الوقت- في الوقت الحالي، وضعت الصين، التي تهدف إلى أن تصبح القوة الاقتصادية العظمى في العالم في العقدين المقبلين، تنمية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول النامية على جدول أعمالها لتحقيق هذا الهدف.
ومن بين اللاعبين الذين يمكنهم مساعدة الصين في هذا الاتجاه هي الدول العربية، التي تلعب دورا مهما في الأسواق العالمية بسبب مواردها من النفط والغاز وموقعها الإستراتيجي، ولهذا السبب عقدت سلسلة من الاجتماعات في السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات بين الجانبين المنعقدة بين المسؤولين الصينيين والعرب.
وفي هذا الصدد، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أنه في الفترة من الـ28 من مايو إلى 1 يونيو (الثلاثاء إلى السبت)، سيزور رؤساء البحرين ومصر وتونس والإمارات العربية المتحدة هذا البلد بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وقال نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي إن شي سيحضر القمة يوم الخميس وسيلقي خطابا مهما، وأكد هذا المسؤول الصيني أن شي سيعقد أيضا محادثات مع رؤساء الدول الأربع لتبادل وجهات النظر حول العلاقات الثنائية والإقليمية والقضايا الدولية.
وقال دنغ: "إن هذا الاجتماع يهدف إلى تعميق "التوافق بين الصين والدول العربية"، وسيعقد برئاسة الدبلوماسي الكبير وانغ يي ونظرائه العرب، وقال إنهما سيصدران أيضا بيانا مشتركا بشأن القضية الفلسطينية.
وتتمحور علاقات الصين مع الدول العربية حول الطلب على الطاقة وخطة "الحزام والطريق"، وفي عام 2015، أصبحت الصين رسميًا أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، حيث يأتي ما يقرب من نصف إمداداتها من الشرق الأوسط، وتعتبر منطقة غرب آسيا مفترق طرق استراتيجي لطرق التجارة والممرات البحرية التي تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، ما يضع الصين في مركز شبكات التجارة العالمية، وتتركز علاقات الصين مع المنطقة حاليا على الدول الخليجية نظرا لدورها المهيمن في أسواق الطاقة، لكن قادة بكين أعطوا الأولوية لتطوير العلاقات مع الدول العربية الأخرى.
يعد منتدى التعاون الصيني العربي، الذي تأسس قبل عقدين من الزمن في عام 2004 خلال زيارة الرئيس الصيني آنذاك هو جين تاو إلى القاهرة، بمثابة منصة تربط الصين بالدول الأعضاء في جامعة الدول العربية البالغ عددها 22 دولة، وبموجب هذه الآلية يجتمع وزراء خارجية 23 دولة كل عامين لبحث التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن.
وفي السنوات الأخيرة، اجتمع كبار المسؤولين أيضًا بشكل دوري لاستكشاف تعاون أعمق في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والصحة العامة، وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، دعا شي جين بينغ، في القمة العربية الصينية الأولى في الرياض إلى تعزيز المجتمع الصيني العربي أقرب إلى مستقبل مشترك.
الصين هي الشريك التجاري الأكبر للعرب
وفي تقارب الصين مع الدول العربية، أصبح الاقتصاد في مركز الاهتمام، وظلت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة، وحسب البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الصينية، فإن حجم التجارة بين الجانبين سيصل إلى 398 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بـ 36.7 مليار دولار في عام 2004.
ولذلك يرى بعض الخبراء أن الاجتماع الحالي سيزيد من تعزيز العلاقات الثنائية، ومن المتوقع أن توفر هذه الاجتماعات فرصًا لجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر، مع الأخذ في الاعتبار اتجاه الحكومة نحو زيادة آليات توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا.
وتحرص مصر على العمل بشكل وثيق مع القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وفي هذا الصدد، سيجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رؤساء العديد من الشركات الصينية الكبرى.
