الوقت- أدت التطورات الجيوسياسية في السنوات القليلة الماضية إلى إعادة تعريف طرق التجارة البحرية والبرية، وفي هذه الأثناء، أدى تشكيل منافسة الممرات بين القوى الاقتصادية في العالم إلى جعل البلدان ذات الموقع الجيوسياسي الأفضل تكافح من أجل الحصول على حصة أكبر من هذه السوق المزدهرة.
تلعب منطقة غرب آسيا وخاصة الخليج الفارسي دوراً بارزاً في العديد من ممرات التجارة الدولية الرئيسية بين شرق وغرب وشمال وجنوب العالم وتتمتع بمكانة فريدة في هذا المجال.
في هذا الوضع، وبينما كانت مختلف دول منطقة الخليج الفارسي تخطط لتطوير البنية التحتية للنقل منذ سنوات، تعد الكويت واحدة من الجهات الفاعلة التي اتخذت مؤخرًا خطوات أساسية لتطوير "ميناء مبارك" في محاولة للتعويض عن النقص في البنية التحتية للنقل، وفي هذا الصدد، أعلنت وكالة الأنباء الكويتية أن وفداً صينياً سافر إلى هذه الدولة الغنية بالنفط المطلة على الخليج الفارسي في الأيام الأخيرة لإجراء "مناقشات فنية وميدانية متعمقة" مع السلطات الكويتية حول بناء ميناء مبارك الكبير ومشاريع أخرى.
أعلنت وزارة الأشغال العامة في بيان لها الثلاثاء الماضي، أن وزيرة الأشغال العامة الكويتية نورا المشعان، برفقة السفير الصيني لدى الكويت، يرافقهما وفد فني مكون من خبراء ومهندسين متخصصين في المشاريع الكبيرة من الصين والكويت، زارت موقع ميناء مبارك.
وحسب هذا البيان فإن هذه الزيارة تأتي تنفيذا لمذكرة التفاهم المتعلقة بإنشاء مشروع ميناء مبارك والتي تم التوقيع عليها بين الكويت والصين خلال زيارة الشيخ مشعل الأحمد الجابر أمير هذه البلاد في سبتمبر من العام الماضي، حيث أكد السفير الصيني لدى الكويت تشانغ جيان وي أن الرئيس شي جين بينغ يولي اهتماما كبيرا للكويت، وأوضح أن هناك رغبة في زيارة الكويت، وأكد على تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع الكويت.
وعلى الرغم من أن الكويت حليف رئيسي للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا وواحدة من أغنى دول العالم بسبب احتياطياتها النفطية، إلا أن أهداف التنمية في البلاد تعرقلت منذ فترة طويلة بسبب الاختلالات السياسية والأزمات المستمرة بين الحكومة ومجلس النواب، حيث إن الخلافات المستعصية التي أدت إلى إسقاط حكومات غير مستقرة، جعلت ملك هذا البلد يقرر حل وتعليق البرلمان إلى أجل غير مسمى.
وفي الـ10 من مايو، أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمرا بحل مجلس الأمة وتعليق بعض مبادئ الدستور لمدة أقصاها 4 سنوات، وقال أمير الكويت: "لن أسمح أبدا بإساءة استخدام الديمقراطية لتدمير الحكومة".
وقال كريستيان سميث ديوان الباحث في شؤون الخليج الفارسي المقيم في معهد في واشنطن لبلومبرج: إن "إحياء مشروع ميناء مبارك يشير إلى أن أمير الكويت ينوي استغلال تعليق البرلمان لدفع المشاريع التي توقفت بسبب الخلافات بين المشرعين والوزراء".
ومن الجدير بالذكر أن دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قامت باستثمارات ضخمة في تطوير موانئها في السنوات الأخيرة، وحالياً تتم معظم التجارة البحرية في الخليج الفارسي من هذه الموانئ، وللكويت تاريخ طويل في التنافس مع دول الخليج العربية الآخرى.
الموقع الجغرافي وأهمية ميناء مبارك
ميناء مبارك الكبير هو ميناء قيد الإنشاء يقع في شرق جزيرة بوبيان الواقعة شمال الكويت، وسيتم بناء هذا الميناء على أربع مراحل، تم الانتهاء من المرحلة الأولى التي تحتوي على 4 أرصفة في عام 2015، وفي النهاية سيكون أحد أكبر الموانئ في الخليج الفارسي مع بناء 60 رصيفًا.
ويرتبط هذا الميناء بالبر الرئيسي عن طريق ثلاثة جسور وطريق سريع في سوبيا وطريق الحرير، ومن المفترض أن يكون متصلاً بتركيا عن طريق سكة حديد الخليج الفارسي.
وبالتركيز على هذا المشروع المهم، قرر مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الأخير تخصيص 186 مليون دينار لوزارة العمل لاستكمال مشروع ميناء مبارك في العام المالي 2024-2025.
وقالت مصادر مطلعة لصحيفة القبس: إن المبلغ المخصص لهذا المشروع الذي يندرج تحت بند المشاريع الرأسمالية يدل على جدية الحكومة في استكمال هذا المشروع الإنشائي الضخم الذي كان من المفترض الانتهاء منه منذ سنوات.
