الوقت- انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور من غزة تحمل عنوان؛ "غزة لها الحق في أن تكون سعيدة"؛ حيث أطلق شباب فلسطينيون عشية شهر رمضان المبارك مبادرة بعنوان "غزة من حقها أن تفرح" لإدخال البهجة والسعادة على وجوه سكان غزة، وزينوا جدران شوارع مدينة غزة المحاصرة بكتابة عبارات التهنئة بمناسبة استقبال شهر رمضان المبارك، وأظهروا أنهم ما زالوا صامدين ضد حرب "الجوع والإبادة الجماعية"، ومع اقتراب شهر رمضان الكريم، وعلى بُعد قليل من الحدود الجنوبية مع مصر، يجلس الفلسطينيون أمام خيامهم، لا يستطيعون الإجابة، والسؤال البسيط والمباشر "كيف تستعدون لرمضان هذا العام؟"، حيث يفتقرون إلى المال الكافي لشراء الاحتياجات الأساسية، وما إذا كان الأمر يتعلق بـ"مؤنة رمضان" كما يطلق عليها الغزيون، فإنهم غير قادرين حتى على شراء "حبة واحدة من البندورة"، لكنهم يتحلون بالإيمان في ظل المأساة التي يواجهونها.
ظروف صعبة مع اقتراب الشهر الفضيل
لا شك أن استعدادات رمضان هذا العام "غائبة تماماً" عن القطاع، ويقولون: "ينقصنا كل شيء لرمضان، ولا يسعنا سوى أن نستقبل الشهر الكريم بالصبر"، وسيحل شهر رمضان هذا العام على الغالبية الساحقة من الغزيين بلا أي "مؤنة" تقليدية، وبلا روح أو زينة تملأ كل الأحياء أو فرحة معتادة بقرب حلوله، ولن تزين موائد الإفطار بالأكلات والحلوى الغزية المعروفة، بل ستكون غير مكتملة بسبب غياب أفراد أسر كثيرة، بينهم من فقد حياته في الحرب، ومنهم من انفصل عن أسرته بسبب النزوح.
ويذكر الفلسطينيون دوما كيف كانت الأجواء والاستعدادات في الأعوام الماضية عند قدوم رمضان، ويقولون: "كنا نعلق الزينة ونحتفل، ولكن ليس هذا العام، لا توجد أي ملامح لرمضان هذا العام، حتى أن التجار ليس لديهم أي شيء سوى بعض المعلبات، التي إن توافرت فليس لدينا ما يكفي من المال لشرائها"، ويأملون ألا يُبشر هلال شهر الصيام قبل أن يُعلن عن هدنة وشيكة، حيث تواترت تقارير بشأنها خلال الأيام القليلة الماضية.
وذكرت تقارير أن قطر تخطط لاستضافة مباحثات جديدة بين كيان الاحتلال المجرم وحركة حماس بهدف التوصل إلى اتفاق لهدنة، وأنه تم التوصل لاتفاق على عقد اجتماع في قطر خلال الأيام القليلة القادمة لإتمام الاتفاق النهائي، قبل أن يجتمعوا مرة أخرى في مصر لوضع اللمسات النهائية لتفاصيل الهدنة المتوقعة، ولا توجد رغبة لدى النازحين في استقبال شهر رمضان على هذا الوضع المأساوي، وتفوق رغبتهم في الإعلان عن وقف لإطلاق النار، ليعودوا إلى منازلهم التي نزحوا منها ونجت من القصف الإسرائيلي العنيف، ويجتمعوا مجدداً مع من تبقى من أحبائهم على موائدهم.