وبما أن مصر أضعف اقتصاديا مقارنة بالدول الخليجية، ويرتبط معظم دخلها بعبور البضائع عبر قناة السويس، يحاول قادة القاهرة الاستفادة من قدرات الصين لتطوير بنيتها التحتية الاقتصادية، وتحاول الولايات المتحدة بمساعدة بعض الدول العربية في الخليج الفارسي بناء الممر الهندي الأوروبي وتجاوز قناة السويس، ويشعر المصريون بالقلق بشأن هذه القضية ولهذا السبب يحاولون زيادة تفوقهم مع مصر، وينبغي تجنب الآثار الضارة للخطط الأمريكية، حيث إن التعاون بين مصر والصين في المجالات السياسية، والبناء المشترك لخطة "الحزام والطريق"، والاقتصاد والتجارة، والتبادلات الشعبية والثقافية، يتعمق باستمرار ويحقق نتائج مفيدة.
وعلى وجه الخصوص، فإن عقد هذا الاجتماع الوزاري الجديد سيزيد من تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية والصين، والذي يشمل التعاون في مجال الطاقة الجديدة، والتعاون العلمي والتكنولوجي، والتعاون في مجال حماية البيئة، وما إلى ذلك.
بالنسبة للدول الغنية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين أمر مهم للغاية، وعلى الرغم من أن هذه الدول كانت في معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة لعدة عقود، من أجل تحقيق التوازن في علاقاتها مع الشرق والغرب، إلا أنها في السنوات الأخيرة انضمت أيضًا إلى بكين، وحاليًا، تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لهذه الدول وتتفوق بفارق كبير على منافستها الغربية، ويظهر أن الجيل الجديد من أمراء العرب في الدول الخليجية قد أدرك دور الصين ومكانتها في العالم.
وكتبت بلومبرج الأسبوع الماضي أن الإمارات العربية المتحدة تلعب دورًا رئيسيًا في مبادرة الحزام والطريق، وهي محرك البنية التحتية العالمي لبكين، مع تسجيل أكثر من 6600 علامة تجارية صينية في البلاد، وبحلول نهاية عام 2022، سيكون لدى الإمارات نحو 12 مليار دولار من الاستثمارات الصينية المباشرة، أي أربعة أضعاف ما لدى السعوديين.
أفاد موقع عرب نيوز في أبريل نقلا عن دراسة أجراها بنك الإمارات دبي الوطني ومقره دبي أن المملكة العربية السعودية اجتذبت 16.8 مليار دولار من الاستثمارات الخضراء من الصين في عام 2023، بما في ذلك في صناعات السيارات وأشباه الموصلات.
ووفقا لبيانات الجمارك الصينية، فإن حجم التجارة بين الصين والشرق الأوسط تضاعف تقريبا من 262.5 مليار دولار إلى 507.2 مليار دولار في الفترة 2017-2022، ويعتبر الشرق الأوسط الشريك التجاري الأسرع نمواً للصين في عام 2022، حيث ينمو بنسبة 27.1% مقارنة بعام 2021.
بالنسبة لبكين، يعتبر النفط أحد أهم الواردات، حيث تحصل الصين على أكثر من ثلث احتياجاتها من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي الست، والتي تأتي الحصة الرئيسية منها من المملكة العربية السعودية، ويبلغ حجم التجارة بين السعودية والإمارات مع الصين أكثر من 150 مليار دولار، ما يدل على أن العلاقات الثنائية تسير على مستوى جيد للغاية.
فالصين هي أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، والدول العربية هي أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، وتعد خمس دول عربية من بين أكبر 10 مصادر لواردات الصين من النفط الخام، وبالإضافة إلى مجال الطاقة، حقق التعاون بين الصين والعرب أيضا تقدما كبيرا في مجالات مثل البنية التحتية والفضاء والطاقة الجديدة، وفي هذه المجالات، تتمتع الصين بمزايا فريدة والدول العربية لديها احتياجات تنموية قوية، وبالتالي فإن التعاون مفيد للجانبين.
وتحاول الدول العربية الاستفادة من قدرات الصين في المجال الاقتصادي، وخاصة في أحدث التقنيات العالمية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، والاستثمارات في البنية التحتية.
