الوقت – بناءً علی تأكيد وزير الخارجية الصيني وتقرير وسائل الإعلام الرسمية الصينية، بعد يومين من المفاوضات المكثفة وقّع 14 فصيلاً فلسطينياً اتفاقاً في بكين في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء الماضي، لإنهاء الانقسامات وتشكيل "حكومة مصالحة وطنية مؤقتة" لحكم غزة بعد الحرب.
وينص هذا الاتفاق الذي يسمى "إعلان بكين"، على تشكيل حكومة الوفاق الوطني المؤقتة في إطار منظمة التحرير، ومن ثم تمهيد الطريق لإجراء الانتخابات في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية.
وأعلن موسى أبو مرزوق، رئيس الوفد المفاوض لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خلال اجتماع الصين، أن هذه الحركة وقّعت اتفاق "وحدة وطنية" مع فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى، وقال أبو مرزوق: "اليوم نوقّع على اتفاق الوحدة الوطنية، ونقول إن الطريق لاستكمال هذه الرحلة هو الوحدة الوطنية، نحن متمسكون بالوحدة الوطنية ونريدها".
وجاء في نص البيان أن الحكومة المعنية "حالما وحّدت جميع المؤسسات في الأراضي الفلسطينية، وبدأت في إعادة إعمار قطاع غزة، ستمهّد الطريق لإجراء انتخابات عامة تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية".
وفي هذا الإعلان، أعلنت جميع الأطراف، مشددةً على تعزيز الوحدة الفلسطينية، التزامها المتجدد بهدف تشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وفقاً لقراري الأمم المتحدة (181 و2334)، وضمان حق عودة اللاجئين استناداً إلى القرار 194.
وحسب البيان، فإن الفصائل الفلسطينية أيضاً "اعتبرت اجتماع الأمناء العامين، نقطة انطلاق لأعمال تشكيل المجلس الوطني، كما قررت وضع جدول زمني لتنفيذ هذا البيان"، لكن حتى ذلك الحين، فقد ذكرت الفصائل في بياناتها أن الاتفاق الوطني الفلسطيني في ال 4 من مايو 2011، هو الأساس لإجراءات حكومة الوحدة الوطنية.
تجدر الإشارة إلى أن الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، عقدوا اجتماعين خلال السنوات القليلة الماضية، الاجتماع الأول کان في بيروت العاصمة اللبنانية في ال 3 من سبتمبر 2020، والثاني في مدينة العلمين بمصر في ال 30 من يوليو 2023.
وعقدت هذه اللقاءات بشكل عام لمتابعة الاتفاقيات الموقعة في السنوات الماضية، بما في ذلك اتفاق القاهرة (4 مايو 2011)، وإعلان الجزائر (12 أكتوبر 2022)، والذي أعقب انتهاء الانقسام السياسي في غزة والضفة الغربية، ولكن لم يتم سوى إنجاز القليل من العمل من الناحية العملياتية.
لكن بدء الحرب والغزو الغاشم للکيان الصهيوني المدعوم من الغرب على قطاع غزة منذ ال 7 من تشرين الأول/أكتوبر، أعاد إحياء الدعوة للحوار، ففي البداية، في إبريل/نيسان الماضي، التقت حركتا حماس وفتح للمرة الأولى في بكين، لمناقشة جهود المصالحة الرامية إلى إنهاء الصراع المستمر منذ 17 عاماً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.
وأدت هذه المفاوضات أخيراً إلى إصدار بيان مشترك، في الجولة الثانية من اجتماع بكين الذي عقد في اليومين الماضيين، وكانت نتيجتها اتفاق كل الفصائل الفلسطينية على قبول منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني على الساحة الدولية، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة، لتوفير الأرضية لإجراء الانتخابات.
وفي هذين الاجتماعين، بالإضافة إلى المجموعات الثلاث البارزة، وهي فتح وحماس والجهاد الإسلامي، كان حاضراً أيضاً مشاركون آخرون، بما في ذلك: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، جبهة التحرير الفلسطينية، جبهة التحرير العربية، الجبهة العربية الفلسطينية، وطلائع حرب التحرير الشعبية - قوات الصاعقة.