وتبقى الروح الإيمانية مشتعلة لدى الفلسطينيين في غزة، رغم أنه لا توجد أي مقومات لاستقبال رمضان سوى بالإيمان والصلاة، فبعض المأكولات المعلبة هي كل ما يتوافر في القطاع وبأسعار باهظة، ويتساءل البعض: "كيف يمكننا أن نصوم أو نتسحر من الأصل؟ هل ستكون المعلبات قوتنا في رمضان؟ لا أعرف كيف يمكننا التأقلم في رمضان على هذا الوضع؟"، ويشير آخرون إلى أن أكثر ما يحزنهم هذا العام أن مائدة الإفطار ستكون ناقصة بغياب بعض أفراد عائلته الذين فرقتهم ظروف الحرب، وإن أجواء رمضان بالنسبة له هذا العام "صعبة بشكل غير مسبوق" بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية الشحيحة من الأصل في القطاع.
وقبيل أيام قليلة على حلول شهر رمضان، تعثرت المحادثات التي استضافتها القاهرة بين حركة حماس ووسطاء بهدف التوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى مع كيان الاحتلال، وسط أنباء عن انهيارها، وإن الحركة قدمت مقترحها بشأن اتفاق الهدنة إلى الوسطاء خلال يومين من المحادثات، وتنتظر الآن رداً من الإسرائيليين الذين غابوا عن هذه الجولة، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو لا يريد اتفاقًا، والكرة في ملعب الأمريكيين" للضغط عليهم من أجل التوصل إلى اتفاق.
وحول طلب كيان الاحتلال السابق تقديم لائحة بأسماء الأسرى المحتجزين في القطاع الذين ما زالوا على قيد الحياة، فأوضحت حماس أن هذا مستحيل من دون وقف إطلاق النار، لأن الأسرى موزعون في أنحاء منطقة الحرب ومحتجزون لدى فصائل مختلفة، كما أن المباحثات مستمرة ولا صحة لانهيارها، وقال مصدر مصري رفيع إن هناك بعض الصعاب التي تعترض العملية التفاوضية، لكنه نفى انهيارها بشكل تام، كما لفت قيادي في حماس إلى أنه من المتوقع أن يعقد قادة من الحركة مزيداً من المحادثات في القاهرة مع الوسطاء المصريين والقطريين، وقال إن مفاوضين من حماس سيبقون في القاهرة ليوم آخر من أجل إجراء المزيد من المحادثات بناء على طلب الوسطاء، لتستمر محادثات وقف إطلاق النار بعد مرور يومين من دون انفراجة.
نتنياهو لا يرغب بالسلام
تتحدث مصر أنها لا تزال على اتصال مع الإسرائيليين بما يسمح بمضي المفاوضات من دون مشاركة وفد إسرائيلي، وكانت آمال دولية وفلسطينية عُلقت على تلك المحادثات التي اعتبرت بمثابة المحطة الأخيرة قبل التوصل إلى أول هدنة طويلة مدتها 40 يوماً، يتم خلالها إطلاق سراح عشرات الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، وضخ المساعدات إلى القطاع المحاصر للحيلولة دون وقوع مجاعة، قبل حلول شهر رمضان، وفي حين اعتبرت واشنطن، الحليف الأقرب لكيان الاحتلال وأحد رعاة تلك المحادثات، أن اتفاقًا قبل به الجانب الإسرائيلي مطروح بالفعل على الطاولة، وإن الأمر متروك لحماس لقبوله.
في المقابل، رفضت حماس تلك التصريحات، معتبرة أنها محاولة لإبعاد اللائمة عن كيان الاحتلال إذا انهارت المفاوضات من دون التوصل لاتفاق، ومن بين العقبات التي عرقلت مؤخراً تلك القضية عودة النازحين إلى شمال غزة، فضلاً عن عدد الأسرى الإسرائيليين الأحياء ومطالبة حماس بإطلاق سراح "أسرى فلسطينيين" ممن تعتبرهم السلطات الإسرائيلية سجناء أمنيين، وكان آخر اتفاق لتبادل الأسرى بين الجانبين عُقِدَ في أواخر نوفمبر الفائت، وأفضى حينها إلى الإفراج عن 105 أسرى إسرائيليين ممن احتجزتهم حماس يوم السابع من أكتوبر، مقابل إطلاق سراح نحو 240 فلسطينياً من السجون الإسرائيلية.
