الوقت - بينما يشتد اجتياح الجيش الصهيوني لمدينة رفح الحدودية جنوب قطاع غزة يوماً بعد يوم، هناك مخاوف كثيرة بشأن الوضع غير المستقر لمليون ونصف المليون لاجئ فلسطيني، حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها انتهت من بناء رصيف بحري عائم قبالة سواحل غزة، وهو الآن جاهز للنقل والتركيب في الموقع المقصود.
وفي هذا الصدد، قالت سابرينا سينغ، نائبة المتحدث باسم البنتاغون، للصحفيين في بيان: "تم الانتهاء اليوم من بناء الرصيف العائم في كلا القسمين، وينتظر نقله إلى موقعه المحدد بالقرب من غزة".
وأضافت سينغ: "اليوم، لا تزال التوقعات تشير إلى هبوب رياح قوية وأمواج عالية في البحر، ما سيخلق ظروفاً غير آمنة لتحريك مكونات الرصيف العائم، ولذلك، فإن أجزاء من الرصيف والسفن العسكرية المشاركة في بنائه لا تزال في ميناء أشدود جنوب إسرائيل".
وأكدت نائبة المتحدث باسم البنتاغون أن مقر القيادة المركزية الأمريكية (سنتکوم) "مستعد لنقل الرصيف في المستقبل القريب".
كما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه سيبدأ قريباً في استخدام الرصيف البحري لإرسال المساعدات إلى غزة.
ويعدّ هذا الرصيف العائم، الذي کلّف تشييده أكثر من 320 مليون دولار الشهر الماضي (أبريل)، أول استخدام رئيسي لطريق بحري لإرسال المساعدات إلى غزة، منذ بداية الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها تقوم بتنسيق الترتيبات اللوجستية مع الجيش الإسرائيلي في قبرص، وسيتم تفتيش الشحنات من قبل جنرال بالجيش الأمريكي متمركز في هذا البلد.
لكن رغم مزاعم أمريكا عن الأهداف الإنسانية لبناء هذا الرصيف، والتعاون مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد أعلن مسؤولو هذه المنظمة أن هذه الخطة لا تزال في "مرحلة الإعداد"؛ ولم يروا أي علامة على وجود خطة لكيفية تخزين وحماية وتوزيع المساعدات الإنسانية، التي يدعيها المسؤولون الأمريكيون في غزة بعد تفريغها في منطقة الساحل.
وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي مارتن بونر: إن الأمم المتحدة ستعمل مع الولايات المتحدة بشأن الممر البحري المقترح، ولكن "بشرط معالجة مخاوف الأمم المتحدة بشأن الحياد والأمن وتوسيع الوصول إلى الأراضي".
من جانبه، قال مسؤول كبير في الأمم المتحدة: "إذا كان من المتوقع أن نستقبل ونفرغ السفن المحملة بالمساعدات الإنسانية، وهو ما نرحب به بالتأكيد، فنحن نريد فقط أن نعرف كيف يتوقع منا أن ننفذ هذه المهمة".
إن النظرة المتشائمة للعالم لنوايا الحكومة الأمريكية خلف ستار الدعاية لبناء ميناء بحري وإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، سببها دعم البيت الأبيض الثابت للکيان الصهيوني الذي، حسب الأمم المتحدة، من خلال إغلاق جميع المعابر البرية أمام استيراد البضائع ومنع وصول شحنات المساعدات الإنسانية، يستخدم الجوع كسلاح ضد المدنيين.
ويستهدف الصهاينة حتى الكميات الصغيرة من المساعدات المقدمة إلى غزة، وفي فبراير/شباط الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 100 فلسطيني كانوا ينتظرون تلقي المساعدات الإنسانية من قوافل الإغاثة.
كما يستهدف الصهاينة موظفي الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأجنبية، وحسب الإحصائيات فقد قُتل أكثر من 200 عامل إغاثة في قطاع غزة منذ بداية الحرب، من بينهم 7 موظفين في المنظمة الدولية لمركز المطبخ العالمي.
من جهة أخرى، وحسب التفاصيل المسربة لوسائل الإعلام، فإنه حتى بعد أن أصبح الرصيف جاهزاً وعملياً، فإن إرسال المساعدات البحرية سيبقى ثابتاً لفترة طويلة، لأن رصيف الشحن القبرصي يمكنه شحن 8000 منصة نقالة يوميًا فقط.
