الوقت- مع بدء العدوان على غزة تكبد كيان الاحتلال الصهيوني خسائر فادحة بدأت تتكشف يوماً بعد يوم ، فعلى الرغم من محاولات جيش الاحتلال التعتيم على مستوى التصدع الذي لحقه إلا أن الحديث في أروقة الإعلام العبري يكشف وصول عدد الإعاقات بين جنود الاحتلال إلى عشرين ألفاً أو أكثر علاوة عن تفاقم أزمة رافضي الخدمة في جيش الاحتلال حيث كشفت وسائل إعلام عبرية أنه بعد عملية 7 أكتوبر رفضت العشرات من المجندات الالتحاق بالجيش، وأكدن أنهن يفضلن السجن على المشاركة في الحرب.
فيما تشير التقارير إلى افتتاح مراكز لتأهيل أعداد كبيرة من العسكريين الذين أصيبوا بعاهات مستديمة جراء المعارك، ومن بين هؤلاء المئات ممن أصيبوا بالعمى.
وفي هذا السياق رفضت عشرات المجندات في جيش الاحتلال الإسرائيلي مغادرة مركز تجنيد تابع للجيش الإسرائيلي بعد أن جرى تعيينهن للعمل كمراقبات عسكريات، وفقا لتقرير نشره موقع "Ynet" الإخباري الإسرائيلي وأوردته صحيفة "هآرتس"، وقال التقرير إن مجموعة من المجندات البالغ عددهن ما يقرب من 50 اعتقلن أو احتجزن بسبب رفضهن مغادرة مركز التجنيد والسفر إلى قاعدة التدريب في مدرسة حماية الحدود في سياريم ب"إسرائيل" تمهيدا للعمل كمراقبات.
تكلفة باهظة يدفعها جيش الاحتلال لأول مرّة
يُعاني جيش الاحتلال من تبعات الحرب على قطاع غزّة، وخاصّةً على مستوى الإصابات الخطيرة التي يتكبدها جنوده، ومن بينها إعاقات وبتر أطراف، فضلاً عن تشوهات وحروق في أجزاء مختلفة من الجسم، وهذه الإصابات تكلّف سلطاتهم مبالغ باهظة، ما دفع ما تسمى وزارة الأمن في كيان الاحتلال، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، إلى استئجار شركة خارجية، من أجل دراسة حالات إصابة الجنود خلال عمليات عسكرية وحروب سابقة، من أجل تقدير عدد الجنود الذين "سيستوعبون كمعوقين في شعبة التأهيل في الجيش في العام 2024".
وأكّد رئيس قسم إعادة التأهيل في وزارة الأمن الإسرائيلية، للكنيست، مؤخرا، أنّ أكثر من 4500 جندي وفرد، من قوات الأمن الإسرائيليين يخضعون حالياً للعلاج، حسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، ووفقاً له، فإنّ نحو 60 شخصاً، معظمهم من جنود الاحتياط الذكور الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، يضافون إلى هذا العدد كل يوم.
وفي وقتٍ سابق، أفاد موقع "والاه" الإسرائيلي بأنَّه منذ بداية الحرب اعترفت "إسرائيل" بنحو 4000 جندي إسرائيلي معوق، وذكر أنّ "إسرائيل تستعد لاستقبال عدد كبير من جنودها المعوقين"، مضيفاً إنه "وبعد مرور 100 يوم على الحرب، تم بالفعل الاعتراف بإصابة نحو 4000 جندي بإعاقات، وتشير التقديرات إلى وصول العدد إلى نحو 30 ألفاً".
صدمة المعركة
كشفت مواقع ووسائل إعلام عبرية، عن ظهور أعراض "صدمة المعركة" على نحو 1600 جندي منذ بدء الحرب البرية على غزة في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقال موقع "واللا" الإخباري العبري: "ظهرت أعراض صدمة المعركة على ما لا يقل عن 1600 جندي إسرائيلي منذ بدء المناورات البرية في قطاع غزة قبل حوالي شهرين".
وتابع: "حسب البيانات، فإن 76 بالمئة من الجنود عادوا إلى القتال بعد العلاج الأولي من قبل جنود في الميدان أو من قبل ضباط الصحة العقلية الملحقين بالوحدات والموجودين باستمرار قرب مناطق القتال".
