انبرت الولايات المتحدة الأمريكية لتنصيب نفسها راعياً وحيداً لهذه المفاوضات الحساسة والمصيرية.
وخلال الأيام الأولى للعدوان الغاشم، أيدت واشنطن بلا تحفظ مطالب الكيان الصهيوني التعجيزية، ورفضت بتعنت أي هدنة دائمة، ووقفت بثبات إلى جانب حليفها الإسرائيلي طوال الجولة الأولى من مفاوضات تبادل الأسرى.
والجدير بالتأمل أن الإدارة الأمريكية، من خلال قبضتها الحديدية على زمام المفاوضات، عملت بدهاء على توجيه هذه اللقاءات المفصلية بما يحقّق مصالح الكيان الصهيوني، ويمنحه فرصاً ذهبيةً لانتزاع مكاسب إضافية.
ويمكن تأكيد هذه الحقيقة من خلال تتبع خطوات الرئيس بايدن المراوغة، فبعد تقديم مسودة أولية لوقف دائم لإطلاق النار، سعى جاهداً للحصول على موافقة حركة حماس، ثم ما لبث أن قام بتعديل المسودة لاحقاً بهدف دفع المقاومة للتراجع عن مواقفها الصلبة، والتنازل عن ثوابتها الراسخة، وفي الوقت نفسه، لم تُقدم الولايات المتحدة على ممارسة أي ضغوط حقيقية على الكيان الصهيوني، لوضع حد لجرائمه الوحشية وانتهاكاته الصارخة للقوانين والأعراف الدولية.
تُفصِح مجموعة البيانات السالفة الذكر، بما لا يدع مجالًا للشك، عن أن المحرك الرئيس وراء استمرار أتون الصراع المستعر في قطاع غزة، وما يصاحبه من إزهاق متواصل لأرواح الفلسطينيين الأبرياء، إنما هو الإرادة الأمريكية والدور المحوري الذي تضطلع به هذه القوة الاستعمارية في خضم هذا النزاع المأساوي.
فبينما تتقنّع الولايات المتحدة بقناع الديمقراطية الزائف، وتطلق دعوات جوفاء للسلام ووقف إطلاق النار، نجد أن ممارساتها على أرض الواقع تتجلى في صورة دعم لوجستي وعسكري سافر للكيان الصهيوني، ما يمكِّنه من ارتكاب أبشع الجرائم وأفظع المجازر بحق الشعب الفلسطيني المكلوم، مع السعي الحثيث لإجهاض أي محاولة لمجابهة هذا الکيان.
ولعل أبلغ توصيف لهذا المشهد المأساوي، ما أدلى به "إسحاق بريك"، المفتش السابق في جيش الاحتلال الصهيوني، إذ صرَّح قائلًا: "إن جميع الترسانة العسكرية، من صواريخ وذخائر وقنابل موجهة، وكذلك الأسطول الجوي بأكمله من مقاتلات وصواريخ، كلها تأتينا حصرًا من الولايات المتحدة، وفي اللحظة التي تنقطع فيها هذه الإمدادات عن "إسرائيل"، سنجد أنفسنا عاجزين تمامًا عن مواصلة هذه الحرب، وليس بخافٍ على أحد أننا ما كنا لنجرؤ على خوض غمار هذه الحرب لولا الدعم الأمريكي اللامحدود".