الوقت- في يوم الخميس الماضي، في أول رحلة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيسًا لروسيا، ذهب بوتين إلى الصين للاحتفال بالذكرى الـ75 للعلاقات بين البلدين، ما يظهر تشكيل تحالف إستراتيجي أكثر من أي وقت مضى.
ويقول الخبراء إن الآن هو العصر الذهبي للعلاقات الصينية الروسية؛ وقد تم حل القضايا الحدودية، وتتوافق مناهج البلدين بشأن معظم القضايا الدولية، وينمو التعاون الاقتصادي الثنائي، بل إن هناك صداقة شخصية بين قادة البلدين.
ويلتقي بوتين وشي أكثر من أي زعيم آخر (حوالي 5 مرات في السنة)، وقد التقى الزعيمان الحاليان لروسيا والصين أكثر من 20 مرة، كثيرا ما يستخدم بوتين عبارة "صديقي" عند الإشارة إلى شي جين بينغ في المقابلات الرسمية.
ولذلك، كانت هذه الرحلة والسجادة الحمراء في بكين بالنسبة لبوتين بمثابة استعراض للوحدة أحبط القادة الغربيين من تنفيذ خطة إبعاد الصين عن روسيا بعد حرب أوكرانيا، وكما كتب ألكسندر غابويف، مدير مركز كارنيغي الروسي لأوراسيا في برلين، في صحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع: "لم تكن روسيا بعيدة عن أوروبا قط إلى هذا الحد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم تكن قط في تاريخها بأكمله كذلك متشابكة مع الصين".
وفي الأشهر القليلة الماضية، حاول الغربيون جاهدين الضغط على شي جين بينغ قائلا: إن توسيع العلاقات مع روسيا من شأنه أن يضر بمصالح الصين الخاصة، وقد عاد شي للتو من جولة إقليمية في ثلاث دول أوروبية، حيث نصحته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بضرورة إنهاء الدعم لما يسمونه آلة الحرب الروسية.
وفي الأسابيع الأخيرة، وضعت واشنطن الصين تحت ضغوط شديدة بسبب توريد سلع مزدوجة الغرض (مع إمكانية تطبيقها عسكريا) إلى روسيا تحت عنوان التجارة والتكنولوجيا.
والثلاثاء الماضي، فرضت إدارة بايدن تعريفات جمركية صارمة على بضائع صينية بقيمة 18 مليار دولار، وهو ما يقول الخبراء إنه ضغط بشكل غير مباشر على علاقة بكين مع الكرملين.
في غضون ذلك، تريد الصين أن تظهر نفسها على الحياد تجاه أوكرانيا، وسبق أن قدمت خطة شاملة للسلام لتكرار الدور الناجح الذي لعبته بكين في قصة الاتفاق على استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، لكن منع حرب نووية وتوسيع الأزمة بأبعاد اقتصادية سلبية على التجارة العالمية، والتعامل مع تكرار السيناريو الأوكراني في مسألة التدخلات الغربية في تايوان وبحر الصين الجنوبي، هي مكونات طالت أيضاً مصالح الصين في المنطقة.
من المؤكد أن رحلة بوتين إلى الصين أشبه بالذهاب إلى جزيرة الكنز، حيث تمكن من حل جزء كبير من المشاكل الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية، وعلى أمل كسر ظهر الاقتصاد الروسي، فرض الغربيون أكثر من 16500 عقوبة على البلاد لمنع وصول موسكو إلى النظام التجاري الدولي، لكن التحول إلى التجارة مع العملاق الاقتصادي الشرقي كان قادرا على تخفيف عبء العقوبات على روسيا بشكل كبير، ومن المتوقع أن تصل التجارة الثنائية إلى 240.1 مليار دولار في عام 2023، بزيادة 26.3% من 190 مليار دولار في العام الماضي، ولا يزال بوتين يتطلع إلى زيادة هذا الرقم.
الطاقة على رأس التعاون الاقتصادي
وتعد الطاقة أحد أهم مجالات رغبة روسيا في الاستحواذ على السوق الصينية، لأنه من خلال قطع صادرات الغاز إلى أوروبا، يمكن للصين أن تكون بديلاً جيداً للغاز الذي تصدره روسيا، وفي حفل افتتاح المعرض التجاري الروسي الصيني يوم الجمعة، أشاد بوتين بعلاقات الطاقة بين البلدين ووعد "بتقويتها"، وأضاف: إن "روسيا مستعدة وقادرة على تزويد الاقتصاد الصيني والشركات والمدن والبلدات بالطاقة النظيفة بيئيا وبشكل مستمر وبأسعار معقولة".
من خلال بيع كميات كبيرة من الغاز الرخيص للصين، يمكن لروسيا أن تربط بكين بتحالف جيوسياسي أقوى، حسبما كتب محللون في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا يوم الأربعاء.
بدأت صادرات الغاز إلى الصين في عام 2018، والآن تعد الخطط لاستكمال خط أنابيب "قوة سيبيريا 2"، الذي سينقل 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من شمال روسيا عبر منغوليا إلى الصين، إشارة واضحة على أنها ستكون إشارة طويلة المدى على الالتزام الإستراتيجي للصين تجاه روسيا.
كما أن روسيا، حسب إحصائيات كيبلر، كانت أكبر مصدر للنفط إلى الصين خلال عام 2023، ورغم العقوبات الغربية وسقف الأسعار الذي فرضته مجموعة السبع ردا على حرب موسكو في أوكرانيا، فقد زودت بكين بـ 2.14 مليون برميل من النفط يوميا.
تجديد الاتفاق بين شي وبوتين في موسكو الصغيرة
وسافر بوتين وشي يوم الجمعة إلى هاربين، وهي مدينة تقع في شمال شرق الصين على بعد حوالي 70 كيلومترا من الحدود الروسية والتي كانت تسمى ذات يوم "موسكو الصغيرة" بسبب هندستها المعمارية الأرثوذكسية الروسية وعدد كبير من سكانها الناطقين بالروسية.
وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية في هذا البلد، بينما شارك الزعيمان السياسيان في افتتاح المعرض التجاري الصيني الروسي، سيفتتح صندوق الثروة الحكومي الروسي مكتبًا في هاربين لتسهيل الشراكات الاقتصادية، كما يريد النشطاء الاقتصاديون استخدام العملات الوطنية في العلاقات التجارية.
لقد كان التعاون في تعزيز التجارة العالمية غير الدولارية بين موسكو وبكين أحد مفاتيح السياسة المنسقة لتغيير أسس النظام العالمي الموجه للغرب وتشكيل نظام عالمي جديد من قبل الصين وروسيا في السنوات الأخيرة، وقد تم الكشف عن مظاهر ذلك في مؤتمرات القمة الأخيرة لمجموعة البريكس.
وقال شي لبوتين في قاعة الشعب الكبرى: "إن العلاقات بين الصين وروسيا اليوم تحققت بشق الأنفس، وينبغي على الجانبين الاعتزاز بها ودعمها، إن الصين مستعدة للعمل مع روسيا للحفاظ على الإنصاف والعدالة في العالم".