الوقت - تزداد المواجهة المباشرة بين إيران والكيان الصهيوني يوماً بعد يوم، ويبدو أن انهيار المعادلات الأمنية في المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى، أدى الآن إلى تغيير في معادلات الردع التقليدية بين طهران وتل أبيب.
فبعد أيام قليلة من الهجوم الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على أحد المقرات الرئيسية للموساد في إقليم كردستان العراق، وتدميره بالكامل بصواريخ موجهة، وذلك رداً على العملية الإرهابية في كرمان واستهداف الشهيد رضي موسوي قائد دعم قوات المقاومة في سوريا، هاجم الکيان الصهيوني مرةً أخرى مقراً للقوات الاستشارية الإيرانية في سوريا.
وحسب الإعلان الرسمي للحرس الثوري، فإن خمسة مستشارين عسكريين إيرانيين استشهدوا جراء هذا الهجوم الذي وقع قبل ظهر السبت الماضي، في الأراضي السورية في الحي الأمني بدمشق.
في الوهلة الأولی، تبرز هذه المواجهة المتصاعدة مؤشرات على اتساع نطاق أزمة الحرب في غزة، وهي قضية يمكن رؤية لهيبها من حدود لبنان والأراضي المحتلة إلى شواطئ البحر الأحمر وباب المندب، وإلى القواعد الأمريكية في العراق، ولهذا السبب، تحذر العديد من الحكومات من احتمال أن يصبح الوضع أكثر خطورةً.
إن الوضع الحالي يجعل طرفي المعادلة، أي محور المقاومة من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وبناءً على تحليل الوضع، يرون أن اتساع نطاق الحرب هو الحل الوحيد أمامهم.
يجد الکيان الصهيوني، وبنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، نفسه في مأزق كبير، حيث إنه إذا خرج من حرب غزة دون تحقيق إنجاز عسكري كبير، فلن يكون من الممكن تجنب عواقب أمنية وعسكرية ثقيلة على الکيان، ونهاية الحياة السياسية للحكومة المتطرفة.
في الأسابيع الأولى لبدء العمليات العسكرية في غزة، كان القادة الصهاينة قد أعدوا في حساباتهم إمكانية هزيمة حماس الكاملة، والاحتلال العسكري لغزة، وإطلاق سراح جميع الأسرى الصهاينة، كتعويض مرضٍ عن الفشل الاستخباري والأمني الفادح في عملية طوفان الأقصى، ونتيجةً لذلك عادت معادلات الردع إلى الوضع السابق.
لكن الآن، مر أكثر من 100 يوم على المغامرة العسكرية للکيان في غزة، ولم يقتصر الأمر على عدم تحقيق أي من الأهداف الأساسية للحرب على المدى القصير، بل حتى القادة الصهاينة أنفسهم يعترفون بأنه لا توجد إمكانية لتدمير حماس وتحرير الأسرى من خلال عمل عسكري على المدى الطويل.
وفي هذه الظروف، فإن محاولة توسيع الحرب هي الحل الوحيد الذي تراه سلطات تل أبيب أمامها، والذي يمكن أن يجرّ أمريكا إلى مستنقع المواجهة العسكرية مع المقاومة، ويحمي حكومة نتنياهو المتشددة من موجة الانتقادات الداخلية واسعة النطاق لإطالة أمد الحرب، وزيادة عدد ضحايا الکيان، وعدم القدرة على هزيمة جماعة مسلحة في المنطقة الجغرافية الصغيرة جدًا في غزة.
وعلى الجانب الآخر، فإن قوى المقاومة، وفقاً لرغبة الفلسطينيين وحماس، وانطلاقاً من منطق التحالف الاستراتيجي العسكري والأمني، وارتكازاً على مبادئ أيديولوجية دينية، ومن منطلق واجب مساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم، تصر على تفعيل جبهات القتال الأخرى ضد تل أبيب وداعمها الرئيسي الولايات المتحدة، حتى انتهاء العدوان الغاشم للجيش الصهيوني على المدنيين في غزة.
