الوقت- أثار رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، جدلاً واسعاً بعد تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، وهذا الجدل يعكس التوترات الداخلية المتصاعدة داخل الحكومة الإسرائيلية حول استراتيجيتها تجاه حماس وقطاع غزة، كما أن تصريحات هاغاري حول بقاء حماس في غزة بعد مرور خمس سنوات على الحرب أثارت غضب نتنياهو بشدة، وهذه التصريحات تُشير إلى اعتراف ضمني بعجز الحكومة الإسرائيلية عن القضاء على حماس تماماً، ما يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يتبناه نتنياهو وإدارته.
صراع عميق في الكيان
بشدّة، انتقد نتنياهو تصريحات هاغاري في جلسة خاصة لمجلس الوزراء الحربي، وهذه الانتقادات لم تكن الأولى من نوعها، بل تأتي ضمن سلسلة من الانتقادات التي وُجهت لهاغاري من قبل المسؤولين الأمنيين والسياسيين في الحكومة، وإن تصريح هاغاري بأن "الحديث عن تدمير حماس هو خداع،، حماس فكرة ولا يمكن تدميرها"، يسلط الضوء على واقع معقد تتجاهله الحكومة الإسرائيلية في خطابها العلني، فالحديث عن "تدمير حماس" يتعارض مع الطبيعة الفكرية والتنظيمية للحركة، التي تتجاوز البعد العسكري إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسي.
ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية الإبادية على قطاع غزة في الـ7 من أكتوبر 2023، استشهد عشرات الآلاف وأصيب مئات الآلاف، وهذه الأرقام تُظهر حجم الدمار والمعاناة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني، وتؤكد على استمرار العنف الإسرائيلي والصراع داخل كيان العدو دون حلول جذرية، وتُظهر الانتقادات التي يوجهها نتنياهو لمتحدث الجيش عمق الخلافات الداخلية حول كيفية التعامل مع حماس والصراع في غزة، هذه الخلافات قد تُضعف الموقف الإسرائيلي وتساهم في تعقيد الأمور على المستوى الداخلي والخارجي.
وإن تصريحات دانييل هاغاري ورد فعل نتنياهو عليها تكشف عن التوترات الداخلية والتحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية في تعاملها مع حماس والصراع في غزة، وهذه التوترات تعكس الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع الميداني، وتؤكد على الحاجة إلى الاعتراف بفشل نتنياهو وحكومته للتعامل مع هذا الصراع المستمر دون جدوى للكيان الذي بات غارقا بدمائه.
حقيقة في خضم الصراع
بما أن تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والعسكرية في الكيان، تعكس هذه التصريحات التي أشار فيها إلى بقاء حماس في غزة رغم الجهود العسكرية الكبيرة للقضاء عليها، فهماً عميقاً للواقع الميداني ومعلومات دقيقة عن المشهد العسكري في الصراع مع حماس، وإن هاغاري يمتلك رؤية شاملة ومدعومة بمعلومات دقيقة حول القضايا العسكرية وأداء الجيش الإسرائيلي في العمليات ضد حماس، وتصريحاته الأخيرة حول استحالة تدمير حماس بالكامل تنبع من فهم عميق للطبيعة المعقدة للصراع، فهو ليس مجرد متحدث ينقل المعلومات، بل هو جزء من المنظومة العسكرية التي تعيش يومياً واقع الميدان وتتفاعل معه بشكل مباشر.
أيضا، إن تصريحات هاغاري تتناقض بشكل كبير مع المواقف التي يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بينما يتبنى نتنياهو خطاباً سياسياً يسعى لإظهار القوة والسيطرة الكاملة، وتأتي تصريحات هاغاري لتضع الأمور في نصابها الصحيح، مؤكدة أن حماس ليست مجرد قوة عسكرية يمكن القضاء عليها بسهولة، بل هي فكرة وحركة متجذرة في المجتمع الفلسطيني.
كذلك، تستند تصريحات هاغاري إلى معطيات ميدانية وتحليلات عسكرية دقيقة، ما يجعلها أكثر مصداقية مقارنة بالخطاب السياسي لنتنياهو، وهاغاري يدرك تعقيدات الصراع وما يتطلبه من حلول بعيدة المدى تتجاوز الحلول العسكرية التقليدية، وهذا الفهم يأتي من تجربته الميدانية ومعايشته للواقع اليومي للصراع، ما يمنحه رؤية أوضح وأدق حول مستقبل الصراع مع حماس المتواجدة بقوة في غزة.
وتعبّر تصريحات هاغاري عن وجهة نظر المؤسسة العسكرية التي تواجه التحديات على الأرض وتدرك مدى صعوبة القضاء على حركة مثل حماس، هذه النظرة الواقعية تختلف عن المواقف السياسية التي غالباً ما تكون مدفوعة بأهداف قصيرة المدى ومصالح سياسية، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بما يملكه من معلومات ومعرفة ميدانية بقوة حماس، يعترف بتعقيدات الصراع ويدرك أن الحلول العسكرية مع حماس غير مُجدية.
ختاماً، يبدو أن نتنياهو، في محاولاته لتوجيه الرأي العام وتحقيق مكاسب سياسية، يتبنى مواقف وتصريحات تهدف إلى إظهار حزم وقوة الكيان المتهالك، إلا أن هذه المواقف قد تكون بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الجيش الإسرائيلي يومياً، وتصريحات هاغاري، على العكس، تعبر عن الحاجة إلى مواجهة الحقائق بواقعية والبحث عن حلول طويلة الأمد تتجاوز الخطاب السياسي المبسط.
وتأتي النظرة العسكرية من عمق الميدان وتعبر عن فهم حقيقي للواقع المعقد للصراع مع حماس، بينما يسعى نتنياهو لاستخدام الخطاب السياسي لتجاوز أزماته الداخلية، فيما تقدم تصريحات هاغاري رؤية واقعية ومدروسة تستند إلى الخبرة الميدانية والمعرفة العسكرية، وفي النهاية، يبقى الاستماع إلى الأصوات العارفة بالميدان والمطلعة على تفاصيل الصراع أمراً بالغ الأهمية لتحديد استراتيجيات فعالة ومستدامة في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي يفرضها نتنياهو.