الوقت - حرب على المياه قد تحط رحاها بين المغرب والجزائر، جفاف وعطش كبير في مناطق شمال الجزائر تتحدث عنه مجلة “جون أفريك” الفرنسية، حيث اندلعت أعمال شغب عنيفة بسبب العطش قبل أيام في مدينة تيارت شمال غرب الجزائر، أغلق خلالها المحتجون طرقات وصادروا شاحنات الصهاريج وسط استنكار الأهالي لتقاعس السلطات العامة وتوقف مشاريع تزويد مياه الشرب مع فرض تقنين صارم عليها.
ومنذ ذلك الحين تم إرسال العديد من الوزراء للاعتذار للسكان ووعدوهم باستعادة الوصول إلى المياه.
وكان وزير المياه الجزائري اتهم المغرب علنا بتدبير الجفاف المتفاقم في بلاده، والذي أصبح مثيرا للقلق بشكل متزايد حيث صرح أن “إحدى الدول المجاورة، من خلال سلوكها غير المسؤول، أخلت بالتوازن البيئي، ما أثر بشكل خطير على الحيوانات والنباتات على طول الحدود الغربية للجزائر”، دون أن يذكر المغرب صراحة.
إلا أن السلطات المغربية لم تعر هذه التصريحات المثيرة للجدل أي أهمية كما تجاهلت وسائل الإعلام المغربية الاتهامات الجزائرية واتهمت الوزير بالشعبوية، ومع ذلك، فإن الترابط المائي بين البلدين على الحدود هو واقع جغرافي.
وأضافت المجلة: إن الاتهامات الجزائرية نفتها الرباط بشدة، مؤكدة أن مواردها المائية “تنبع من التراب الوطني” وأنّه “لا يتقاسم أياً من أنهاره أو وديانه مع أي بلد آخر”، وشدد المغرب على حقه في استغلال موارده المائية “بشكل مسؤول ومستدام”.
وكشفت مصادر مطلعة أن تصريحات المسؤولين الجزائريين والمغاربة، تثير قلق المراقبين من احتمال تحول أزمة المياه إلى صراع مفتوح بين البلدين.
فالبلدان يعانيان أصلاً من توترات سياسية ودبلوماسية، وتاريخهما مليء بالصراعات حول الحدود ودعم صناع القرار في قصر المرادية للطرح الانفصالي للصحراء.
أستاذ عام المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أوضح أن حظ المغرب يكمن في أن “موارده المائية تنبع من التراب الوطني”. بمعنى آخر، لا يجد أياً من أنهار أو وديان البلاد منبعها خارج حدود المملكة، وهو أصل قوي، في حين أن ظاهرة الاحتباس الحراري تساهم في ندرة الذهب الأزرق، وهي معضلة ليس المغرب في مأمن منها.
وأضاف: “إنه إذا كان المغرب في موقف إيجابي بشأن هذه القضية بسبب جغرافيته وتضاريسه وتوزيع أحواضه، فإن الجزائر يمكن أن تتأثر بالسلوك المغربي في منطقة الحدود، حيث إن المغرب إذا قام ببناء سدود عند المنبع، فإن ذلك يمكن أن يؤثر منطقيا على تدفق الأنهار التي تعبر الجزائر”.
وتابع: “هذه الحالة ليست استثنائية، فالبلدان التي تتقاسم أحواض الأنهار غالبا ما تكون مترابطة من حيث المياه، لكن القوانين الدولية هي في مصلحة المغرب وليس العكس”.
ويُشدّد الخبراء على أنّ حلّ أزمة المياه بين المغرب والجزائر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال “الدبلوماسية المائية”، التي تُعزّز التعاون الإقليمي في إدارة الموارد المائية.
وتابعت "جون افريك": تكمن مستجمعات المياه التي تمتد إلى ما وراء الحدود المغربية باتجاه شرق الجزائر، وعلى وجه الخصوص، وادي ملوية الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، على بعد 14 كلم من الحدود، والذي يستخدم بشكل مكثف لري المحاصيل الزراعية، ويتم تسهيل ذلك من خلال العديد من السدود الموجودة في مجراه، وخاصة سدا الحسن الثاني ومحمد الخامس.
ولكن بالإضافة إلى العدد الكبير من البنى التحتية على طوله، أدى الاستغلال المفرط له في عام 2021 إلى انخفاض تدفق نهر الملوية، لأول مرة، لدرجة أنه لم يعد يصل إلى البحر اليوم، وبات المزارعون في هذه المنطقة الفقيرة وفي منطقة الريف الشرقي يرون أن الوضع يزداد سوءًا من سنة إلى أخرى.
ومضت “جون أفريك” موضحة أن هناك نقطة خلاف أخرى تتمثل في عواقب استخدام مياه وادي غير، أحد أطول الأودية في شمال إفريقيا (433 كم)، والذي ينبع من الأطلس الكبير المغربي، بعد التقائه بالأراضي الجزائرية مع وادي زوزفانة، ومع ذلك، فإن وادي زوزفانة يغذي رابع أكبر سد جزائري، وهو سد جورف توربا، الذي تم تشييده في الستينيات وتبلغ طاقته الاستيعابية 365 مليون م3، ويوفر الماء الصالح للشرب.
إن عواقب الإجهاد المائي وفقا للمجلة متشابهة على سكان البلدين وعلقت على موضوع إذا ما كان المغرب يقوم “بشكل ممنهج” بتجفيف السدود ومصادر المياه في الجزائر، “فمن الصعب تحديد ذلك بدقة”، لكن سيكون من الصعب إجراء هذه التجربة في الرباط، لأنها تواجه التحديات نفسها، بين إنشاء محطات تحلية المياه ومعالجة المياه قليلة الملوحة واستمرار تكاثر السدود، فإن استراتيجيات زيادة موارد البلدين ما زالت غير واضحة.
ويتمتع البلدان أيضًا بامتيازات نسبية مقارنة بالدول الأخرى المعزولة هيدرولوجيًا تمامًا، وحتى لو بقي من المفهوم أنه بالنسبة للجزائر، التي تتكون من 84% من الأراضي الصحراوية، فإن أي اعتماد على هذا المستوى على دولة ثالثة يمكن أن يكون مصدر قلق، تقول “جون أفريك”.
يُجمع خبراء، نقل المنبر الإعلامي آراءهم، على أن حل أزمة المياه في المغرب والجزائر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تعاون إقليمي، فكلا البلدين يعتمد على الأنهار المشتركة، مثل نهر ملوية، لتلبية احتياجاته من المياه.
وتعتمد جميع بلدان منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط تقريباً على موارد المياه العابرة للحدود لتلبية احتياجاتها المائية وينطبق هذا بشكل خاص على الصراع حول نهري دجلة والفرات اللذين تديرهما تركيا من جانب واحد على حساب سوريا والعراق وإيران، ولكن أيضا حول نهر النيل، حيث تطالب كل من مصر والسودان وإثيوبيا بموقع سيادي على النهر وغيرها الكثير من الأمثلة في العالم العربي وفي دول العالم.