الوقت- لم تكتف الدول الأوروبية والأمريكية بتزويد كيان الاحتلال بالعتاد الحربي لتنفيذ جريمته بحق شعب غزة لا بل تمادت إلى سعيها الحثيث لمنع إيصال صوت الحق للعالم ووأد كل من شاهد الجريمة بأم عينه.
بعد قرار ألمانيا حظر دخوله إلى دول الاتحاد الأوروبي، منعت فرنسا دخول الجراح الفلسطيني وعميد جامعة غلاسكو الاسكتلندية غسان أبو ستة إلى أراضيها، وأفاد أبو ستة في منشورات عبر منصة “إكس”، السبت، بأنه في مطار شارل ديغول بالعاصمة الفرنسية باريس، وقال: “يمنعونني من دخول فرنسا، ومن المفترض أن أتحدث في مجلس الشيوخ الفرنسي اليوم، ويقولون إن الألمان فرضوا حظرا لمدة عام على دخولي إلى أوروبا”.
يأتي ذلك في ظل تعرّض المحكمة الجنائية لضغوط سياسية من الإدارة والكونغرس في الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، الداعمة للاحتلال في حربه على غزة، وفي ظل وجود حملة متناغمة ما بين الداخل الإسرائيلي والخارج الأوروبي، هدفها منع شهود العيان من الخروج والوصول إلى محاكم دولية، قد تقاضي الاحتلال على جرائمه.
محاولات إخفاء الجريمة!
"أوروبا تُسكت شهود الإبادة الجماعية، بينما تقتلهم إسرائيل في السجون"، هكذا عبر طبيب الحروب غسان أبو ستة عن ما يتعرض له من محاولات إسكات وطمس للحقيقة.
وفي هذا السياق أكّد مصدر في الشرطة أن وثيقة حظر دخول إلى منطقة شنغن صادرة عن ألمانيا حالت دون دخول أبو ستة إلى باريس، أبو ستة الذي أمضى 43 يوما يعالج المصابين في قطاع غزة، وخصوصا في مجمع الشفاء الطبي، كان من المفترض أن يشارك في مؤتمر في مجلس الشيوخ عن "مسؤولية فرنسا في تطبيق القانون الدولي في فلسطين".
ووصف الأمر في منشور عبر إكس بـ"المخجل"، موجها سؤالا إلى وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بشأن ما يعتزم فعله إزاء ذلك.
بدوره، أكد النائب عن حزب فرنسا الأبية (المعارض)، ديفيد جيرو، في منشور أيضا أهمية شهادة أبو ستة بشأن الوضع في غزة، واصفا منعه من دخول فرنسا بـ"المخزي".
وفي منشور أيضا، وصف النائب عن حزب فرنسا الأبية توماس بورتس بقاء الجراح الفلسطيني عالقا في مطار بباريس بـ"الأمر المخزي".
وفي سياق متصل ، مُنع أبو ستة ووزير المال اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا منتصف أبريل/نيسان الماضي، حيث كان يفترض أن يشاركا في "المؤتمر الفلسطيني" في برلين الذي أوقفته الشرطة بعد ساعة من بدايته، بدعوى "منع أي دعاية معادية للسامية ومعادية لإسرائيل"، لكنه اكتشف، في مطار شارل ديغول الفرنسي، أنّ هناك حظراً أوسع وأطول يمنعه من دخول معظم دول الاتحاد الأوروبي.
لماذا يخافون من طبيب الحروب
استطاع أبو ستة دخول القطاع عبر معبر رفح بعد أسبوعين تقريبا من بدء العدوان الإسرائيلي، والتحق بالطاقم الطبي الذي كان منهمكا في معالجة 12 ألف مصاب أصيبوا فقط في 12 يوما، وبقي لأكثر من 40 يوما يداوي ويعالج في ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وانقطاع الماء والكهرباء حتى أنه أجرى عمليات جراحية من دون تخدير.
وبعد مجزرة المعمداني -التي راح ضحيتها يوم الـ17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرابة 500 مدني فلسطيني- ظهر أبو ستة بردائه الطبي وسط جثامين الشهداء وروى مأساة المجزرة أمام أعين الكاميرات بصفته شاهدا ناجيا وطبيبا أتى ليؤدي وظيفته لا أكثر.
وقد علم الطبيب الفلسطيني البريطاني أن شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية ضايقت عائلته بسبب وجوده في غزة، وأن زوجته استجوبت بشأن سبب سفره إلى فلسطين، وعن المسؤول عن دفع تذكرته والمؤسسة الخيرية المسؤولة التي كان يساعدها، ليخرج بعدها من غزة قائلا إنه لا فائدة من وجوده، فلا علاج ولا منظومة صحية سليمة ولا مسلتزمات طبية.
وأصبح غسان أبو ستة شاهدا على مجازر الاحتلال الإسرائيلي وعلى ممارسته وأسلحته غير القانونية التي استعملها ضد المدنيين في القطاع، وعلى استهدافه المنظومة الصحية حتى انهارت تماما، موثقا ذلك في حسابه عبر منصة "إكس".
وأعلن أبو ستة تقديم شهادته أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد كيان الاحتلال الاسرائيلي، علما أنه قدم شهادته أيضا أمام الشرطة البريطانية للغرض نفسه، وقال إن هذه الشهادة ستقدم باعتباره أحد الناجين من مجزرة المعمداني، وسيوثق نوع الإصابات التي عالجها والأسلحة المستخدمة والمحرمة دولياً.
وقفة احتجاجية
رداً على محاولات إخفاء الحقيقة شهدت العاصمة البريطانية لندن، وقفة احتجاجية ضد قرار فرنسا منع الطبيب البريطاني ذي الأصل الفلسطيني غسان أبو ستة، من دخول أراضيها، وتجمع حشد من المتظاهرين أمام مبنى السفارة الفرنسية في لندن للتعبير عن احتجاجهم على القرار المتعلق بمنع دخول أبو ستة، ودعم باريس لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وردد المتظاهرون هتافات من قبيل "كفوّا أيديكم عن غزة"، و"فلسطين حرّة"، مستنكرين المواقف الداعمة لحكومة الاحتلال لدى حكومتي فرنسا وبريطانيا.
ختام القول
لم يعد يخفى على أحد أن القضية الفلسطينية تفتقد إلى تطبيق القانون الدولي لعدم وجود الإرادة السياسية لدى الدول الكبرى، ولأن مصالح هذه الدول لا تقتضي منها العمل بجدية على تجريم كيان الاحتلال الصهيوني وإنصاف الشعب الفلسطيني من خلال تمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وصولاً إلى الانعتاق من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.