الوقت- تعكس تصريحات أحد جنود الاحتياط في لواء غولاني الإسرائيلي، التي نقلتها هيئة البث الإسرائيلية، حالة من التوتر والإرهاق التي يعاني منها جنود الجيش الإسرائيلي، وتتجلى هذه الحالة من خلال بحث الجيش عن مقاتلين ومتطوعين عبر مجموعات مغلقة على فيسبوك، ما يكشف عن أزمات متعددة تواجهها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في ظل استمرار الحروب والمواجهات في مناطق متعددة، في ظل الحديث عن الأضرار النفسية والاقتصادية التي تلحق بالجنود نتيجة استمرار الحرب، والتحذير من أن سياسة الجيش الحالية قد تؤدي إلى نقص حاد في عدد الجنود، وإن تكرار العمليات العسكرية في غزة ودخول الجنود نفس المناطق مرارًا يعزز من حالة الإرهاق والتوتر، ويجعلهم عرضة لمواجهات متكررة مع الموت، ما يفاقم من وضعهم النفسي والاقتصادي المتردي.
أزمات عسكرية خطيرة
بالتزامن مع الحديث عن أن الجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على قوات الاحتياط التي تشعر بحالة من الاستنزاف، يعكس هذا النقص في القدرات البشرية تراجعًا في جاهزية الجيش لخوض مواجهات جديدة، وخاصة في ظل معاناة الجنود من صعوبة في التحرك، وهذه المشكلة تؤدي إلى تحطيم عزيمة الجنود وتضع الجيش في موقف حرج يتطلب استجابة سريعة من القيادة العسكرية.
وتظهر الأزمة بشكل أوضح في فرار مئات من جنود الاحتياط من الخدمة، وفق ما أكّده الإعلام الإسرائيلي مؤخرًا، وهذه الأزمة دفعت الجيش إلى اتخاذ تدابير استثنائية لكنها لم تر من الواقع شيئا، مثل تمديد فترة الخدمة الإلزامية إلى 36 شهرًا لمدة 8 أعوام، وفرض تجنيد اليهود المتشددين (الحريديم) الذين كانوا يتمتعون بالإعفاء لسنوات طويلة، وهذه التدابير تعكس مدى تعمق أزمة التجنيد والضغوط التي تواجهها المؤسسة العسكرية في الكيان.
وإن لجوء الجيش إلى البحث عن مقاتلين ومتطوعين عبر مجموعات مغلقة على فيسبوك يعكس مدى الإحباط ونقص الخيارات التقليدية لتجنيد الجنود، وهذه الخطوة تُظهر حاجة الجيش إلى مصادر جديدة لتعويض النقص في الأفراد، ما يفتح الباب لمزيد من التساؤلات حول فعالية وكفاءة هذه الاستراتيجية في معالجة الأزمة الحالية، وتوضح تصريحات جندي الاحتياط في لواء غولاني مدى الإرهاق والاستنزاف الذي يعاني منه الجيش الإسرائيلي نتيجة السياسات الحالية واستمرار الحروب في مناطق متعددة، وإن الأزمة في القدرات البشرية والتجنيد تظهر أزمة في القيادة العسكرية التي فشلت في استراتيجياتها ولم تتكيف مع التحديات المتزايدة.
الظروف الصعبة في غزة والحاجة للاعتراف بالهزيمة
لا شك أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة لم تقتصر آثارها على الشعب الفلسطيني الذي خسر عشرات الآلاف من الأبرياء –نتيجة الإرهاب الإسرائيلي- فحسب، بل أصابت الجيش الإسرائيلي أيضًا بحالة من الإرهاق والاستنزاف، ووصلت هذه المواجهة إلى نقطة حرجة، حيث تزايدت التحديات أمام الجيش إلى درجة باتت تستدعي الاعتراف بفشل استراتيجية العمليات العسكرية والاعتراف بالحقيقة الصعبة لنتنياهو، لأن استمرار هذه الحرب لن يكون مجديًا، وربما يكون الاعتراف بالهزيمة هو الحل الوحيد المتبقي.
وباعتبار أن جيش الاحتلال يعتمد بشكل كبير على قوات الاحتياط التي تشعر بحالة من الاستنزاف، فإن تكرار العمليات العسكرية في نفس المناطق في غزة لا يزيد فقط من المخاطر التي تواجه الجنود، بل يعزز أيضًا من حالة الإرهاق النفسي والجسدي لديهم، وهذا الوضع يشير إلى أن الجيش يفتقر إلى الاستراتيجية الواضحة والفعالة للتعامل مع تعقيدات الصراع في غزة.
ويعلم العالم أن الحرب المستمرة لها تأثيرات نفسية واقتصادية كبيرة على الجنود الإسرائيليين، فالأضرار النفسية الناتجة عن التعرض المستمر للعنف والخطر تؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للجنود، ما يجعلهم أقل قدرة على مواجهة التحديات الميدانية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأضرار الاقتصادية الناتجة عن الانخراط الطويل في العمليات العسكرية تؤثر سلبًا على معنويات الجنود وتزيد من الضغوط الاقتصادية على عائلاتهم، ما يؤدي إلى تزايد حالات الفرار من الخدمة وهذا ما حدث.
ويواجه الجيش الإسرائيلي أزمة في التجنيد، حيث فرّ مئات من جنود الاحتياط من الخدمة دون إبلاغ قادتهم، وهذا النقص في القدرات البشرية يجعل من الصعب على الجيش الحفاظ على جهوزيته القتالية، وخاصة في مواجهة التحديات المستمرة في غزة وعلى الحدود الشمالية مع لبنان، وإن تمديد فترة الخدمة الإلزامية وفرض تجنيد اليهود المتشددين (الحريديم) لم تكن حلولًا كافية لمعالجة هذه الأزمة المتعمقة.
ختاما، إن اعتماد جيش العدو على وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن مقاتلين ومتطوعين يعكس مدى الضيق والحاجة الملحة لتعويض النقص في الأفراد، وهذه الخطوة تشير إلى أن الجيش وصل إلى طريق مسدود في محاولاته التقليدية لحشد القوات اللازمة لمواصلة العمليات العسكرية، وإن الاعتراف بالهزيمة في هذا السياق يعني الاستسلام لهذا يبتعدون عنه.
والوضع الحالي في غزة يضع الجيش الإسرائيلي أمام خيار صعب للقيادات ولكنه واقعي فالاعتراف بأن الحرب قد وصلت إلى طريق مسدود وأن الاستمرار فيها لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخسائر والإرهاق، وإن الاعتراف بالهزيمة يمكن أن يفتح الباب أمام مسارات جديدة للحل، وتسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وتجنب المزيد من الانتقادات الدولية.