ووفقاً للمسؤولين، فإن الرصيف سيسمح في البداية لنحو 90 شاحنة من المساعدات الإنسانية بالدخول إلى غزة يومياً، وسيرتفع هذا العدد قريباً إلى 150 شاحنة يومياً، وهو حجم لا يلبي سوى احتياجات 2.2 مليون شخص يعيشون في غزة لبضعة أيام فقط.
وفي أحدث تصنيف غذائي للوضع في غزة، حددت الأمم المتحدة أن المنطقة تمر بمرحلة "المجاعة"، وتستخدم الأمم المتحدة معايير صارمة لإعلان حدوث مجاعة في منطقة معينة، وتعتمد على إحصاءات من وكالتيها المتخصصتين في هذا المجال، هما برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة.
وحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن "المجاعة" هي أخطر مرحلة في الحجم الحاد لانعدام الأمن الغذائي، والتي تشمل خمس مراحل:
المرحلة الأولى: الحد الأدنى من الضغوط المتعلقة بالأمن الغذائي
المرحلة الثانية: يواجه بعض الأشخاص ضغوطًا للعثور على الطعام
المرحلة الثالثة: الأزمة الغذائية
المرحلة الرابعة: حالة الطوارئ
المرحلة الخامسة: الوضع الكارثي أو المجاعة
واعتبرت الأمم المتحدة أن أحد الأحداث المحتملة في مرحلة المجاعة، هو وفاة 10 آلاف شخص، وفي هذه الحالة، يقول برنامج الغذاء العالمي: "الوفيات تتزايد، لكن العدد المتاح محدود، كما هو الحال عادةً في مناطق النزاع".
هذا في حين أن إرسال المساعدات الإنسانية عبر إنزال جوي، لم يعالج الوضع الغذائي والإنساني الكارثي في غزة، وقد أثارت هذه القضية آراءً متشائمةً حول عدم فعالية بناء الرصيف.
من جانبها، قالت حماس إنها ستتعامل مع القوات الأمريكية الناشطة حول الرصيف على أنها "قوة احتلال"، لأنها تعتبر هذه الخطة مؤامرةً مبنيةً على مصالح الکيان الصهيوني، وضد سكان غزة.
ويواجه الرصيف العائم أيضًا مشاكل بيئية معقدة، حيث حذّر المسؤولون العسكريون من أن المياه الهائجة في البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن تدمر أو تلحق الضرر بالرصيف، ما يجعله مكانًا غير آمن لزيارته.
الرصيف الذي يبرر احتلال رفح
في هذه الأثناء، فإن النقطة المهمة هي أن الإعلان عن فتح الرصيف يتم في مرحلة حرجة من الحرب، أي إنه يتزامن مع العملية العسكرية التي يقوم بها الکيان الصهيوني في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وتهديد معبري المساعدات الرئيسيين في هذه المنطقة.
ومن لا يعلم أن قدرة الرصيف المؤقت الخاضع لسيطرة الكيان الصهيوني ومع كثرة التحديات محدودة للغاية، مقارنةً بسعة المعابر البرية التي توفر وسيلةً أرخص وأكثر فعاليةً لإيصال المساعدات الإنسانية.
وخلال الأشهر السبعة الماضية من الحرب، كان الصهاينة يبحثون عن طريقة للسيطرة على معبر رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا، لإنشاء منطقة عازلة بين غزة والحدود المصرية، حتی يمكنهم بهذه الطريقة السيطرة على طريق الدخول والخروج الوحيد للبضائع والركاب الخارج عن سيطرتهم، ويمكنهم ممارسة مراقبة أقوى وربما ممارسة ضغط إضافي على المقاومة في المستقبل.
في هذه الأثناء، بالإضافة إلى الفشل العسكري أمام المقاومة في تحقيق هذا المشروع، فإن معارضة الجانب المصري وضغوط المجتمع الدولي، أحبطت حتى الآن خطط الصهاينة في تحقيق هذا الحلم.
لكن يبدو أنه رغم المعارضة الظاهرة، فإن الحكومة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر اللازم لتل أبيب لاحتلال معبر رفح، من أجل الضغط على المقاومة وإخراجها من مسرح معادلات غزة مستقبلاً، فضلاً عن إتاحة المزيد من الإمکانات للصهاينة، وفتح الميناء هو قطعة أخرى لاستكمال هذا اللغز الخطير، بهدف تخفيف الحساسيات والضغوط العالمية الناجمة عن التبعات الوخيمة لاحتلال رفح.