وفي حين لا يزال 130 أسيراً إسرائيلياً في غزة، يُعتَقَد أن 30 منهم لقوا حتفهم، حسب التقديرات الإسرائيلية، ويتوقع دوليا أن تزداد المأساة المستمرة في غزة خلال شهر رمضان المبارك، في ظل دعوات المنظمات الدولية للأمم المتحدة بوقف إطلاق نار فوري لأسباب إنسانية والسماح لوكالات الإغاثة بالوصول إلى شمال القطاع، الذي يشهد "انهيارات إنسانية غير مسبوقة"، كما أن عمليات إسقاط المساعدات من الجو لا يمكن أن تكون بديلاً عن إدخال الشاحنات إلى غزة عبر البر، وذكّر كثيرون بأن هناك 7 معابر حدودية إلى القطاع، وبحال إيجاد الإرادة السياسية لفتحها، ستتمكن الأونروا من مواجهة "الكارثة الإنسانية الكبرى التي تحيط بكل سكان قطاع غزة".
وفيما يتعلق بالوضع المالي للأونروا، لا يزال خطيراً حتى اللحظة، فلديهم من التمويل ما يكفي حتى نهاية شهر مارس الحالي، وتبرعات الاتحاد الأوروبي تعتبر مهمة للغاية، هناك دول مثل أيرلندا التي قدمت حوالي عشرين مليون يورو، نأمل أن تكون هناك تبرعات أكثر حتى تستطيع مواصلة تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين في غزة ولبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، والتبرع الذي قدمه الاتحاد الأوروبي سيساعد إلى حد ما، ولكن الأزمة لا تزال عميقة، هناك 16 دولة كان من المفترض أن تدفع 450 مليون دولار، وهذه الدول قدمت العام الماضي حوالي 70 في المئة من ميزانية الأونروا، في حال عدم تجديد هذه المنح أو المساهمات المالية، الوضع سيكون خطيراً للغاية بالنسبة لكل مناطق عمليات الأونروا وليس غزة فقط.
ويبدو أن الوضع المالي ما زال يشكل تحديًا كبيرًا، وهذا يعكس الحاجة الملحة لمزيد من التمويل لتلبية الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة وغيرها من المناطق التي تخدمها الوكالة، وإن توفير الدعم المالي اللازم يعد أمرًا ضروريًا لضمان استمرار تقديم الخدمات الضرورية للفلسطينيين المتأثرين بالنزاع والأوضاع الإنسانية الصعبة، والموقف يبرز الضرورة الملحة لفتح المعابر وتيسير دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر الطرق البرية، وهذا يتطلب إرادة سياسية وجهوداً دولية مشتركة للتوصل إلى حلول، فالكارثة الإنسانية التي يعانيها السكان في غزة تحتم علينا جميعًا العمل بجدية لإيجاد حلول سريعة وفعّالة لتخفيف معاناتهم وتوفير الدعم اللازم لهم.
في الختام، يبدو أن الوضع الإنساني في غزة يزداد تأزمًا يومًا بعد يوم، والحاجة الملحة لفتح المعابر البرية وتيسير دخول المساعدات الإنسانية تظل أمرًا حيويًا، حيث تصاعدت حالات الجوع وسوء التغذية بين الأطفال والمدنيين بشكل مقلق، ما يجعل الدعوات لإيجاد حلول فعّالة وسريعة أكثر إلحاحًا، رمضان يقترب، والناس يشعرون بالمعاناة بشكل أكبر مع استمرار الأزمة الإنسانية، ويظل الأمل موجودا في وقف إطلاق نار حقيقي وفتح ممرات إنسانية لتخفيف معاناتهم وتمكينهم من الاستعداد لاستقبال شهر الصوم والعبادة.