الوقت - مع نهاية الشهر السابع منذ بدء اجتياح الکيان الصهيوني لغزة، تتجه الأنظار من ميدان الحرب نحو طاولة المفاوضات، لعله يتم تعويض فشل السلاح في تحديد مصير القطاع من خلال ألعاب الدبلوماسيين الغامضة، والتي تجري خلف الكواليس.
وفي هذا الصدد، فإن التحركات الموازية للجهات المعنية ليست قليلةً في الأيام الأخيرة، ولا سيما زيارة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة، الذي استقطب اهتماماً سياسياً وإعلامياً بإعلانه أن لديه حزمة مقترحات جديدة.
وفي تصريحاته، وصف اتفاق وقف إطلاق النار المقدم لحماس بأنه "سخي للغاية"، وبادعائه أن حماس هي العقبة الوحيدة أمام تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في حرب غزة، قال إنه يتعين على قادة حركة المقاومة الفلسطينية، اتخاذ قرار في أسرع وقت ممكن بشأن الاقتراح المقدم إليهم.
ولم يوضح بلينكن ما تسمى خطة واشنطن "السخية"، لكن منسق الشؤون الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي جون كيربي، قال إن بلينكن يدفع من أجل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع في غزة.
وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، هو مسؤول غربي آخر وصل إلى المنطقة في الوقت نفسه الذي وصل فيه بلينكن، ويقال إنه يتابع أجندة مماثلة.
وأعلن سيجورني، الذي سافر إلى الرياض، عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس، لكنه قال: علينا أن نكون حذرين دائماً في هذه المناقشات والمفاوضات، الوضع في غزة كارثي، ونحن بحاجة إلى وقف لإطلاق النار".
وفي الوقت نفسه، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي يستضيف المحادثات طوال الأشهر الماضية، عن تفاؤله بشأن الاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار في غزة، وقال إنه ينبغي أخذ مواقف الجانبين في الاعتبار ويجب الحفاظ على الاعتدال.
وحول تفاصيل هذه المفاوضات، أفاد مراسل قناة العالم في غزة: "بأن الأطراف تقدم بعض التنازلات من خلال المحادثات مع الوسطاء، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع".
وحسب المعلومات الواردة من مصادر مطلعة بشأن مفاوضات إطلاق النار، فمن المفترض أن ينسحب کيان الاحتلال نصف كيلومتر من منطقة "نتساريم" ومحور شارع "الرشيد" بغزة، والموافقة على عودة أهالي غزة إلى المناطق الشمالية.
وفي إشارة إلى رغبة الوسيط المصري القوية في أن تؤتي هذه الجولة من المفاوضات ثمارها، قال مراسل العالم: "القلق الأساسي في هذه الجولة من المفاوضات، هو العقبات المحتملة من الجانب الصهيوني، فضلاً عن عدم قيام الکيان بالامتثال لبنود الاتفاق المحتمل".
وحسب شبكة إية بي سي الإخبارية نقلاً عن مصدر إسرائيلي مطلع، فإن اقتراح تل أبيب تم تقديمه على مرحلتين، حيث سيتم في المرحلة الأولى إطلاق سراح 20 إلى 33 رهينة خلال أسابيع قليلة، مقابل وقف إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين.
أما المرحلة الثانية فهي ما وصفتها المصادر بـ "استعادة السلام الدائم"، ويتم خلالها تبادل بقية الرهائن والجنود الإسرائيليين وجثث الرهائن بمزيد من الأسرى الفلسطينيين، وقال المصدر الدبلوماسي إن الإشارة إلى السلام الدائم، هي وسيلة للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار دون تسميته.
ويقال إن حكومة نتنياهو تنتظر رد حماس قبل اتخاذ قرار بشأن عملية وقف إطلاق النار، وذكرت وکالة رويترز أيضاً أن وفداً مصرياً وصل إلى تل أبيب يوم الجمعة الماضي، لإجراء محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، ويبحث الوفد عن طريقة لاستئناف المحادثات لإنهاء الصراع، وإعادة الأسرى المتبقين.