وحسب دراسات الجدوى لمشروع تطوير ميناء مبارك فإن تكلفته تبلغ 990 مليون دينار وسيتم بناؤه على مساحة حوالي 1161 هكتارا وبطاقة تحميل تبلغ 8.1 ملايين حاوية، وسيتم الانتهاء منه ضمن 9 عقود تنفيذ.
وذكرت مصادر مطلعة أن مشروع ميناء مبارك سيحول أراضي الكويت إلى مركز رئيسي لتجارة الترانزيت والنقل الإقليمي، ما سيساعد على تحقيق الهدف المنشود وهو تحويل الكويت إلى مركز أعمال إقليمي.
وذكرت هذه المصادر أن ميناء مبارك سيؤثر أيضًا على تطوير قطاع عمليات النقل البحري بهدف تعظيم حجم الاستثمارات المحلية للقطاع الخاص الكويتي في البلاد وجذب الشركات والمستثمرين الأجانب الذين لم يتم استغلالهم منذ عقود.
ويساعد هذا المشروع على رفع كفاءة البنية التحتية التنموية في الجزء الشمالي من البلاد، ما يؤدي إلى خلق آلاف فرص العمل للشباب الكويتي.
منافسة مبارك المثيرة للجدل مع ميناء الفاو في العراق
يواجه ميناء مبارك منافسة مباشرة مع ميناء الفاو العراقي، حيث ألغت بغداد اتفاقية بحرية كانت تسمح للكويت بالوصول عبر ممر خور عبد الله، ما أثار خلافا بين البلدين.
ويأتي إحياء المشروع بعد نحو 10 سنوات من توقف بنائه، حيث طغت عليه خطة العراق الطموحة لبناء شبكة طرق وسكك حديدية بقيمة 17 مليار دولار لتعزيز التجارة في المنطقة، والتي شاركت فيها تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وجاءت تحركات الكويت الأخيرة بعد أن أبطلت المحكمة العليا في العراق اتفاقية خور عبد الله التي تنظم الشحن بين البلدين، بالإضافة إلى توقيع بغداد على الاتفاقية الرباعية لمشروع طريق التنمية مع تركيا والإمارات وقطر خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى بغداد.
تم الإعلان عن البناء الأول لمشروع ميناء الكويت الضخم في عام 2007، وتم البدء في عملياته التنفيذية اعتباراً من أبريل 2011، ووفقاً للخطط الأولية، كان من المفترض أن يتم الانتهاء من بناء المشروع بأكمله في عام 2016 بتكلفة قدرها حوالي 1.1 مليار دولار. وأثار هذا الإجراء غضب العراق، الذي يعتقد أن بناء ميناء في جزيرة بوبيان سيمنع وصول ميناء الفاو إلى مياه الخليج الفارسي، وهو الرابط الوحيد للبلاد بالبحر.
وفي يوليو/تموز 2011، وفي أعقاب خلاف سياسي بين البلدين، طلبت بغداد رسميًا من الكويت وقف العمل في ميناء مبارك، لكن الكويت رفضت رسميًا طلب العراق، وفي عام 2013، وقع البلدان اتفاقية لتنظيم حركة الملاحة البحرية في مضيق عبد الله الذي يربط العراق بمياه الخليج الفارسي.
وبناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 الذي صدر عام 1993 عقب غزو العراق للكويت، تمت مراجعة حدود البلدين وتقسيم مياه مصب عبد الله بالتساوي بين الجانبين.
ويعترض العراقيون على الاتفاقية لأنهم يعتقدون أنها تتيح للكويت الوصول إلى المياه الإقليمية العميقة داخل العراق، ما يمنع التجارة البحرية من التحرك عبر موانئ البلاد المقيدة.
لكن المحكمة العليا في العراق قضت في سبتمبر/أيلول الماضي بعدم دستورية اتفاقية خور عبد الله، التي تقيد الملاحة البحرية في الممر المائي الذي يفصل بين الكويت وبغداد.
والآن يبدو أنه بعد احتجاج الكويت على قرار المحكمة الدستورية العراقية بشأن اتفاقية خور عبد الله، فإن الإعلان عن الاستثمار في ميناء مبارك يعد خطوة عملية لحماية مصالحها من الاتفاقية.
العوائق في طريق هذا الميناء
ورغم أن الكويت تحاول تطوير طرقها البحرية بمساعدة الصينيين، حسب بلومبرغ، إلا أنه لا تزال هناك العديد من العقبات التي قد يواجهها هذا المشروع، لأن العديد من الموانئ المهمة، بما في ذلك موانئ دبي وأبو ظبي، مغلقة حاليا في الخليج الفارسي، وتشكل هذه القضية تحدياً خطيراً أمام إعادة تنشيط موانئ الكويت.
وفي هذا الصدد، صرح سميث ديوان أيضًا لبلومبرج، في إشارة إلى النزاعات التي لم يتم حلها مع العراق: "ركزت الكويت تخطيطها الاستراتيجي على مشروع الميناء والمدينة في الشمال، الذي يشجع التنمية الموجهة نحو التجارة، من أجل ترسيخ دورها في منطقة شمال الخليج الفارسي ولكنه سيكون غير ممكن في حال لم يتم حل المشكلة البحرية مع العراق".