وهذا في الواقع بديل وأداة ضغط حيال صمت المؤسسات والحكومات التي تأخرت وتقاعست عن القيام بواجبها، في إيقاف آلة القتل التي يمارسها الصهاينة.
وفي الواقع، يعتبر محور المقاومة أيضاً أن الرغبة في توسيع نطاق الحرب، هي بمثابة إنذار لتحذير أمريكا وغيرها من الداعمين الغربيين وغير الغربيين للکيان، للإشارة إلى مخاطر استمرار العمليات العسكرية الصهيونية في غزة، في تعريض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر، ونتائجها الكارثية على مصالح هذه الدول.
وفي هذه المواجهة ذات الاتجاهين، يحاول الصهاينة بذل جهد أكبر للتظاهر بأنهم يقاتلون إيران بشكل مباشر، وبالتالي تغيير الصورة لدی الرأي العام عن فشل ما يسمى الجيش الذي لا يقهر في جبهة غزة الصغيرة، إلى صورة جبهة واسعة مثل جغرافيا المنطقة، وفي قلب تلك الحرب هناك قوة عسكرية عظمى اسمها إيران، وادعاء تحقيق النجاح في هذه المواجهة باغتيال المستشارين العسكريين للحرس الثوري الإيراني في سوريا.
وعلى هذا الأساس، يتفاخر نتنياهو، الذي يرى نفسه وحكومته تنهار بفعل فصائل المقاومة في غزة فقط، مراراً وتكراراً بـ "ضرب رأس الأفعى" و"الحرب المباشرة مع إيران".
وقد أعاد هذه العبارات مرةً أخرى يوم الخميس الماضي (18 كانون الثاني/يناير)، ورداً على سؤال صحفي لماذا تكتفي "إسرائيل" بمهاجمة القوات العميلة بدلاً من مهاجمة إيران بشكل مباشر؟ قال: "من قال إن إسرائيل لا تهاجم إيران، إننا نهاجم إيران".
وفي هذه المواجهة المتزايدة، رغم أن الجمهورية الإسلامية أظهرت أنها توجّه الرد المتناسب على كل ضربة إسرائيلية، وكان مقتل عناصر من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، بمثابة رد الفعل الغاضب للصهاينة على تدمير مقر استخبارات الموساد في شمال العراق ومقتل ضابط استخباراتهم البارز، لكن الطرف الذي يحتاج أكثر إلى الجانب الإعلامي والدعائي والنفسي، لإعداد أجواء الصراع المباشر بين طهران وتل أبيب، هو الصهاينة وحكومة نتنياهو المتطرفة.
في الواقع، السؤال المطروح هو، لماذا لا ترغب حكومة نتنياهو الحربية في تسليط الضوء على وضع الحرب مع حزب الله اللبناني، الذي ينفذ عمليات كل يوم على الجبهة الشمالية للأراضي المحتلة، ويوقع خسائر في صفوف الجيش الصهيوني؟ أو لماذا لا تتوجه مقاتلات وبوارج الجيش الصهيوني إلى اليمنيين، للدفاع عن أسطولهم البحري؟
فهل تعتقد حكومة نتنياهو الحربية، أن القوة العسكرية الإيرانية لتدمير "إسرائيل"، أقل من قوة حزب الله في لبنان أو جماعة أنصار الله في اليمن، ولهذا تتخذ اللفتة الحربية ضد طهران، ولكنها دفاعية وتمارس ضبط النفس ضد قوى المقاومة الأخرى؟
الجواب هو أن نتنياهو وزملاءه في حكومة الکيان المنهارة، يعرفون أكثر من أي شخص آخر عجز الجيش الصهيوني المطلق في مواجهة القوة العسكرية الإيرانية.
والحرب المباشرة مع طهران ليست أمراً يفكر فيه قادة تل أبيب، بل إن السلطات الصهيونية تسعى الآن أكثر إلى إظهار جبهة الحرب موسعةً للرأي العام الداخلي، من أجل التقليل من وقع الهزيمة من حماس، وجعل طهران تتفاعل عاطفياً، لإقحام أمريكا في حرب واسعة النطاق مع محور المقاومة.