ويمكن أن تظهر أعراض الصدمة القتالية أثناء أو عقب نشاط ما، وقد يشعر الجندي الذي يعانيها، من بين أمور أخرى، بتسارع النبض وزيادة التعرق وارتفاع مفاجئ في ضغط الدم واهتزاز الجسم بشكل لا يمكن السيطرة عليه، والارتباك وعدم القدرة على التركيز، و تحمل صدمة المعركة أيضا تأثيرات عقلية بعيدة المدى، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم والأرق ونوبات الغضب المفاجئة وضعف القدرة العاطفية.
وتخلص التقارير إلى وجود علاج أولي لصدمة المعركة يعيد للجندي وظائفه ويخلصه من الشعور بالعجز الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض. وإذا استمرت أكثر من أربعة أسابيع، فقد تتدهور حالة الجندي إلى اضطراب شديد بعد الصدمة، ما يتطلب تدخلاً علاجيًا أكثر تعمقًا، وحسب المعطيات، تم تسريح نحو 250 جنديا من الخدمة بسبب استمرار أعراض صدمة المعركة خلال الحرب، فيما كشفت مصادر طبية إسرائيلية أن جنود الاحتلال الذين أصيبوا في معارك غزة يعانون من صدمات نفسية صعبة وكوابيس مزعجة من هول مشاهد الحرب.
ونقلا عن عائلات جنود الاحتلال، قال موقع والا العبري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن شراسة المقاومة الفلسطينية سببت صدمات واضطرابات للجنود العائدين من غزة، وحسب تقارير عبرية، فإن المستشفيات تحقن الجنود المصدومين نفسيا بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم.
ميول انتحارية لدى جنود الاحتلال
في وقت تكشف فيه وسائل إعلام إسرائيلية عن خسائر فادحة تفوق الأرقام الرسمية من قتلى وجرحى في صفوف الجيش، يبدو أن الحرب على غزة تفرض ثمناً باهظاً ليس في الأرواح والإصابات الجسدية فقط، بل كذلك في الاضطرابات النفسية بين الجنود، الذين باتوا يعانون من ميول انتحارية، ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مسؤولين قولهم إن قسم التأهيل في الجيش قرر تشكيل فرق من أطباء نفسيين وممرضين قادرين على التعامل مع الميول الانتحارية، من أجل إجراء تقييم للجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وسيدخل البرنامج الجديد حيز التنفيذ في شباط/ فبراير المقبل، وسيشمل الجنود الذين يتلقون العلاج من حروب "إسرائيل" السابقة على غزة.
ولفتت الصحيفة إلى أن 2800 جندي دخلوا إلى قائمة إعادة التأهيل النفسي بينهم 3% يعانون من حالة خطيرة، و18% من مشاكل عقلية بسبب "إضطراب ما بعد الصدمة"، وتقول رئيسة وحدة الخدمة الاجتماعية في قسم إعادة التأهيل، نوا روفا، إن بعض الجنود الذين ساءت حالتهم النفسية، أصبحوا يتصلون بمشرفيهم أو أفراد أسرهم طلباً للإغاثة، مؤكدة أن الأعداد سوف تتضاعف خلال عامين، وقبل يومين أدلى جندي إسرائيلي عاد من قطاع غزة باعترافات صادمة أمام جلسة في الكنيست، مؤكداً أنه "يتبول على نفسه" من الرعب ليلاً وهو يرى الفلسطينيين يزورونه في كوابيسه ليسألوه: " لماذا قتلتنا؟".
وقال الجندي أفيخاي ليفي، الذي انسحب من معارك غزة: "أتخيل الآن أن قذائف آر بي جي تطير فوق رأسي، وأتخيل نفسي داخل الجرافة وأقاتل وأشم رائحة الجثث"، وأضاف "أتبول على نفسي خلال نومي من الخوف.. ولا أتمكن من النوم إذا لم أشرب زجاجة كحول".
