الوقت - مع قدوم شهر المحرم الحرام، يقيم الشيعة من كل أمة وعرق في جميع أنحاء العالم عزاء سيد الشهداء (عليه السلام) بعاداتهم وطقوسهم الخاصة.
في هذه الأثناء، لا تزال هناك دول في القرن الحادي والعشرين، يواجه فيها الشيعة العديد من القيود والضغوط في إقامة التجمعات ومراسم العزاء، بطرق مختلفة وبذرائع واهية، وتعدّ الكويت إحدى الدول العربية التي طبقت مؤخراً قوانين مقيدة، فيما يتعلق بإقامة مراسم العزاء للشيعة في شهر محرم.
وكانت وزارة الداخلية الكويتية أعلنت مطلع الأسبوع الجاري، أن "أصحاب الحسينيات" لا يحقّ لهم رفع الأعلام الحسينية والمواكب في شهري محرم وصفر، وهددت الشيعة بعدم إقامة مواكب العزاء في الشوارع والأماكن العامة الأخرى.
وجاء في بيان الوزارة الذي أعلنته عبر منشور على منصة إکس: "على أصحاب الحسينيات الالتزام بالقوانين المنظمة وأوامر القوى الأمنية، حفاظاً على سلامة الجميع"، وقيل أيضاً: "يجوز رفع علم واحد فقط دون شعار على الحسينية".
وشدّدت الوزارة على أنه "يمنع منعاً باتاً وضع أي خيم وأكشاك خارج سور الحسينية لأي سبب كان"، لافتةً إلى أنه "تمنع أيضاً إقامة أي نوع من المسيرات"، وهددت وزارة الداخلية بـ"التعامل الصارم مع كل من لا يلتزم بالقواعد التنظيمية".
كما سيسمح، حسب التعليمات الجديدة، للقوات الأمنية بالتواجد داخل حرم الحسينية بحجة تنظيم المرور والحفاظ على الأمن، وادعت الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية الكويتية، أن هذه القرارات التقييدية اتُخذت بناءً على الاجتماع التنسيقي بين وزارة الداخلية والمشرفين على الحسينيات، وبناءً على تعليمات وتوصيات اجتماع مجلس الوزراء.
وفور صدور هذا الأمر، بدأت القوات الأمنية الكويتية والبلدية في تفكيك أعلام ورموز الحسينيات الأخرى، ما دفع المواطنين الكويتيين إلى الرد والتصدي لعملاء الحكومة.
الغضب والانتقاد يعمّ شيعة الكويت
بينما يشكّل الشيعة نسبةً كبيرةً تبلغ 40% (أكثر من مليوني نسمة) من سكان الكويت، البالغ عددهم حوالي 4.3 ملايين نسمة، يعتقد منتقدو القوانين الجديدة لوزارة الداخلية، أن هذه القرارات هي محاولة للحدّ من الطائفة الشيعية الكبيرة في البلاد.
وبينما لا تجرؤ الصحف والمجلات المحلية على تحدي القرارات الطائفية للحكومة خوفاً من الاضطهاد والقمع، يعبّر المواطنون الكويتيون عن احتجاجهم على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك.
وفي هذا الصدد، تم تداول مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت غضب الكويتيين من هذا القرار، وفي أحد هذه المقاطع، خرج أحد المواطنين إلى الشارع وهو يهتف ضد هذا القرار، ويصرخ: "بيت الحسين بيتي.. حسين جدي".
وفي مقطع آخر تم نشره على منصة إکس، يتحدث أحد المواطنين عن عرقلة الجهات المعنية في الكويت، منح الإذن لأصحاب المواكب الحسينية لإقامة مراسم عاشوراء.
وقال هذا المواطن الكويتي: "كل عام نطلب من البلدية وإدارة الإطفاء وجميع المسؤولين، ونحصل على إذن لإقامة المواكب الحسينية في شهر محرم الحرام"، وأضاف: "هذا العام نسأل البلدية، يقولون وزير الداخلية، ونسأل الإطفاء، يقولون وزير الداخلية، سألنا الجميع، يقولون الوزير أمر بإزالة المواكب الحسينية".
وأشار إلى أن وزراء حكومات الكويت السابقة كانوا في كثير من الأحيان متسامحين ومتعاونين مع أصحاب المواكب، ووضعوا شروطاً خاصةً للسلامة ومكافحة الحرائق، بل شاركونا الأجر والثواب في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)، وتابع: الآن تأتي البلدية والشرطة بشكل مفاجئ، ويدمرون المواكب.
وكتب مدون معروف آخر، يدعی الهاشم بن جمال، رافضًا أي التزام بأوامر وزارة الداخلية الجديدة ضد مراسم العزاء الحسيني: "لقد اخترنا هذا الطريق بإرادتنا الحرة، وسنواصله ولو كلفنا حياتنا، فقوتنا وإصرارنا وإرادتنا وشعارنا "يا حسين (ع)"، سيبقى في خدمتك إلى الأبد"، وأضاف: "كل المؤشرات والأحداث الجارية، ليس لها تفسير سوى أن الكويت تتجه نحو العلمانية".
وحسب هذا المستخدم الكويتي: "الشوارع تشهد إزالة أسماء علماء المسلمين واستبدالها بالأرقام، واستبدال أسماء الصحابة في المدارس بأسماء أفراد، ومنع رفع الرايات والأعلام ورفع خيام العزاء في الحسينيات، وتفتيش المصلين على أبواب المساجد".
