الوقت- بوقاحة كبيرة، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هجومًا حادًا على محكمة العدل الدولية، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه جلسات استماع لمدة أسبوع حول العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وذلك في مقر المحكمة في لاهاي، وفي بيان صادر عن مكتب نتنياهو، أشار إلى أن جلسة استماع محكمة العدل الدولية "تأتي في إطار محاولة فلسطينية لفرض نتائج سياسية دون مفاوضات، مع عدم اعتراف "إسرائيل" بشرعية جلسة استماع محكمة العدل الدولية بخصوص ممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبر مرافعات 52 دولة المقررة حول هذا الموضوع "سيركاً إعلامياً"، داعياً المحكمة إلى الامتناع عن المشاركة، وتزامن البيان الإسرائيلي مع بدء محكمة العدل جلسات الاستماع حول العواقب القانونية لاحتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، ومن المقرر أن تمتد الجلسات حتى الاثنين المقبل، بمشاركة 52 دولة إلى جانب جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي.
عواقب قانونية للاحتلال
استهل رئيس المحكمة نواف سلام جلسته الأخيرة بذكر أسماء الدول التي ستقدم مداخلاتها، وفي مقدمتها فلسطين، حيث ستقدم كل دولة مداخلة شفهية مدّتها نصف ساعة بشأن وجهة نظرها حول المسائل الإجرائية، ومن المقرر أن تصدر المحكمة في وقت لاحق رأيا استشاريا حول العواقب القانونية للاحتلال، وان الجمعية العامة للأمم المتحدة طلبت من المحكمة، عام 2022، إصدار رأي استشاري أو غير ملزم بشأن الاحتلال، ورغم تجاهل "إسرائيل" لمثل هذه الآراء في الماضي، فإنها قد تزيد من الضغوط السياسية بشأن حربها المستمرة على قطاع غزة.
وبينما يستمر الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة، بدأت جلسات الاستماع العلنية لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، وذلك بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي المطول للأراضي الفلسطينية، ومن المقرر أن تمتد حتى 26 فبراير، وهذه الجلسات تأتي بعد قرار صدر في ديسمبر 2022 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث طلبت من المحكمة إبداء رأيها بشأن العواقب القانونية للاحتلال الطويل الأمد والاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وتأثير السياسات والممارسات الإسرائيلية على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي العواقب المترتبة على هذا الوضع بالنسبة للكيان الإسرائيلي.
ومن المتوقع أن تكون فتوى المحكمة ذات طبيعة استشارية غير ملزمة، ويُتوقع صدورها خلال هذا العام، ما يمكن أن يكون له تأثير حاسم ضد تصرفات "إسرائيل"، وخاصة بعد التصريحات الأخيرة لرئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، ويشير الواقع ظاهريا على الأقل إلى أن بايدن اتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه "إسرائيل"، ما قد يؤدي إلى قرار أشد قسوة من محكمة لاهاي، مقارنة بالحكم السابق الذي صدر في 26 يناير، بعد شكوى جنوب أفريقيا بشأن "الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني"، حيث ينص القرار السابق على أنه يجب على "إسرائيل" وجيشها اتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لتجنب ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية، دون اشتراط وقف الأعمال العدائية في القطاع.
وخلال جلسة الاستماع الأولى في محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي، انطلقت مداخلات ممثلي السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث طالبوا بتأكيد "عدم شرعية" الاحتلال والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وأشير إلى أن "إسرائيل" ترتكب "جرائم" تتضمن "الاستعمار والفصل العنصري" ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس، إضافة إلى أن سيطرة "إسرائيل" المستمرة منذ عقود على الفلسطينيين تجبرهم على اختيار بين "التهجير أو القهر أو الموت"، وهو ما يعتبره العالم "التطهير العرقي أو الفصل العنصري أو الإبادة الجماعية"، ما يعني أن الفلسطينيين يمكن أن يقضوا حياتهم كلاجئين، ويحرموا من كرامتهم وحقهم في العودة إلى وطنهم، تحت تهديد مستمر، ويرون أحباءهم يلقون في السجون الإسرائيلية ويحتجزون هناك إلى أجل غير مسمى، وأرضهم تسرق وتستعمر وتضم.
توتر إسرائيلي غير محدود
في مداخلته، طالب رئيس الدبلوماسية في السلطة الفلسطينية المحكمة بأن تصدر قرارًا تعلن فيه "أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني"، ويجب أن يتوقف "على الفور، بشكل كامل ودون قيد أو شرط"، وبمجرد انتهاء اليوم الأول من جلسة الاستماع، نشر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منشورًا على ملفه الشخصي في تويتر، مشيرًا إلى عدم اعتراف "إسرائيل" بشرعية إجراءات محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بـ"مشروعية الاحتلال"، وأكد المكتب أن المحاكمة تهدف إلى الإضرار بحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها من التهديدات الوجودية، معتبرًا جلسة الاستماع في لاهاي جزءًا من محاولة فلسطينية لإملاء نتيجة الحل الدبلوماسي دون أي مفاوضات، وأكد المكتب أن الحكومة والكنيست متحدتان في رفض هذا الإجراء وستواصلان محاربته.
وفي الوقت نفسه، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا تطالب فيه "إسرائيل" بإنهاء احتلالها لغزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وأكدت أغنيس كالامار، الأمين العام للمنظمة، أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو أطول احتلال عسكري في العالم وأكثره دموية، ما يعني أن النزاع الحالي في قطاع غزة سلط الضوء على العواقب الكارثية للجرائم التي ترتكبها "إسرائيل" بموجب القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع تشديد المحكمة على أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني ويعد شرطًا أساسيًا لوقف الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الختام، يظهر بوضوح أن حقيقة "إسرائيل" الدموية تختبئ وراء الستار الإعلامي الذي يديره اليهود بشكل كبير في وسائل الإعلام العالمية، واليوم، لن تستطيع تل أبيب مواجهة الحملات التي تهدف إلى كشف جرائمها بكل قوتها، حيث تقود جهات مهمة حملات لمقاضاتها وكشف أفعالها، وتعمل على سحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها، بالإضافة إلى محاولات منع منح الشرعية لـ "إسرائيل".
وفي هذا السياق، لن تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الضغوط بقوة على السلطة الفلسطينية والرئيس عباس كالعادة للتراجع عن الدعوى المقدمة ضدها في محكمة لاهاي، لأن الجهة مختلفة، فهي كانت تسعى لابتزاز الجانب الفلسطيني وتحاول تحقيق تقايض، ولكن اليوم، تل أبيب متخوفة من اتخاذ المحكمة الدولية قرارًا أبعد من إدانة "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب، وإذا تم اتخاذ قرارات قانونية، فسيسهم ذلك بشكل كبير في الكشف عن فظاعة ووحشية الكيان الصهيوني، التي تم تجاهلها لعقود ومعاقبته عالميا.