الوقت- بعد مرور 21 عاماً على سقوط صدام حسين، دكتاتور العراق السابق، لا تزال قضية انسحاب القوات الأمريكية من العراق مطروحة على طاولة “شياع السوداني”، رئيس الوزراء الحالي في بغداد، ورغم وجود شياع السوداني في واشنطن خلال اليومين الماضيين، إلا أن السوداني قبل سفره إلى أمريكا، كان قد أعلن الاتفاق على انسحاب القوات الأمريكية من العراق من خلال نشر مقال في مجلة «فورين أفيرز».
وكتب رئيس الوزراء العراقي في هذا المقال أن اللجنة العسكرية العليا المشتركة بين الولايات المتحدة والعراق وافقت على إنهاء مهمة التحالف الدولي وفق الجدول الزمني، وحسب قوله، تم تشكيل لجنة عسكرية عليا مؤلفة من كبار المسؤولين العسكريين العراقيين والأمريكيين، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، وتوصلت إلى اتفاق بشأن الإنهاء التدريجي لأنشطة التحالف الدولي وفق جدول زمني متفق عليه، وشدد في هذا المقال على أن "التخفيض الشامل لتصعيد التوتر في الشرق الأوسط يتطلب وقفاً فورياً للحرب في قطاع غزة".
ويأتي إعلان السوداني عن تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق في وقت تصر فيه الأحزاب والجماعات السياسية في هذا البلد على الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الأمريكية من العراق، لكن هذا الانسحاب لم يتحقق بعد.
لماذا لا تزال أمريكا في العراق؟
إن الحجة التي قدمتها أمريكا لوجودها في العراق ترتكز على محاربة الإرهابيين و"داعش"، لكن لا يبدو أن وجود أمريكا في العراق كان له تأثير كبير على أنشطة "داعش"، وسبق أن كتبت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير تحليلي أن وجود القوات الأمريكية لا يمكن أن يمنع الهجمات الإرهابية وليس مفيدا وفعالا للغاية، وإن الموت غير الضروري للجنود الأمريكيين أمر ممكن، لأنهم، كما هو الحال في أفغانستان، مكلفون بالمهمة المستحيلة المتمثلة في موازنة ميزان السياسة الخارجية كإبهام ضعيف وهش، لكن هذا الهدف لم يتحقق.
ويذكر في استمرار لتقرير صحيفة نيويورك تايمز أن تجارب أمريكا في أفغانستان والعراق أظهرت بشكل مؤلم أنه لا يوجد عدد سحري من القوات الأمريكية يمكنه القضاء على الإرهاب، ولا يستطيع كذلك الجنود الأمريكيون الحاليون البالغ عددهم 2500 جندي في العراق، لذلك في هذا الوضع، يشعر صناع السياسة بالقلق من مخاطر مغادرة العراق، في حين عليهم أن يأخذوا في الاعتبار تكاليف البقاء.
من كواليس احتلال العراق
وترى بعض الجماعات واللوبيات الأمريكية النشطة أنه من المهم للغاية جمع المعلومات عن الجماعات الإرهابية مثل "داعش" والقاعدة، ولمنع عدو أمريكا في العراق من ملء الفراغ الذي سببه انسحاب أمريكا؛ كما أثيرت حجج مشابهة لها حول أفغانستان، ولكن الحقيقة هي أن الوجود الأمريكي ساعد في تكثيف عمليات التمرد في العراق، وقد تمكن تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم "داعش" من استخدام إنجازاته ضد الحكومة والفوضى الناتجة عنها، والآن تمكنت الحكومة العراقية، بالاعتماد على قوتها المحلية والداخلية، من استعادة النظام والأمن النسبيين لهذا البلد، لذلك، يبدو أن الأمريكيين قلقون، أكثر من الحرب ضد الإرهاب، من أنه بعد مغادرتهم، ستشغل دول أخرى تعارض الولايات المتحدة مكانهم في العراق، ولذلك تصر واشنطن على البقاء في العراق رغم التكاليف الباهظة.