كما حمّل مسؤولية ما حصل له ولرفاقه للحكومة الإسرائيلية، قائلاً إنها "تخلت عنا في الحرب"، وأضاف خلال اعترافاته: "أنا قتلت رجالاً بيدي من أجلكم وأنتم تقولون إن الإرهابيين تلطخت أيديهم بالدماء، أنا قتلت من أجلكم أكثر من 40 إنسانًا".
رغم التعتيم
وتأتي هذه الأرقام، رغم إصدار الرقابة العسكرية الإسرائيلية، تعليمات بشأن التغطية الإعلامية للحرب على غزّة، تحظر بموجبها على وسائل الإعلام، تناول 8 قضايا أو نشرها أو التعامل معها من دون الحصول على موافقة مسبقة من الرقيب العسكري، من بينها تفاصيل عن العمليات العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية، والهجمات الصاروخية التي تصيب مواقع حساسة في كيان الاحتلال الاسرائيلي.
حيث تخضع الإعلانات عن أي قتلى أو عمليات المقاومة إلى مقص الرقابة العسكرية أو منع من النشر، وهو قرار ملزم يتم بموجبه منع نشر أي معلومات عن القتلى سواء من وسائل الإعلام، أو من المؤسسات الرسمية، أو من المستوطنين.
كما يمنع الاحتلال وسائل الإعلام الإسرائيلية من تداول ما تنشره فصائل المقاومة من مقاطع مصوّرة تظهر استهداف الجيش وتكبيده الخسائر، إلا أنه و في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي خالفت صحيفة يديعوت أحرونوت هذه السياسة وغردت خارج السرب، ونشرت تقريرا صادما عن خسائر جيش الاحتلال في الحرب على غزة، وقالت فيه إن عدد الجنود الجرحى بلغ نحو 5 آلاف، من بينهم ألفان على الأقل أصبحوا في عداد المعوقين، لكن الصحيفة ما لبثت أن سحبت تقريرها، ونشرت أعدادا أقل من ذلك بكثير.
وفي اليوم ذاته، تكشف صحيفة هآرتس أن ثمة فجوة كبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي يعلنه الجيش الإسرائيلي، وما تظهره سجلات المستشفيات، مشيرة إلى أن العدد الذي أعلن عنه الجيش هو 1600 جريح، بينما تظهر القوائم التي أعلنت عنها المستشفيات أنها استقبلت 4591 جريحا خلال الفترة نفسها.
وفي تأكيد لهذه المعلومات، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خسائر فادحة تفوق هذه الأرقام بكثير، وقالت إن المستشفيات تكتظ بالجرحى من العسكريين، وإن المقابر تستقبل أعدادا هائلة من الجثث.
و يتكتّم جيش الاحتلال بصورة كبيرة على خسائره، وتحديدا البشرية، في المعارك الدائرة في قطاع غزة، لعدة أسباب، أهمها:
- الحفاظ على معنويات الجنود على خط المواجهة من الانهيار.
- تخفيف وقع الصدمة على الجمهور الإسرائيلي.
- عدم إثارة الرأي العام ضد القيادة السياسية والأمنية.
- التحسب من توليد ضغط سياسي وشعبي لإنهاء الحرب.
- جزء من الحرب النفسية التي يخوضها ضد المقاومة، فإن الإعلان الحقيقي عن أعداد القتلى تأثيره إيجابي على الروح المعنوية والقتالية للمقاومين.
- للمحافظة على السمعة التي بناها جيش الاحتلال عن نفسه داخل "إسرائيل" وحول العالم، وعدم كسر للصورة النمطية عن "أحد أقوى جيوش العالم".
- ترسيخ الثقة إقليميا ودوليا بالأسلحة ومعدات الجيش التي تؤمن له الحماية، سواء الآليات أو البرامج التقنية، رغم ذلك يبقى كيان الاحتلال مضطراً للاعتراف ببعض الخسائر بسبب توثيق المقاومة الفلسطينية نفسها لكثير من هذه العمليات ما يضع مصداقية جيش الاحتلال على المحك بالإضافة إلى الوثائق الرسمية مثل كشوفات المستشفيات و مراكز الجرحى والتأهيل والطب النفسي التي لا يمكنه إخفاؤها.