الوقت - عاد ملف التطبيع بين المغرب و"إسرائيل" إلى الواجهة وأشعل النقاش حول سيناريوهاته المستقبلية في ظل الحرب التي تدور رحاها الطاحنة على الشعب الفلسطيني في ظل رفض شعبي مغربي واسع لهذا التطبيع.
فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي تراجعا حادا في تأييد الشارع المغربي للتطبيع مع "إسرائيل" إلى 13 بالمئة بعد بدء الحرب على قطاع غزة في تشرين الأول 2023، مقابل 31 بالمئة عام 2022.
حيث كشفت نتائج استطلاع للرأي أجرته شبكة "الباروميتر العربي" وهي شبكة بحثية مستقلة وذلك خلال ندوة صحفية عقدتها بالعاصمة المغربية الرباط، الجمعة وقالت: إنها استطلعت آراء 2411 مواطنة ومواطنا تم اختيارهم عشوائيا عبر مختلف مناطق المغرب من الـ11 من كانون الأول 2023 إلى الـ30 من كانون الثاني 2024.
وأضافت: إن نتائج الاستطلاع بينت أن "13 بالمئة فقط من المغاربة يؤيدون التطبيع مع إسرائيل، مقابل 31 بالمئة وفق نتائج الباروميتر العربي لعام 2022".
وحول أسباب هذا التغير في موقف الشارع المغربي من التطبيع، لفتت شبكة "الباروميتر العربي" إلى أن "الأحداث الأخيرة في غزة أدت إلى توقف مساعي التطبيع (بالمملكة)، وهو ما يتماشى مع آراء المغاربة، حيث تقول أقلية صغيرة فقط منهم إنهم يفضلون أو يؤيدون بشدة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل".
وحسب الاستطلاع فإنه "عندما طلب من المغاربة تعريف الأحداث في غزة بعد الـ 7 تشرين الأول الماضي، وصفوها في الغالب بأنها مذبحة (26 بالمئة)، أو حرب (24 بالمئة)، أو إبادة جماعية (14 بالمئة)، أو قتل جماعي (14 بالمئة)".
وأوضح أن "أقل من ربع المستجوبين (22 بالمئة)، يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية ملتزمة بحل الدولتين للصراع، مقابل 47 بالمئة يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية ليست ملتزمة على الإطلاق بحل الدولتين".
وخلصت الشبكة إلى أنه "من الواضح أن السياسات الخارجية التي تنتهجها دول العالم تجاه الحرب في غزة أثرت على صورتها في المغرب".
وبلغ هامش الخطأ في نتائج الاستطلاع سالب أو موجب 2 بالمئة.
وتُعرف "الباروميتر العربي" نفسها بأنها شبكة بحثية مستقلة وغير حزبية، تنجز استطلاعات للرأي في جميع أنحاء العالم العربي، حسب ما تقول على موقعها الإلكتروني.
أثار قيام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو خلال مقابلة تلفزيونية بعرض خريطة للمغرب دون الصحراء الغربية، ردود فعل غاضبة في المغرب بلغت حد المطالبة بإلغاء اتفاق التطبيع مع تل أبيب.
وعلى المقلب الآخر قال أوس رمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح: إن "المغاربة العقلاء يعرفون أن الصحراء المغربية لن يردها تطبيع أو غيره، فالصحراء المغربية في بلادها والمغاربة في صحرائهم، وأي ربط للتطبيع بقضية الصحراء المغربية مرفوض".
جاء ذلك بعد قيام رئيس وزراء الاحتلال بعرض خريطة يظهر فيها المغرب دون الصحراء المغاربية.
وأردف رمال "لم يسبق لإسرائيل أن كان لها موقف داعم للصحراء المغربية، وحتى في التوقيع الثلاثي كانت هناك في الحقيقة اتفاقات ثنائية، بين المغرب والولايات المتحدة، والمغرب و"إسرائيل"، والولايات المتحدة و"إسرائيل"، ولم نعرف ما فيها، والصهاينة يصرحون بأنهم لم يكن لهم التزام بشأن الصحراء المغربية".
واعتبر أن "استفزاز نتنياهو ليس جديدا.. يظنون أنهم سيستفزوننا بالصحراء، وأننا بتلوينها في الخريطة بلون مغاير سنلهث وراءهم"، وقال: "الدولة المغربية لا تتفاعل مع هذه الأحداث بشكل سريع، بل تشتغل بشكل إستراتيجي وتأخذ وقتها وتتخذ قراراتها في الأوقات المناسبة.. لكننا نأمل أن نرى قريبا تراجع الدولة المغربية عن جميع الاتفاقات التي تمت بمناسبة التطبيع وإعادة فتح مكتب الاتصال".
من جهته قال جمال العسري، الأمين العام لحزب اليسار الاشتراكي الموحد: إن حزبه منذ البداية "اعتبر أن المغرب لن يجني أي ربح من اعتراف دولة منبوذة وكيان إرهابي واحتلالي بمغربية الصحراء"، وأضاف: إن "كل من يراهن على ربح قضيتنا الوطنية بمساندة الكيان الصهيوني كمن يراهن على السراب".
وأشار السياسي اليساري إلى أن "الكيان الصهيوني يبتز المغرب لأنه صوت لمصلحة قيام دولة فلسطينية وندد ويندد بالمجازر وحرب الإبادة"، معتبرا أن "الموقف الرسمي المغربي بدأت تظهر عليه ملامح التغيير"، وما قام به نتنياهو "رسالة لكل المطبعين وكل الأصوات التي بررت التطبيع بأن تعود إلى صوت الشعب المغربي الرافض للتطبيع".
ويرى مراقبون أن الابتزاز السياسي الإسرائيلي أو لعبة عض الأصابع مع المغرب، ظهرت بوضوح خلال شهر تشرين الأول من العام الماضي، حينما استقبل نتنياهو، رئيسة الوزراء إيطاليا، جيورجيا ميلوني، حيث ظهرت خلال الاستقبال خريطة العالم في مكتب نتنياهو، تظهر الصحراء مفصولة عن المغرب، وهي الخرائط التي لم تتغير كما ادعى رئيس وزراء إسرائيل في إقراره السابق بمغربية الصحراء.
وبينما ظل التطبيع الدبلوماسي يراوح مكانه، عمق الجانبان المغربي والإسرائيلي جانب التعاون العسكري، من خلال عمل الرباط على زيادة قدراته المحلية لتصنيع الأسلحة وتحديث ترسانته وتوسيع استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية، فإلى حدود الساعة لا يزال السلاح الإسرائيلي “المتطور والثقيل” يجد طريقه السريع نحو المغرب.
وبشكل شبه يومي خلال الأشهر الأخيرة، تشهد العديد من المدن المغربية، بينها العاصمة الرباط، وقفات تضامنية مع قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية منذ الـ7 من تشرين الأول الماضي، ويطالب المشاركون في هذه الوقفات بقطع العلاقات مع تل أبيب ووقف الحرب وإدخال المساعدات.
وفي كانون الأول 2022، استأنف المغرب و"إسرائيل" علاقتهما الدبلوماسية بوساطة أمريكية، في خطوة أعربت قطاعات شعبية وقوى سياسية في المملكة عن رفضها، وأعقب ذلك زيارة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى إلى الرباط، توقفت مع بدء الحرب على غزة.
وخلفت الحرب التي يشنها كيان الاحتلال على قطاع غزة أكثر من 120 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وقرابة 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة العشرات.
ويواصل كيان الاحتلال هذه الحرب متجاهلا قرارا من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، و"تحسين الوضع الإنساني" بغزة.