وتحتاج الصين أيضًا إلى مساعدة الدول العربية لتحقيق أحلامها الطموحة، ويعد ممر "الحزام والطريق" مشروعا عملاقا للصينيين، ويمر جزء من طريق العبور هذا عبر الدول العربية في المنطقة، وتحاول الصين إشراك العديد من الدول في خطتها العالمية، ومن خلال جعل دول أخرى تعتمد على هذا الممر المهم، يمكنها جس نبض الأسواق العالمية من خلال تطوير علاقاتها التجارية مع هذه الدول.
أطلقت المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية المنتجة للنفط استراتيجية لتنويع اقتصاداتها، على النحو المبين في رؤية 2030، لتقليل اعتماد اقتصاداتها الوطنية على النفط، وتتوافق استراتيجيات التحول الاقتصادي في الدول العربية مع مبادرة "حزام واحد، طريق واحد".
تقع الدول العربية على مفترق طرق مبادرة الحزام والطريق وهي شريكة طبيعية في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، ووقعت جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية وثائق تعاون مع الصين من أجل البناء المشترك لـ "الحزام والطريق"، وفي السنوات العشر الماضية، نفذت الصين والدول العربية أكثر من 200 مشروع تعاون رئيسي في إطار البناء المشترك لـ "الحزام والطريق"، وقد استفاد مليارا شخص في الجانبين من هذا التعاون.
الحرب الباردة بين الشرق والغرب في المنطقة العربية
وبينما يتزايد ثقل الصين الاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة، تظل الولايات المتحدة شريكًا أمنيًا رئيسيًا للدول الخليجية، ولديها قواعد عسكرية كبيرة في دول مثل البحرين وقطر، وتزودها بالتكنولوجيا الدفاعية.
ومع ذلك، تتطلع الدول العربية أيضًا إلى التعاون العسكري مع الصين، وقد تم اتخاذ خطوات في هذا الصدد، وبعد بدء حرب أوكرانيا مع الولايات المتحدة، توترت الإمارات والسعودية وحاولتا تعزيز علاقاتهما مع الصين في المجال الأمني أيضًا، كما يتم إجراء مناورات عسكرية وتوقيع عقود أمنية لشراء أسلحة من الصين في هذا الاتجاه.
ورغم أن هذا التقارب الأمني بين العرب والصين لا يزال في بدايته بسبب الضغوط الأمريكية، إلا أنه مع إنشاء السكك الحديدية فإن تطور التعاون الأمني بين الجانبين ليس بعيداً عن المتوقع في السنوات المقبلة.
وتسعى واشنطن أيضًا إلى إبرام صفقة دفاعية جديدة مع المملكة العربية السعودية، والتي من المفترض أن تكون جزءًا من عملية إعادة تنظيم إقليمية أوسع نطاقاً سيقوم السعوديون من خلالها بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، فأمريكا تشعر بالقلق من الوجود الصيني القوي في الدول العربية، وتحاول إبعاد العرب عن الصين من خلال الضغوط السياسية والأمنية، ولهذا الغرض، تتبع الولايات المتحدة سياسة إبعاد الرياض عن بكين في الوقت نفسه الذي تخطط فيه لتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني.
ومن الممكن أن يؤدي هذا المشروع إلى إبطاء تقدم أعمال الصين في الشرق الأوسط من خلال خلق حواجز في قطاعات التكنولوجيا الفائقة مع وجود عنصر أمني، وهناك مؤشرات على أن الولايات المتحدة تضغط على الدول العربية لقطع علاقاتها مع بكين في مثل هذه المجالات.
وافقت شركة G42، أكبر شركة في مجال الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة، مؤخرًا على التخلي عن الصين لمصلحة التكنولوجيا الأمريكية، ما يشير إلى استعدادها لفعل الشيء نفسه من خلال توقيع صفقة بقيمة 1.5 مليار دولار مع صندوق الذكاء الاصطناعي السعودي الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار.
