الوقت- تسبب غياب المذيعة البريطانية سانغيتا مايسكا عن إذاعة LBC البريطانية في إثارة تساؤلات واسعة، ما دفع جمهورها إلى المطالبة بإعادتها إلى عملها، حيث إن غيابها الغامض جاء بعد مقابلة حادة جرت بينها وبين آفي هايمان، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، وهذا الأمر أثار تكهنات حول سبب الغياب، وفي المقابلة، تبادلت مايسكا وهايمان آراء حول الهجمات الإيرانية عقب الاعتداء الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا، ما أثار جدلاً بينهما، وعلى الرغم من عدم صدور أي توضيح رسمي من الإذاعة بشأن سبب غيابها، يرى الكثيرون أنه مرتبط بتلك المقابلة، وخاصة مع انتشار الوسم #WhereisSangitaMyska أو أين سانغيتا مايسكا على مواقع التواصل الاجتماعي.
عبر العديد من معجبيها عن افتقادهم لحضورها المميز على الإذاعة في الوقت المعتاد، ما دفع بعضهم إلى إطلاق عريضة عبر الإنترنت تطالب بعودتها، وتم التوقيع عليها من قبل آلاف الأشخاص، ما يظهر الدعم الكبير لمايسكا وتأثيرها الواضح في الرأي العام، ومن جانب آخر، تجلى دعم مايسكا للفلسطينيين وغزة في نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يكون سبباً في انتقادها أو حتى في غيابها الحالي عن الإذاعة.
وتأتي هذه الأحداث في سياق يشبه ما حدث مع المذيعة البريطانية بيل دوناتي، التي اختفت من الإعلام بعد مقابلة مع سفير "إسرائيل" السابق، داني دانون، والتي أثارت تصريحاتها جدلاً واسعاً، وعلى الرغم من عدم وجود توضيح رسمي حول سبب غياب سانغيتا مايسكا، يبقى الجدل قائماً والدعوات لعودتها تتزايد، ما يبرز التحيز الإعلامي الغربي تجاه كيان الاحتلال والأهمية الكبيرة التي تحظى بها المذيعة في الإعلام ودورها في تشكيل الرأي العام.
بالتأكيد، يمكن استكشاف هذا الأمر بشكل أعمق ومناقشته من عدة زوايا، وأولاً، يظهر من الأمثلة المذكورة، مثل قضية سانغيتا مايسكا وبيل دوناتي، أن هناك توتراً متزايداً بين بعض الصحفيين والمنظمات الإعلامية مع الحكومة الإسرائيلية، يتجلى هذا التوتر في التعبيرات الجريئة والمواقف الصارمة المعبرة عنها من قبل بعض الصحفيين في تغطيتهم للقضايا المتعلقة بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفي هذا السياق، يمكن أن يكون الغياب المفاجئ للصحفيين الذين ينتقدون الكيان نتيجة لضغوط سياسية أو تهديدات من بعض الجهات المعنية بحماية الكيان.
ومن الجانب الآخر، يمكن أيضاً أن يؤدي التفاعل المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي وضغط الجمهور إلى اتخاذ إجراءات من قبل المنظمات الإعلامية، فعلى الرغم من أن الإعلام ينبغي أن يكون مستقلاً وغير متأثر بالضغوط الخارجية، إلا أن قوة السياسة في توجيه التوجه الإعلامي يمكن أن تؤثر على قرارات التوظيف والتغطية الإخبارية.
وبخصوص الأمثلة الأخرى، فهناك حالات أخرى حيث تم اتهام الإعلام بالتحيز ضد الكيان وعزل الصحفيين المنتقدين، على سبيل المثال، في عام 2014، أقالت شبكة CNN الصحفية ديانا ماجناي من منصبها بعد تغريدة نشرتها على تويتر تدين فيها الهجمات الإسرائيلية على غزة، وفي العام نفسه، قامت شبكة MSNBC بفصل مراسلها عياض بشارات بعد أن نشر تغريدات تنتقد فيها تل أبيب.
وهذه الحالات توحي بوجود توتر بين حرية التعبير الصحفي وبين محاولات الجهات الحكومية أو الضغط السياسي لتشكيل التغطية الإعلامية، تُعَدّ هذه التجارب مؤشراً على أهمية وضرورة الحفاظ على استقلالية الإعلام وحرية التعبير كأسس أساسية لديمقراطية الأمم، وبالتأكيد، يتجلى الأمر في عدة نقاط أخرى حيث إن الصحفية ربما تتعرض لضغوط سياسية من الحكومات أو الجماعات المؤيدة لـ"إسرائيل"، ما يمكن أن يؤدي إلى إقالة الصحفيين الذين ينتقدون سياساتها أو ينقلون القضايا بطريقة تفضح تل أبيب.
ويشكك البعض في موضوعية التغطية الإعلامية للصحفيين في قضايا النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يتهمون بعض وسائل الإعلام بالتحيز لمصلحة الكيان وتقديم تقارير مائلة لها، ويمكن أن تؤثر التغطية الإعلامية على القضايا السياسية والدبلوماسية، وقد يكون الصحفيون الذين ينتقدون سياسات الكيان هم الأكثر تعرضاً للانتقادات والضغوط من جهات تدعمها تل أبيب.
وبالتالي، يجب أن تُحتَرَم حرية الصحافة وحق الصحفيين في التعبير عن آرائهم وتغطية الأحداث بشكل موضوعي، دون خوف من العواقب السلبية المحتملة، وبشكل عام، يجب أن يكون هناك توازن بين حق الصحافة في تقديم التغطية الكاملة والموضوعية تجاه أي قضية وعلى رأسها قضية فلسطين، وبين الحاجة للتعبير عن وجهات النظر المتنوعة والنقد البناء في المجتمع.
في النهاية، يثير غياب الصحفيين المنتقدين لـ"إسرائيل" من الإعلام تساؤلات حول حرية التعبير ومدى استقلالية وسائل الإعلام، يجب أن نتذكر أن حرية الصحافة هي ركيزة أساسية في الديمقراطية، ويجب أن تحمي وتُعزز في جميع الأوقات، من المهم أن يكون هناك مجال لأصوات متنوعة ومختلفة في وسائل الإعلام، حتى يمكن للجمهور الاستفادة من وجهات النظر المتنوعة وتشكيل آرائه بشكل مستقل، على الحكومات والمنظمات الإعلامية أن تتحلى بالشفافية والمسؤولية في التعامل مع الصحفيين وتوفير بيئة تسمح بتقديم التغطية الصحفية بحرية وموضوعية، بغض النظر عن الضغوط الخارجية، إن ضمان حرية الصحافة واحترام مبادئ الحياد والموضوعية هو الطريق نحو بناء مجتمع يستند إلى العدالة والحرية والتسامح.