تكاليف الإقامة في العراق بالنسبة لأمريكا
لعبت الضربات الجوية الأمريكية في العراق دورًا مهمًا في تصعيد التوترات بين بغداد والولايات المتحدة؛ في هذه الأثناء، يستطيع الحشد الشعبي تنفيذ هجمات واسعة النطاق على القواعد الأمريكية في المنطقة رداً على الهجمات المذكورة، ولذلك، يبدو أنه إذا أصرت أمريكا على البقاء في العراق، فإن التوتر بين واشنطن وبغداد سيزداد، هذه التوترات السياسية هي التكلفة السياسية الأغلى للوجود الأمريكي المستمر في العراق.
ولهذا السبب، تشير التقديرات إلى أن المناقشات الرئيسية لرئيس الوزراء العراقي خلال رحلته الحالية إلى واشنطن ستدور حول الوجود المستقبلي للقوات الأمريكية أو انسحابها من هذا البلد، وهذه هي الزيارة الأولى للسوداني إلى الولايات المتحدة منذ 19 شهراً أي منذ أن أصبح رئيساً لوزراء العراق، ويبدو أن السوداني عازم على تحديد الوجود الأمريكي في العراق، فمن ناحية، يتعرض رئيس وزراء العراق لضغوط من حلفائه الأجانب مثل إيران، وقد أكدت طهران مراراً وتكراراً على سحب القوات الأمريكية من العراق من أجل توطين أمن المنطقة والحفاظ على استقلال العراق، ولذلك يحاول رئيس وزراء العراق الضغط على أمريكا لمغادرة العراق رغم إصرار إيران.
ومن ناحية أخرى، هناك اعتراضات كثيرة على وجود القوات الأمريكية داخل العراق، كما أن استمرار النشاط العسكري الأمريكي في العراق تسبب في نوع من الفوضى وعدم الاستقرار في العراق، وأكدت فصائل المقاومة العراقية، بما فيها الحشد الشعبي، التي تنشط ضمن هيكلية الجيش في البلاد، استمرار هجماتها ضد القوات الأمريكية، الهجمات التي أقلقت رئيس وزراء العراق والآن يحاول السوداني وضع حد لهذه الهجمات والضغط على أمريكا لمغادرة العراق نهائيا.
الجدير بالذكر أنه قبل يوم من إعلان رئيس الوزراء شياع السوداني في وقت سابق من الشهر الحالي عن تشكيل لجنة للتحضير لإنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق، استهدفت غارة أمريكية قائدا بارزا في حركة النجباء هو مشتاق طالب السعيدي الملقب بـ "أبو تقوى"، الذي وصفه مسؤول أمريكي في تصريحات لشبكة سي إن إن الإخبارية بأنه كان عضوا في "جماعة إيرانية تعمل بالوكالة في العراق وسوريا"، في إشارة إلى حركة النجباء.
وقد حاول السوداني قبل إعلانه الأخير إمساك العصا من المنتصف، إذ ذكر مكتبه الإعلامي أنه "جدد لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن موقف العراق الرافض لأي اعتداء تتعرض له الأراضي العراقية"، لكنه "جدد في الوقت ذاته التزام الحكومة العراقية بحماية مستشاري التحالف الدولي الموجودين في العراق"، ويقول علاء مصطفى إن الحكومة العراقية "كانت تحاول الإمساك بزمام الأمور، وكانت خطاباتها شديدة الوطأة على الفصائل، إذ إن بعض البيانات وصفت استهداف السفارة الأمريكية بأنه عمل إرهابي، وهذا الخطاب لم نره حتى في عهد حكومة مصطفى الكاظمي الذي لم يكن مقربا من الفصائل، بعكس شياع السوداني الذي يعد من مفرزات الإطار التنسيقي الذي يضم قوى سياسية وفصائل".