ورغم الضغوط الأمريكية، قالت هونغدا فان، أستاذة دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، في مقابلة مع صحيفة غلوبال تايمز: إن "السعودية لا تضع كل بيضها في سلة واحدة، وإن التعاون الدفاعي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لن ينتهي على حساب علاقات البلاد مع الصين".
تشعر دوائر السياسة الأمريكية بالقلق من أنه نظراً للشراكة العسكرية الوثيقة بين الولايات المتحدة والدول الخليجية، فإن المعدات التكنولوجية الهائلة للصين في البنية التحتية الرقمية لدول مجلس التعاون يمكن استخدامها لأغراض جمع المعلومات الاستخبارية.
ومن ناحية أخرى، وعلى عكس الولايات المتحدة التي كانت مصدر المشاكل والصراعات في الشرق الأوسط، فإن الصين ملتزمة دائما بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة وحل النزاعات وتحييد الصراعات من خلال الحوار والمفاوضات، وفي قصة اتفاق السلام بين السعودية وإيران، فضلا عن دعمها الواسع لفلسطين ضد جرائم الكيان الصهيوني، أظهرت الصين أنها فاعل سلمي في الشرق الأوسط، وهذا حافز جيد للدول العربية لتعزيز علاقاتها مع هذا العملاق الآسيوي.
إن القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية التي تتمتع بها الصين، مقترنة بمقعدها الدائم في مجلس الأمن، تضمن نمو نفوذها العالمي بمرور الوقت، وهذا هو السبب الذي يجعل الدول الخليجية يعتبرون الصين مصدرًا مهمًا للدعم السياسي، فبينما يتعرض العرب لضغوط من الولايات المتحدة بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، تلتزم الصين الصمت إزاء القضايا الداخلية لهذه البلدان، ومن المتوقع أنه خلال اجتماع هذا الأسبوع في بكين، سيعمل الجانبان على تعزيز الاتصالات والتبادلات بينهما وتعزيز روح الصداقة بين الصين والعرب من خلال تعزيز تضامنهم.
نفوذ الصين من خلال قضية فلسطين
ومن القضايا المهمة التي دفعت الصين والعرب نحو التعاون في السنوات الأخيرة هي القضية الفلسطينية، حيث إن القضية الفلسطينية تشكل أهمية أساسية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ونأمل أن يساهم اجتماع بكين في الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع الدائر في غزة وإرساء الاستقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط.
وبينما تدعم إدارة بايدن "إسرائيل" في الصراع، تدعم الصين الدول العربية والوقف الفوري لإطلاق النار والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وسيساعد هذا التحالف بكين على توسيع نفوذها السياسي في البلدان التي كانت تعتبر الصين حتى وقت قريب شريكًا اقتصاديًا واكتساب حلفاء جدد في منافستها العالمية على النفوذ مع الولايات المتحدة.
ويجري اللقاء مع زعماء الدول العربية في بكين بينما تحاول الصين تقديم نفسها كوسيط في القضية الفلسطينية، حيث ظلت الصين تاريخيا متعاطفة مع القضية الفلسطينية وتدعم ما يسمى حل الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويرى مراقبون أن زيارة الزعماء العرب إلى بكين، بعد فشل أمريكا والغرب في ممارسة ضغوط حقيقية على الكيان الصهيوني، تهدف إلى إيجاد حل نهائي وإمكانية عقد مؤتمر دولي للسلام.
وفي عالم مضطرب بشكل متزايد، يدعم العرب والصين، الذين لديهم وجهات نظر متشابهة بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، قدرات بعضهم البعض في مسارات التنمية الخاصة بكل منهم ويسعون إلى التعاون المشترك لحماية المصالح المشتركة لجنوب العالم، ولذلك، من المتوقع أن يساعد الاجتماع القادم ليس فقط على توسيع آفاق جديدة للتعاون الصيني العربي في مجموعة واسعة من المجالات، بل يساعد أيضا في تسهيل التواصل وبناء التوافق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.