الوقت- لا توجد نهاية حقيقية وسريعة للحرب في غزة، على الرغم من أنه بعد مرور ما يقرب من 8 أشهر على بدء هذه الحرب غير المتكافئة، استشهد على يد الكيان الصهيوني الغاصب أكثر من 37 ألف فلسطيني، وخلف أكثر من 85 ألف جريح في أيديهم.
كل هذا ليس انتصاراً لكيان تل أبيب المزيف، بل هو وثيقة إفلاسه، لقد خلفت عملية طوفان الأقصى، التي بدأت تهب باتجاه "إسرائيل" في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر بجهود منظمة حماس، مجتمعا في قلب الأراضي المحتلة ليس لديه أي وحدة عمليا، وهو غارق أكثر من أي وقت مضى في عمره الذي يقرب من 80 عاما من حياة طويلة بائسة، في الانقسامات والخلافات الداخلية.
في الماضي، كلما حلت ذكرى تشكيل هذه الحكومة غير الشرعية، كانت بوادر الاصطفاف بين بعض الطبقات تلاحظ في تل أبيب، أما هذا العام، فكل ما شوهد في مراسم الذكرى، تفوح منه رائحة الانفصال والاغتراب أكثر وأكثر، المزيد من الأشخاص من الحكومة، بل وخلافات قوية في الرأي بين أعضاء المجلس، وكانت الحكومة تناقش كيفية تنظيم الحرب في غزة واتخاذ قرارات جديدة بشأنها.
ما هو المؤلم أكثر من قتل الأطفال؟
لفترة طويلة، أراد الإسرائيليون أن تقبل حكومتهم وقفاً فورياً وغير مشروط لإطلاق النار في الحرب الوحشية التي يشنها كيانهم في قطاع غزة، حتى يتمكنوا من تبادل العدد الكبير من الأسرى الذين تحتجزهم حماس في غزة في اتفاق ثنائي مع الأسرى الفلسطينيين.
وذلك في ظل الظروف التي لم يعرها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المتطرف لكيان قتل الأطفال في تل أبيب، وحكومة الحرب التي عينها منذ اليوم التالي لبدء اقتحام الأقصى، أقل قدر من الاهتمام لهذا الأمر، بل كانوا منشغلين بمداهمة وقصف غزة ليلاً ونهاراً انتقاماً للضربات التي وجهها مقاتلو حماس وأعضاء حركة الجهاد الإسلامي لهذا الكيان في بداية هذه العاصفة، وكانت نتيجة هذا النهج المتطرف القتل المروع للآلاف من الشعب الفلسطيني الأبرياء وغير المسلحين، والأدهى من ذلك أن ما يقارب 80% من الشهداء الفلسطينيين هم من النساء والأطفال.
ماذا يريد خصوم نتنياهو في الداخل؟
حتى في اليوم الذي احتفلت فيه الحكومة الإسرائيلية بذكرى تأسيسها المشؤوم، وبدلاً من مظاهرة موحدة للشعب لمثل هذا الحدث، انقسموا إلى مجموعات مختلفة وقالوا أشياء مختلفة، ولكن الرغبة المشتركة للجميع كانت وقف التوترات الداخلية وإنهاء الصراع، وذلك لأن المجتمع قسمهم إلى عدة أجزاء وجعل مستقبل "إسرائيل" أكثر اهتزازا وغموضا من أي وقت مضى.
ليس فقط أن نتنياهو ليس لديه تصميم جدي على إنهاء هذه الحرب، بل هناك أيضا العديد من المعارضين لأفكاره داخل حكومته.
الأشخاص الذين يعتقدون أنه بما أن أهداف نتنياهو ومطالباته الحلمية لم تتحقق، فلا فائدة من مواصلة الحرب الحالية، وتأثيرها الوحيد هو إثارة المزيد والمزيد من المشاعر غير المواتية في العالم تجاه كيان تل أبيب المزيف الذي جعل الصهاينة سيئيي السمعة أكثر فأكثر في الرأي العام، وعاجلاً أم آجلاً سوف تجف جذور كيانهم الإجرامي.
ويقول معارضو نتنياهو في الداخل إنه فقط من خلال الاقتراب من رئيس دولة أكثر اعتدالا وعقلانية من نتنياهو ومحاولة جمع أنقاض حرب غير مبدئية، يمكن الحفاظ على حياة الناس المتبقين في الأراضي المحتلة، وإلا فإنهم سيكونون أيضا في خطر، وسوف تشتعل نيران غضب المجتمع الدولي بسبب كثرة الجرائم.