وكتب مواطن آخر يدعى حمد على صفحته في الفيسبوك: مع الأحداث التي تجري في الكويت في مجال المواجهة ضد الشيعة والمواكب الحسينية، أخبرونا عن الوضع الحالي لشيعة الكويت.
وبعد رفضه للإجراءات التمييزية التي تمارسها الحكومة ضد الشيعة، أضاف: "شيعة الكويت مواطنون أصيلون (في هذا البلد)، وأقاموا (في هذا البلد) منذ بداية تأسيس الكويت، أي إنهم كانوا موجودين مع وجود الكويت، وهم في نفس عمر الكويت وجاؤوا مع الآخرين، الناس الذين عاشوا في هذه المنطقة الجغرافية، جاء بعضهم من شبه الجزيرة العربية، وخاصةً أهل الإحساء، حيث تكثر القبائل والعائلات الشيعية، وجاؤوا من منطقة الحجاز، ومنهم من جاء من العراق والشام، ومنهم من عشائر شيعية، ومنهم من جاء من إيران".
وكتب مدون آخر يدعى أبو جناح، وهو يتذكر زيارات الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت الراحل: "لا أعرف ما الذي يدور في ذهن أمير الكويت الحالي"، وتابع: يا إمام، إعلم أن أقوى طاغية في العالم لم يمنع الحسينيين من أداء مناسكهم، يا شيعة الكويت، إذا منعوكم من رفع العلم، ادهنوا جدران بيوتكم باللون الأسود.
احتجاج المجلس الوطني الشيعي على الأنشطة التقسيمية للسلفيين
يعزو العديد من المراقبين رغبة السلطات الحكومية الجديدة في الكويت في قمع العزاء الحسيني هذا العام، إلى الأنشطة المثيرة للخلاف التي تمارسها الجماعات السلفية والإخوانية.
وبهذا الخصوص، أصدر ائتلاف المجالس الوطنية (الشيعة) بياناً رفض فيه طلب محمد العظم من جمعية ثوابت الأمة من الحكومة مراقبة الحسينيات والتجمعات الخاصة، بحجة عدم الإساءة إلی أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي هذا التصريح، طالب السيد محمد باقر المهري بصفته ممثلاً للمرجعيات الدينية الشيعية، اتحاد علماء المسلمين بإقالة رئيس هذه الهيئة، لتأجيج الخلافات الطائفية أكثر من مرة.
وفي إشارة إلى الانتقادات الحادة التي وجهها القرضاوي لإيران في مؤتمر عقد مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة، أضاف إن "القرضاوي يحاول تشتيت المسلمين وخلق الخلافات بين الطوائف، وعدم جمعهم".
تاريخ طويل من العزاء الشيعي في الكويت
يأتي توجيه اتهامات غير لائقة وإلقاء اللوم على الأنشطة الدينية للشيعة الكويتيين في القضايا الخارجية، في حين أجريت أبحاث مختلفة حول التاريخ القديم لإقامة مراسم عزاء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في الكويت، ولا يمكن إخفاء ذلك بأي شكل من الأشكال.
على سبيل المثال، اعتبر الباحث الإسلامي الشيخ راضي حبيب، أن إنشاء الحسينيات في الكويت له عمق وإرث تاريخي غني، لعبت فيه حتى عائلة الصباح الحاكمة دوراً مهماً منذ إنشاء الحسينية الأولى عام 1815.
وحسب هذا الباحث الإسلامي، فإنه في عهد الشيخ جابر عبدالله الصباح، المعروف بجابر العيش، حاكم الكويت آنذاك، كان المسؤول عن الإشراف على هذه الحسينية هو السيد علي الموسوي الخشاب، وكان موقعها في قرية البحارنة الشهيرة، والتي لا تزال مستمرةً إلى يومنا هذا، وهي الحسينية المعروفة الآن باسم "حسينية سيد عمران".
وبعد ذلك، في عام 1905، أنشئت حسينية الحاج معرفتي في فريج القبلة، ولا تزال حسينية أخرى من أقدم الحسينيات في الكويت قائمة في ساحة کانت تدعی ثلاثة بيوت في مدينة الكويت.
وبعدها أنشئت حسينية الزينبية في فريج الحدادة، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1914، وافتتحت حسينية الخزعلية في فريج الفرج في نهاية حكم الشيخ مبارك الصباح عام 1918 بمساعدة الحكومة والشيخ عبد الله السالم، وأنشئت حسينية الجعفرية في العام نفسه.
ومن الحسينيات القديمة الأخرى التي كانت موجودةً داخل مدينة الكويت، يمکن الإشارة إلی حسينية بهشت للبلوش، حسينية الحاج علي الشمالي بجانب الدروازة، حسينية التراكمة، حسينية السيد حسين العضب، حسينية الحاج حسين ششتر وحسينية ابن حيدر في المطبة، حسينية الشواف الواقعة أمام مدرسة الصباح في شارع دسمان، حسينية العباسية في فريج الحساوية، حسينية الحاج علي الأربش قرب بوابة عبد الرزاق، حسينية علي الخبار في براحة مجبيل، حسينية سيد علي في الميدان، حسينية غانم المرزوق في براحة مجبيل، حسينية بوعليان في نفس المنطقة، وحسينية قنبر البلوشي في فريج البلوش، وحسينية محمد حاجي في الميدان.