تحييد المؤامرة الأمريكية-الصهيونية
لا شك أن إعلان بكين يشكّل نقطة تحول في عملية إنهاء حقبة الانقسام السياسي المضطربة في فلسطين بين غزة والضفة الغربية بعد عام 2007، عندما أجريت آخر انتخابات عامة فلسطينية.
وسبب هذه القضية في الغالب، هو وعي المجموعات الفلسطينية المختلفة بالمؤامرة المشتركة التي دبّرها الصهاينة، بدعم من الغربيين وبعض العرب في المنطقة، لقطاع غزة بعد الحرب، ومن ثم الضفة الغربية.
تهدف هذه الخطة بأشكال وعناوين مختلفة إلی: الإدارة المدنية، المنطقة الخاصة للاستثمار والسياحة، تحويل غزة إلى جزيرة وغيرها، وتسعى أخيراً إلى إزاحة المقاومة عن الحكم السياسي في هذا القطاع، ونزع سلاح غزة وإخضاعها لمصير مماثل للضفة الغربية واحتلال أراضيها تدريجياً، وتهجير الشعب الفلسطيني.
لقد أدت هزيمة ال 7 من أكتوبر الكبرى وعواقبها التي لا يمكن إصلاحها على الأراضي المحتلة، إلى وضع صعب للصهاينة، بحيث إنهم إذا لم يتمكنوا من تحقيق النجاح في ميدان الحرب (وهو ما لم يحققوه حتى الآن بسبب المقاومة الشرسة لأهل غزة)، فإنه سيكون وبالاً عليهم لسنوات عديدة.
ويدرك الاستراتيجيون الأمريكيون والصهاينة، أنه مع تغير موازين القوى في فلسطين والمنطقة، فإن الدعائم السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية الداعمة للکيان، لن تتحمل ثقل هذه المشاكل والأضرار الخطيرة لفترة طويلة.
لقد أفشلت عملية طوفان الأقصى، المخطط الخطير الذي تصوره الصهاينة لتدمير القضية الفلسطينية، من خلال توسيع نطاق عملية التطبيع في المنطقة، لكن الصهاينة ما زالوا يأملون في أن يتمكنوا من منع الفلسطينيين من الاجتماع والوحدة لإنهاء احتلال غزة، من خلال الانقسام وتعميق الفجوة بين الفصائل الفلسطينية، ومواصلة جرائمهم في غزة تحت شعار الحرب مع حماس، ومن ناحية أخرى منع أي عودة للسيادة الفلسطينية (منظمة التحرير الفلسطينية) على قطاع غزة.
إن المعنی الدقيق لتصريح بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي، الذي يقول إن هدفه هو "تدمير حركة حماس"، ويعارض أي دور لهذه الحرکة في إدارة غزة بعد الحرب؛ ليس في الواقع الاستعداد لعرض غزة على منظمة السلطة الفلسطينية، بل بتعبير أدق، خطّط الصهاينة لمنع عودة أي سيادة سياسية فلسطينية على قطاع غزة.
ولذلك، فإن الموافقة على مقترح تشكيل حكومة ائتلافية لحكم غزة بعد الحرب، مع تأكيد كل الفصائل الفلسطينية على شرعية النضال والمقاومة والإدانة الجماعية لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، تدل على وعي الفلسطينيين وفهمهم لتعقيدات التطورات السياسية والميدانية.
وبناءً على ذلك، شكر حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في بيان له، الصين على جهودها الكبيرة في استضافة الحوار والتوصل إلى مثل هذا الإعلان، وأضاف إن "هذا الإعلان يأتي في وقت مهم، حيث يتعرض شعبنا للحرب والدمار، وخاصةً في قطاع غزة"، وقال: "إعلان بكين خطوة إيجابية إضافية نحو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية".
وأشار بدران إلى أن أهم محاور اتفاق تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، هي إدارة شؤون شعبنا في غزة والضفة الغربية، والإشراف على إعادة الإعمار وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات، وأكد أن هذا يشكّل سدًا منيعًا أمام كل التدخلات الإقليمية والدولية، التي تسعى إلى فرض شروط ضد مصالح شعبنا في إدارة القضية الفلسطينية بعد الحرب.