تجاهل المطالبات
الفارق الكبير بين مسيرة الصهاينة الأخيرة في تل أبيب لتحقيق مطالبهم السياسية والاجتماعية وبين المسيرة المليئة بالحزن للشباب الفلسطيني المهجر في قطاع غزة ومدينة رفح هو أن المجموعة الأولى تأتي من قلب الأنانية، والمجتمع الأناني بعد تلقيه أقوى الصفعات السياسية والضربات العسكرية خلال طوفان الأقصى يبحثون عن مكان آمن ومستعدون للكف عن البقاء في الأراضي المحتلة بعد استعادة أسراهم.
إنهم مستعدون للعودة إلى أوروبا، القارة التي هاجر منها أجدادهم في أواخر الأربعينيات وجاؤوا إلى فلسطين واحتلوا هذه الأرض ظلما، لكن المجموعة الثانية لها وجهة نظر ومنهج مختلف تماما.
بعد أن عانوا أسوأ المعاناة خلال الحرب الحالية في غزة، أصبح الأطفال الفلسطينيون أكثر خبرة ببضع سنوات وأكبر قليلا من أعمارهم الحقيقية، ونتيجة لذلك، فهم على استعداد لدفع أي ثمن باهظ للبقاء في الأرض التي هي ملك لهم.
خلال الإبادة الجماعية الوقحة للصهاينة في غزة، حتى المستشفيات دمرت فوق رؤوس المرضى، وسوف يكبر المراهقون الذين فقدوا أمهاتهم بهذه المعاناة وبالطبع الإصرار على الانتقام ونيل حقهم ودحر الصهاينة من فلسطين ولن يبخلوا بأي جهد في سبيل ذلك.
وفي تل أبيب ستجد عددا قليلا من الأشخاص المستعدين لاحترام تعليمات الحكومة الصهيونية، لأن هذا الاعتقاد ترسخ في أوساط سكان المنطقة وجميع الإسرائيليين الذين وجدوا مكانا لأنفسهم من خلال المستوطنات غير القانونية في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية، حيث إن حكومة تل أبيب لا تتمتع بقاعدة شعبية وليس لدى هؤلاء المسؤولين استعداد للمخاطرة بمصالحهم لحمايتهم.
ويرى نتنياهو أنه لا ينبغي للمواطنين الإسرائيليين إعطاء الأولوية لرغباتهم الشخصية على المصالح الوطنية، حتى لو كانت تلك الرغبات هي إطلاق سراح السجناء الصهاينة وإعادتهم إلى عائلاتهم، ومع ذلك، يعرف الإسرائيليون أنه في الموجة المقبلة من التغييرات في تل أبيب، لن يكون نتنياهو مستمرا بالتأكيد، وسواء جاء يائير لابيد إلى العمل أو بيني غانتس (أو طرف ثالث)، فإن السياسات التي تتبناها حكومة تل أبيب سيتم تخفيفها إلى حد كبير وجعل هذه الحكومة مستدامة، وفي طور الإصلاحات التي سيتم تنفيذها بلا شك بعد انتهاء حرب غزة.
أين هذا وأين ذاك؟
وبعد مرور جيلين، عندما تحول المراهقون الفلسطينيون الحاليون في غزة والضفة الغربية إلى رجال، واستمر عدد قليل من الإسرائيليين المتبقين في الأراضي المحتلة في العيش في خوف وسرية، فإن الظروف على جانبي هذا الصراع ستكون مختلفة تمامًا عن كل منهما.
وإذا بقيت "إسرائيل" على مبدئها ولم يتشابك ملفها، فإن على سلطاتها وشعبها أن يحترموا مطلب المجتمع الدولي بضرورة الحفاظ على حق كل إنسان في العيش الكريم وعدم جعل حياته أكثر بؤساً مما هي عليه الآن، أين هذا والشباب المطالب بالحق من أعضاء حماس أو فتح أو أي منظمة فلسطينية تطالب بالعدالة على استعداد لتقديم أي تضحية من أجل الحفاظ على وجود هذا الوطن؟.
واليوم، يتزايد باستمرار عدد الدول التي تعترف بوجود فلسطين كدولة مستقلة في العالم، بل يرفض الفلسطينيون العملية التي يقترحها الغربيون، والتي تبشر بتشكيل دولتين متزامنتين هما "فلسطين" و"إسرائيل" "وتعايشهم السلمي، فهم ينكرون ذلك جديا.
إن ما تريده حماس وكل جماعة وطنية أخرى في فلسطين وتموت من أجله في ذلك اليوم ـ وحتى اليوم ـ هو حياة حرة في المنطقة خالية من شر الإسرائيليين، وليس وجوداً مزيفاً لا يستمر إلا بدعم كبير من أمريكا وبعض الحكومات الغربية الكبرى الأخرى، والذي جعل حياة هذا الكيان الغاصب ممتدة إلى هذا الحد.