وقال مسؤول مصري كان حاضراً في اجتماع الوفد المصري، تحدث لرويترز شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "إسرائيل" ليس لديها مقترحات جديدة لتقديمها، على الرغم من أنها مستعدة للنظر في وقف محدود لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح 33 رهينة، بدلاً من إطلاق سراح 40 رهينة قيد الدراسة.
وكثفت الدول العربية، التي لم تقدم دعماً مقبولاً للفلسطينيين ضد جرائم الکيان الصهيوني، من تحركاتها السياسية في الأيام الأخيرة لإنهاء الحرب في غزة، وفي هذا الصدد، عقد اجتماع سداسي في الرياض، السبت الماضي، بحضور سلطات قطر والسعودية والإمارات والأردن ومصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، ناقش ضرورة وقف إطلاق النار في غزة.
كما أكد المشاركون في هذا اللقاء، على إلغاء القيود على دخول المساعدات، ودعمهم لكل الجهود الرامية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية بما يحقق مطالب الفلسطينيين.
كما شهدت الرياض، الأحد الماضي، اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن غزة، والتي ناقشت آليات تكثيف العمل لإنهاء الحرب في غزة، ومحاولة اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ حل الدولتين.
مطالب مبالغ فيها باسم "العرض السخي"
رغم إعلان سلطات واشنطن تقديم العرض الاستثنائي لحماس، إلا أن قيادات هذه الحركة صرحت بأنها لم تتلق أي عرض مقبول حتى الآن.
وقال أحد القياديين البارزين في حركة حماس، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه حتى الآن لم يجر أي نقاش رسمي مع هذه الحركة حول مضمون المنظور الجديد للمفاوضات، المتمثل في وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، وأكد تفاعل حماس مع أي تحرك جدي وإيجابي من المصادر الرسمية.
وأضاف هذا العضو البارز في حماس: "إن تصرفات الاحتلال في الأشهر الماضية تظهر أن هذا الکيان، بشكل علني وأمام وسائل الإعلام، له موقف مختلف تماماً فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة عما يجري في المفاوضات"، وأعلن أن الکيان الصهيوني وقع في مأزق عالمي، وأن الحكومة الأمريكية تجد نفسها في مأزق أيضًا، بسبب الثورة الجامعية واتساع الاحتجاجات من جامعة إلى أخرى.
وتابع هذا العضو البارز في حماس: "ليس هناك ما يشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد وقف مهاجمة رفح في الوقت الحالي، وكل الأدلة تثبت هذا الهجوم".
كما ردّ إحسان عطايا عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي على عرض تبادل الأسرى الذي تقدم به الكيان الصهيوني، قائلاً إن هذا العرض، ببنوده الحالية وغموضه، لا يؤدي إلى اتفاق، وحسب قناة "الميادين"، قال إحسان عطايا: "هذا العرض ليس سخياً، لأن الأمريكيين يريدون خداع العالم".
وذكر أن الاقتراح الأخير فيه ثغرات كبيرة ومحاولات خبيثة، وأضاف: "هذا اقتراح مكون من ثلاث صفحات ونصف، يعرض تفاصيل ثلاث مراحل، ولم يتغير محتوى ورقة الاقتراح الجديد بأكثر من 90 بالمئة عن الاقتراح السابق، ولذلك أستبعد التوصل إلى اتفاق".
وتبذل الجهود الدولية لوقف الحرب في غزة، بينما طرح الصهاينة على الطاولة في الأسابيع الأخيرة خيار الهجوم البري على رفح، زاعمين أنه هو السبيل الوحيد لمساعدة سكان هذا القطاع، وبناءً على الأدلة، من المحتمل أن تبدأ هذه الخطة في الأيام المقبلة، ويعارض المجتمع الدولي بشدة الهجوم البري على رفح، وعواقبه على الصهاينة.
ورغم أن وزراء تل أبيب المتشددين قالوا إنهم لن يوقفوا الهجوم على رفح بأي شكل من الأشكال، إلا أن مصدراً إسرائيلياً مطلعاً على المفاوضات قال لشبكة ايه بي سي الإخبارية: "إن الفرصة الوحيدة لوقف الهجوم على رفح، هي التوصل إلى اتفاق"، هذا بينما يزعم نتنياهو ورفاقه أن السبيل الوحيد لإطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس هو عبر رفح، وقد كثفوا في الأيام الماضية هجماتهم الجوية والمدفعية على سکان رفح.
وبالنظر إلی تحذيرات وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، إيتمار بن غفير، بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا توقف الهجوم البري على رفح، فإن نتنياهو يقف على مفترق طرق صعب، ولن يكون الخروج منه بلا ثمن سياسي وأمني.
وبالنظر إلى الدعاوى القضائية واحتمال إصدار مذكرة اعتقال بحقه في المحكمة الجنائية الدولية، يعرف نتنياهو أنه إذا توقفت الحرب في غزة، فإن نتيجةً سيئةً تنتظره، ولهذا السبب، فهو يحاول مواصلة الحرب في غزة لفترة من الوقت، لإنقاذ حكومته الهشة من هاوية الانهيار.
شرط حماس لوقف إطلاق النار
رغم أن الغربيين يتطلعون إلى وقف مؤقت لإطلاق النار من أجل إعفاء أنفسهم من أعباء الضغوط الدولية، إلا أن زعماء حماس أكدوا مراراً وتكراراً أنهم لن يقبلوا الاتفاق بأي ثمن.
وقال عبد اللطيف القانوع الناطق باسم حماس في هذا الصدد: "إن مطالب المقاومة ليست شروطاً مستحيلةً، ولكنها مطالب مشروعة يفهمها الوسطاء ويدعمها الشعب الفلسطيني".
وأضاف: "لن ينجح أي اتفاق طالما لم تتحقق المطالب العادلة لشعبنا، بما في ذلك وقف إطلاق النار وانسحاب المحتلين وعودة النازحين"، وقال القانوع: "إن ضمان وقف دائم لإطلاق النار، عنصر أساسي للدخول في تفاصيل المفاوضات وإنجاح الاتفاق مع المحتلين، ولن ينجح المحتلون بمشروع التهجير وسياسة التجويع، أو استخدام سلاح الفوضى".
تتطلع أمريكا إلى وقف لإطلاق النار لمدة 6 أسابيع لتحرير الأسرى الصهاينة من قبضة حماس، حتى يتمكن الصهاينة من تنفيذ هجماتهم ضد سكان غزة دون أي مشاكل.
إن الأسرى الصهاينة هم ورقة حماس الرابحة في مواجهة الکيان الصهيوني، ولن يوافقوا على وقف إطلاق النار وتسليم جميع الأسرى إلا بعد التأكد من الوقف الكامل للحرب في غزة، لأنه حسب تاريخ الجرائم وسجل الصهاينة الأسود، فإنهم لا يثقون بسلطات تل أبيب.
بعد سبعة أشهر من الحرب في غزة، لا تزال مفاوضات وقف إطلاق النار بين حماس وکيان الاحتلال في طريق مسدود، وقد تمسكت حماس بمطالبتها بأنه من أجل التوصل إلى أي اتفاق، يجب على "إسرائيل" أولاً إنهاء الحرب.
وقد قال قادة حماس إنهم مستعدون لنضال طويل الأمد، ولن يستسلموا لمطالب الکيان الإسرائيلي، ولذلك، إلى أن تتم تلبية مطالب الفلسطينيين، فليس هناك أفق واضح لوقف الحرب في غزة، وتحقيق وقف لإطلاق النار.